إلى الرفيق المجاهد رفيق الـحلبي
كوماسي - الشاطىء الذهبي
أيها الرفيق العزيز،
تسلمت أول أمس كتابك الأخير الـمؤرخ في 12 أغسطس/آب الـماضي وأنا أهمّ بالكتابة إليك فشكرت التقادير التي أوصلت إليّ كتابك في الوقت الـمناسب.
كنـت قبـل ذلـك بـمـدة قد تسلمت نسخة كتابك إلى حضرة رئيس الـمجلس الأعلى الـموقر، الأميـن الـجزيل الاحترام نعمة ثابت (صادرة رقم 25 - 5 - 46) ونسخة مرفقة بها لكتابك الـمؤرخ في 8 يوليو/تـموز 1946، الـموجّه إلى حضرة الرفيق رئيس مكتب عبر الـحدود.
أطلعتني هذه الوثائق على ناحية القضايا الشخصية - الإدارية في منفذية أفريقية الغربية وكيفية معالـجتها من قبل رئاسة مكتب عبر الـحدود، وسأحتفظ بها للاستفادة منها حيـن النظر في إعادة تنظيم أو توسيع تنظيم مكتب عبر الـحدود وأعماله وفي حالة كل فرع من الفروع التابعة له، بُعَيْد عودتي التي أصبحت قريبة.
مع ذلك فإني أغتنم هذه الفرصة لإبداء بعض ملاحظات ضرورية في صدد بعض تعابير كتابك إلى حضرة رئيس الـمجلس الأعلى الـموقر والأسباب الـمقدّرة لعدم إجابتك عليه. فقد وجدت أنك استعملت في كتابك الـمذكور، في صدد انتقادك لفصل مديرية سيراليون عن منفذية أفريقية الغربية وجعلها في مرتبة مديرية مستقلة، تعبيراً انتقادياً جارحاً وجامحاً عن القواعد التي يجب مراعاتها لرفع أعمالنا ودروسنا وآرائنا عن اندفاع الـحدة الشخصية ولـجعلها دائماً ضمن إطار الرصانة والـجدّ الذي يجب أن يسيطر على تصرفاتنا وأقوالنا. فقولك: «وإني أرى في جعل مديرية سيراليون مديرية مستقلة ومنفصلة عن الشاطىء إفلاساً سياسياً مـمتازاً وسوء إدارة باهرة» يخرج بانتقادك عن توخّي الإصلاح وتبيان أفضلية إبقاء مديرية سيراليون تابعة لـمنفذية أفريقية الغربية أو لـمنفذية الشاطىء الذهبي إلى نوع من التّهكم أو من الاستخفاف بنظر الإدارة الـمركزية التي أقرّت فصل الـمديرية الـمذكورة وجعلها مستقلة، ومن عدم إقامة وزن للاعتبارات التي استندت إليها تلك الإدارة، بصرف النظر عما إذا كانت قد أحسنت استنتاجاتها أو لم تـحسنها، وهو غير جائز عرفاً في الـمخاطبات الإدارية بيـن الـمرؤوسيـن والرؤساء، منعاً لتحكّم الوجهات الشخصية في الإدارة وللإقلال من هيبة الـمراجع الإدارية. ولو أنك جعلت عبارتك هكذا، مثلاً: «وإني أرى في جعل مديرية سيراليون مديرية مستقلة ومنفصلة عن منفذية الشاطىء الذهبي تدبيراً يضعف قوة هذه الـمنفذية ويقلّل من النشاط القومي الاجتماعي الذي بلغ هذا الشأو في أفريقية الغربية بفضل وحدة الصفوف في وحدة الإدارة، وأعتقد أنّ نتيجة هذه التجزئة الإدارية ستقوي روح النزعة إلى زيادة الـميل نحو الإكثار من الإدارات الصغيرة الـمستقلة التي ترهق الإدارة العليا وتقوي النزعات الفردية في صفوفنا القومية. ولست أقصد من هذه الـملاحظة غير إبداء رأيي في مسألة إدارة العمل السوري القومي الاجتماعي في أفريقية الغربية الذي اختبرته بنفسي مدة عدة سنوات. وإني أعلم أنّ فوق رأيي رأي أعلى وأرجو أن لا تؤدي هذه التدابير الإدارية الـجديدة إلى ما أخشى وقوعه.» لو وضعت عبارتك بهذا الشكل لأظهرت انتقادك بـمظهر تعميري لا يتوخى غير مصلحة الـحركة ويبعد عنه كل استخفاف بالـمسؤوليـن الأعليـن فلا يلذع ولا يذهب بالغاية الـحميدة منه.
أما عدم إجابة حضرة رئيس الـمجلس الأعلى الـموقر على كتابك فلست أشك في أنه نتيجة ازدحام الأعمال والقضايا السياسية عليه هو يحمل الآن العبء الأكبر في تدبير الأمور وتدبّر الـمواقف السياسية في هذا الظرف الدقيق، والقوى منصبّة على درس معركة الانتخابات الـمقبلة والتهيؤ لها واتّقاء الدسائس والـمكائد الـخطرة. ومن الأدلة على ذلك أني أنا نفسي بقيت أنتظر أكثر من شهرين إلى أن وردتني رسالة أخرى منه بعد كتابه الأول، حتى خشيت هذه الإطالة وصرت أحسب لانقطاع الاتصال مع الـمركز هذه الـمدة الطويلة نسبياً الـحسابات العديدة. ويجب أن نعلم أنّ الإدارة لا تـملك غير آلة كتابية واحدة بالـحرف العربي، وأنّ أشخاص العمد تبدلوا في الـمدة الأخيرة ونقص عدد العامليـن في الدوائر العليا بسبب سفر الرفيق غسان تويني إلى أميركانية، وسفر الرفيق أسد الأشقر إلى مصر حيث نشر كتابه من صميم لبنان الذي يحتوي مقالات أدبية جارى فيها الوضع اللبناني الـحاضر كل الـمجاراة ومدح في بعضها شخص رئيس جمهورية لبنان الـحالي وملك مصر، وترك الدكتور كريـم عزقول الأعمال الإدارية لعزمه على السفر أو لأسباب أخرى عارضة وغير ذلك. وجميع هذه الأسباب وما يتعلق بها وحالة الوطن السياسية كلها توقّر الإدارة الـحزبية وتبرر تأجيل النظر في بعض الـمسائل الإدارية الـمحدودة في بعض فروع عبر الـحدود. ولكن الأمور لن تبقى على هذا الشكل، خصوصاً وإني أسعى الآن لأجعل عودتي إلى الوطن سريعة.
هذا الـموضوع - عودة الزعيم، هو أهم ما أريد أن أكتب إليك فيه.
بعد اتصال الرفيق غسان تويني بي وإرساله تقريراً مسهباً عن حالة الوطن وحالة الـحزب، وبعد ورود أول كتاب رسمي من رئاسة الـمجلس الأعلى الـموقر تلاه نسخة مذكرة قُدّمت إلى الـحكومة اللبنانية بطلب إصدار جواز سفر باسم الزعيم ليتنقل حيث يشاء وليعود إلى الوطن، وكتب قليلة من مكتب عبر الـحدود، انقطع الاتصال من جهة الـمركز بي مع أني أرسلت أكثر من كتاب واحد جواباً على كل ما ورد من الـمركز، حتى خشيت عدم وصول رسائلي وابتدأت أكتب إلى أميركانية ومصر، وكنت على وشك الكتابة إليك للاتصال بالـمركز بطرق متنوعة تأميناً للمواصلات. وفي هذه الـمدة التي جرى فيها الانقطاع لم أقدم على مباشرة إنهاء أعمالي التجارية لعدم يقيني من إمكان العودة، ولأني كنت أنتظر الـمعلومات الوثيقة الأخيرة من الـمركز، وهذه الفترة أخّرت نوعاً سرعة تدابير الزعيم للسفر. أخيراً وردني من نحو عشرة أيام كتاب من حضرة رئيس الـمجلس الأعلى الـموقر كتبه بخط يده بعد نحو ساعتيـن من انتهاء جلسة الـمجلس الأعلى التي بحث فيها أمر عودة الزعيم وتقرر طلب عودته «بـمنتهى السرعة»، على أن يسعى الزعيم بنفسه لإتـمام معاملة حصول جواز سفر له إما بواسطة قنصلية لبنانية في البرازيل أو في أميركانية أو في مصر، وهذا يعني مخابرة مع سان باولو البرازيل لـمعرفة هل بالإمكان الـحصول على جواز سفر من القنصل هناك ثم استحصال «جواز مرور» موقت للوصول إلى البرازيل أو إلى مصر حيث يـمكن إتـمام معاملة جواز السفر. وفي ذلك من إضاعة الوقت ما فيه، والظاهر أنّ الـحكومة اللبنانية تريد التطويل في عودة الزعيم وإقامة ما أمكن من العراقيل في وجهه إلى أن يـمرّ وقت الانتخابات الـمقبلة، على الأقل، ولا أمل أكثر بالـحكومة الشامية. فعليّ إذن الاعتماد على خططي وأعمالي ومجهود القومييـن الاجتماعييـن عبر الـحدود.
الوجهة الـمالية هي أهم وجهة. فقد ابتدأت تقويض الـمحل التجاري الذي بنيته بعد أن هدمته سرقة الأثيم الـخسيس الـمدعو جبران مسّوح. ولست أدري ما تكون نتيجة التصفية النهائية عند بيع الـمحل، إذا تقدم شارٍ في هذه الـمدة أو حيـن التصفية بصفقات بخسة، ولست أعلم مبلغ الـخسائر من ديون وغيرها التي أتعرض لها بسبب السرعة. لذلك يجب عليّ الاعتماد على احتياطي من الـمال لتأميـن حركات الزعيم وتنقلاته ولسد أية ثغرة تنفتح عليه بسبب تصفية أعماله السريعة.
كل ما أرجوه من تصفية أعمالي أن أتـمكن من إعادة الـمبلغ الـمقترض من ابن حمي، والـخسائر الأخرى لا يعود لها أهمية كبيرة، وتبقى مسألة ترك شيء يسير لعائلتي التي تنتقل إلى السكنى في بيت حماتي وابنها وابنتها الأخرى في بوينُس آيرس بانتظار دعوتي لـموافاتي إلى الوطن.
كنت قد سألتني هل أنا بحاجة إلى مال وعرضت عليّ إرسال أي مبلغ قد أحتاج إليه من الـمنفذية أو منك شخصياً، وأجبتك أني شخصياً لا أحتاج إلى شيء. هذا الـموقف سيتغير حين أصفّي أعمالي التجارية وتصبح كل حركاتي وأعمالي رهن الـحركة. حينئذٍ سأحتاج إلى الـمال للأعمال التي من شأن الزعيم القيام بها لـمصلحة القضية القومية الاجتماعية الـمقدسة. وأول ما يجب تأمينه هو الـمال اللازم لـحرية تنقّلي وعودتي إلى الوطن، وإني أطلب ذلك من جميع الفروع عبر الـحدود، كل فرع على قدر استطاعته ويجب ألا يدخر شيء لاعتبارات وهمية سقيمة هي من مخاوف النفسية اللاقومية. فإنّ ما يحتمل أن يزيد على حاجة نفقات التنقلات الضرورية فهو يبذل في حاجة الـحركة الـماسّة في الوطن لزيادة دعاوتها في هذا الوقت استعداداً للمعركة، بل الـمعارك الـمقبلة، ولزيادة ضبط الإدارة وإعداد الصفوف. فيجب على جميع القومييـن الاجتماعييـن التصرف وفاقاً لروحية الـجهاد وبإدراك واضح لدقة الـموقف وللفرص الثمينة التي يجب اغتنامها.
إنّ مسألة عودة الزعيم ووجوده في مركز القيادة على رأس دائرة أركان الـحرب هي مسألة أولية للقضية الـمقدسة، ويجب على جميع السورييـن القومييـن الاجتماعييـن عبر الـحدود وفي الوطن التعاون وبذل الـجهد لتحقيق هذه الضرورة.
فأحب أن أعلم ما هي الكمية التي تقدر منفذية الشاطىء الذهبي ومديرية سيراليون أن تضعها في مدة وجيزة تـحت تصرّفي لترسل إلى الأرجنتيـن أو البرازيل أو إلى أي مكان آخر أشير به. وقد أحتاج هنا بادىء بدء إلى نحو مئة استرلينية، فهل في الإمكان إرسال مثل هذا الـمبلغ أو ما يدانيه في أواسط أكتوبر/تشرين الأول الـمقبل؟
مثل هذه السؤالات أوجّه إلى البرازيل وأميركانية ولست أدري ما سيكون الـجواب وبأية سرعة يـمكن تكوين مبلغ مالي يستحق الذكر.
في هذا الصدد يخطر في بالي أن أعلّق تعليقاً سريعاً على حركة جمع الـمال من النزالة في الشاطىء الذهبي لنجدة حركة الشعب التحررية، فأعتقد أنّ الألفيـن وخمس مئة وسبعيـن استرلينياً كان أجدى لنهضة الأمة لو حُوّلت إلى الوطن باسم لـجنة من أركان الـحزب أو مختلطة، على الأقل، منهم ومن أمثال الـمير أميـن مصطفى أرسلان وبعض الـمحبذين. وكان ذلك أنفع من اكتساب بعض عناصر يـمكن اكتسابها بعد مدة قليلة باشتداد ساعد الـحزب في الوطن. فإنّ أهم ما يعوزنا هو الـمال وقد آن لنا أن نهتم بهذه الناحية العملية. وكل مال يجمع ويرسل إلى الـحكومات الرجعية في الوطن تستعمله هذه الـحكومات لـمحاولة خنق الـحركة القومية الاجتماعية فكأننا نعطي سلاحنا لأعدائنا. أمامنا مشاريع هامّة يـمكن إثارتها لـحشد القوة الـمالية: تنظيم الدفاع عن الإسكندرونة، تنظيم الدفاع عن فلسطيـن، مدّ الـمدارس القومية الروح في أنحاء الوطن.
لست أدري هل تساعد الظروف على الـمرور بالشاطىء الذهبي؟ أرجو لك الفلاح.
هل سافر الرفيق أميـن الأشقر إلى الوطن ليبقى أم ليعود إلى الشاطىء؟ ولتحيى سورية.