إلى الرفيق غسان تويني
كمبردج - ماستشوستس - أميركانية
أيها الرفيق العزيز،
كتبت إليك في 4 أغسطس/آب الـحاضر كتاباً شغل 17 صفحة جواباً على كتابك الـمؤرخ في 22 يوليو/تـموز الـماضي. وقد شرحت لك فيه، بـمنتهى الاقتصاد في العبارات، بعض وجوه نظري ومستنداتها الـحقوقية - الدستورية - النفسية - الإدارية في ما يختص بـملاحظاتي على بيان «عميد الثقافة الأساسي» الـمشتمل على التصريح بـمسؤوليات غير مندمجة في وحدة مسؤولية الإدارة الـحزبية في كل مصلحة عامة وكل عمل مستند إلى دستور الـمنظمة السورية القومية الاجتماعية.
ثم أني ضمّنت كتابي الـمذكور التوجيهات والتحليلات التي رأيتها لازمة لتخطيط عملنا القومي الاجتماعي في أوساط مغتربينا.
وأخيراً ذكرت لك فيه انقطاع مراسلات الـمركز منذ 6 مايو/أيار الـماضي وكلّفتك إبلاغ ذلك إلى الـمركز.
والآن أكتب إليك ثانية قبل ورود جواب منك لأبلغك ما يلي: إني تسلمت كتاباً من حضرة رئيس الـمجلس الأعلى الـموقر منذ نحو عشرة أيام، وقد وصل إلى يدي في اليوم السابق لسفري إلى خوخوي لزيارة الـمديرية هناك، ففرّج وصوله كرباً كنت ابتدأت أتضايق منه.
يعلن لي كتاب حضرة الرئيس إجماع الـمجلس الأعلى على ضرورة عودتي إلى الوطن «بـمنتهى السرعة»، ويعدني بتقرير مفصّل يصدر بعد أسبوع وحتى الآن لـمّا أتسلمه، وقد كنت أنتظر هذا الكتاب التوكيدي لأبدأ بإنهاء علاقاتي الـخصوصية في هذه البيئة الغريبة.
قد باشرت هدم البناء التجاري الذي اضطررت في هذا الـمحيط الفقير الثقافة العديـم الوجدان القومي لتشييده، ولست أدري كم تطول مدة الهدم، ولكن لا بد من قضاء بضعة أشهر في هذا العمل إذا لم يوجد من يشتري الـمحل في هذه الآونة.
إني أرى الضرورة السياسية تقضي بتعجيل عودتي فهنالك أمور وحوادث تـجري في الوطن لا تدعو إلى اطمئناني، وإني أخشى أن يكون الـحزب مطمئناً أكثر من اللازم إلى الفترة التي حصلت فيها الهدنة الداخلية، ولست راضياً كل الرضى من سياسة [صدى] النهضة الإذاعية وإن تكن قد تـحسنت نوعاً في الـمدة الأخيرة، وقد تشاءمت من خبر حلّ حكومة الشام الأحزاب السياسية تـحت ستار «القضاء على الشيوعية» التي كان الكتلويون يشجعونها ويستندون إليها في عهد حكومة «الـجبهة الاشتراكية» الفرنسية قبل الـحرب الأخيرة. وقد وردني خبر يفيد أنّ حكومة لبنان تفكر بالسير على هذا الـمنهاج.
وكنت أرقب من خلال الأخبار القليلة التي وصلت إليّ في الـمدة الأخيرة بوادر الـحالة السياسية الـمقبلة التي سيحتاج الـحزب إلى حشد جميع قواه الـمعنوية والـمادية لـمواجهتها بثقة وثبات، وكانت هذه البوادر تقلقني والآن يزداد قلقي.
يقول حضرة الرئيس في كتابه إنّ عودة الزعيم الـمسرعة تقتضي جهود الزعيم في الـمغترب وجهود الـحزب في الوطن، وهو صحيح ويجب بذل الـجهود عبر الـحدود وفي الوطن بتوافق للوصول إلى النتيجة الـمرغوبة.
سأحاول زيارة البرازيل في عودتي، لأنها في طريقي، أما أميركانية فزيارتي لها تقتضي: وجود تقدير لفوائد حقيقية، هيولية أو حسية، تستأهل صرف الوقت اللازم وحصول الـمال اللازم لتسهيل السفر بسرعة.
إني أرى وجوب التحرك من هنا بعد شهرين أو ثلاثة، على الكثير، حتى نوفمبر/تشرين الثاني، فإذا لم أكن قد أنهيت جميع الـمسائل الـخصوصية حتى الشهر الـمذكور فأكون قد أنهيت الأهم منها. وما تبقّى يـمكن، بحكم الضرورة، أن تبقى زوجتي إلى أن تنهيه بالكلّية ثم تسافر إلى بوينُس آيرس حيث تقيم مع أمها وإخوتها بانتظار موافاتي إلى الوطن.
ولـمّا لم يكن منتظراً أن يبقى لي، بعد تصفية أعمالي وإيفاء ما عليّ، مبلغ يستحق الذكر وكان من الضروري إبقاء شيء لاحتياج زوجتي وطفلتي، فإنّ تـحركي، كيفما كان وأنّى كانت وجهته، يحتاج إلى تأميـن مبلغ مالي يجعل سفري مـمكناً. ولتحقيق هذه الغاية الـملحّة يطلب مساهمة منفذية أميركانية والـمكسيك مساهمة فعلية مستعجلة.
إنّ سرعة انتقالي من الأرجنتيـن تتوقف على سرعة حصول الإمكانيات الـمادية، فإذا تهيأت مبالغ مالية تسهّل لي إنهاء علاقاتي هنا بسرعة والانتقال، فيمكن أن يكون سفري بعد شهرين، في الكثير، وفي هذه الـحالة يـمكن الـمرور سريعاً بالبرازيل إلى الولايات الـمتحدة الأميركانية. ويحتمل، بعد ذلك، مروري بالشاطىء الذهبي في أفريقية الغربية في طريقي إلى الوطن. ولكن هذا الـمنهاج يحتاج إلى تأميـن نفقاته.
سأكتب إلى البرازيل لأضع على الرفقاء هناك مسؤولية الـمساهمة الفعلية في تأميـن سفر الزعيم، ثم أكتب إلى منفذية أفريقية الغربية لتقوم بـما تقدر عليه، وسأطلب مساهمة فرع الأرجنتيـن أيضاً بعد تأميـن إرسال مبلغ مالي ما إلى الـخزينة العامة في الوطن.
على هذه الـخطة يجب أن تنصبّ الـجهود، لأنه إذا كان الـمقصود أن أقود الـمعركة السياسية في الوطن فلا بد من وجودي هناك، أو في أقرب بقعة مـمكنة، ولا بد من تركي الاهتمام باقتصادياتي وأسباب حياة عائلتي. أما إذا كان الـحزب يقبل أو يفضّل الانتظار إلى أن أكون قد جمعت ثروة كافية تغنيني، في تنفيذ خطتي عن تكليفه بأي شيء مادي فلا يبقى لي اختيار.
ما هو الـمبلغ الذي يـمكن فرع أميركانية جمعه بسرعة لغرض سفر الزعيم، هل يبلغ ألف دولار أو خمس مئة؟ على مقدار الـمال الـمتجمع تبنى خطة السفر، والنفقة في التنقل إلى البرازيل وأميركانية وأفريقية الغربية هي غير النفقة للسفر رأساً إلى الوطن، وأفريقية الغربية عرضت عليّ من زمان فكرة زيارتها وتعهّدها بالنفقات إلى هناك ومنه إلى الوطن، وسأخابرها الآن في هذا الصدد لأعرف النتيجة الأكيدة.
إنّ الـمركـز قـد تـأخـر عن الاتصـال بي مدة سنتين أو سنة، على الأقل، في هذه الـمدة ضاعت فرصة ثمينة ولا يـمكن اغتنام ما تبقّى إلا بالنشاط العملي وصلابة العزيـمة وسرعـة التنفيـذ.
أرجـو أن تـكون وجميـع الرفقـاء حولـك بخيـر. سلامي القومي لك ولهم. ولتحيى سوريـة.
بعد: كنت قد كلّفت الرفيق ميشال أبو رجيلي الاهتمام بأمر الـحصول على آلة كاتبة بالعربية لـمكتب الزعيم الذي يحتاج إليها حاجة ماسّة وأخرى للمركز، وأحب أن أعرف هل توفّق إلى شيء، وهل يـمكن الرفقاء والـمحبذين هناك التبرع بهاتيـن الآلتيـن أو بواحدة منهما؟ آلة مكتب الزعيم يجب أن تكون للحمل Portative وأرقامها يجب أن تكون عربية 4.3.2.1 وليس هندية.