إلى حضرة الرفيق الأب بولس مسعد
القاهرة - مصر
أيها الرفيق العزيز والأب الـمحترم،
كان سروري كبيراً بورود خبر انضمامك الفعلي إلى صفوف حركتنا السورية القومية الاجتماعية بعد أن كنت منضماً إليها في العقيدة والفكر. وإني لا أزال أذكر نداءك الصريح القوي في العاصفة الذي كان حقه أن يلاقي أسماعاً مصغية وأفهاماً واعية. وكم كنت متأسفاً، في ذلك الـحين، على عدم حصول اتصال شخصي وثيق بيني وبينك، كما كنت أتوقع وأرغب، وعلى انتدابك وسفرك إلى مصر قبل أن تقوّى الـمعرفة ويتوثق التفاهم بيننا. فقد كنت أشعر، منذ قراءتي نداءك في العاصفة، وطبعك كتابك في إبن سينا، أنّ قضايا هامّة من تخطيطي السياسي - الاجتماعي لـحياتنا القومية التي بعثتها نهضتنا توجب أن يطّلع عليها وببعضها مفكر نابه في مثل وظيفتك ومركزك، وكما أعتقد، مـما وقفت عليه من حيويتك ووعيك ونشاطك الروحي، أنك أهل له، خصوصاً بعد اتضاح تـحلّيك بـمتانة العقيدة والـخلق ومتابعة الغرض الأسمى الواضح بانضمامك النهائي إلى الـحزب بعد جميع الزعازع السياسية التي هبّت على قضايا الأمـم السياسية، وعلى قضيتنا القومية - السياسية بنوع خاص.
بهذا الشعور وبهذه الرغبة، أرسلت، بُعيْد وقوفي على خبر انضمامك السارّ، أهنئك، في كتاب أرسلته إلى الرفيق أسد الأشقر، باتخاذك هذه الـخطوة الفاصلة التي أتوقع، من ورائها، أعمالاً مفيدة لتحقيق غايتنا الكبرى. وقد تسلمت من الرفيق أسد الأشقر كتاباً خلواً من التاريخ ولكن روسم البريد يظهر تاريخ 18 يونيو/حزيران الـماضي، وليس في هذا الكتاب أية إشارة إلى أنّ تهنئتي إياك قد وصلت إليك. والظاهر أنّ شدة انشغال الرفيق الأشقر بسياسة الـحزب العملية وكيفية توجيهها لتوافق الـحالة الـجديدة العارضة بعد الـحرب جعله ينسى تاريخ كتابه وبعض الواجبات الضرورية. إني أعرف مزاج الرفيق أسد الأشقر العصبي وشدة اندفاعه في مجرى الأفكار والآراء اللامعة، وهما صفتان من أحسن الصفات الـمؤهلة للكتابات الإذاعية، ولكن التخطيط السياسي هو عمل دقيق جداً لا يـمكن بلوغ أحسن النجاح فيه بواسطة الأفكار اللامعة.
يخبرني الرفيق أسد الأشقر، في كتابه، عما قام به من الأعمال الـحزبية في الوطن من حين عودته إليه، وينتقد في أثناء استعراضه ما فهمه أو استنتجه من بعض مواقف الـحزب السياسية وطريقة أفراده العقائدييـن، ويصل إلى الافتراض والاستنتاج التالييـن: «لو كان الزعيم أسس في لبنان 1932 «حزب الإصلاح اللبناني» وفي سورية (يعني منطقة الشام) «حزب الإصلاح السوري» وسيّر الـحزبيـن في انسجام واتـجاه متوافقيـن ماذا كان حدث؟ أجيب نفسي - كان الزعيم اليوم زعيم لبنان بدون منازع، وكان الزعيم اليوم موجّه السياسة العربية العامة في «جامعة الدول العربية».» هذا كلامه ومنه يلوح أنّ الرفيق الأشقر يظن أو يعتقد أنّ مثل هذه الافتراضات البسيطة في السياسات الصغرى لم يخطر في بالي ولم أتنبه له من قبل ولذلك لم ألـجأ إلى العمل بوجه منه.
أعتقد أنّ الـموقف الـحاضر، يتطلب أكثر من كل موقف آخر، التروي والتأني والـحزم الشديد والـمحافظة على وحدة العقيدة والاتـجاه. فالأمور ليست من البساطة بقدر [...] الـمدة القصيرة جداً، لي في البرازيل والأرجنتيـن، كانت في ظروف انحطاط عام شديد في قواي العصبية الـمستهلكة في الـمعارك السابقة وفي شؤون من ظروف الرحلة لم تـمكني من توجيهه في القضايا القومية والسياسية، النظرية والعملية، ولا من الإدلاء بشيء من تفكيري السياسي في القضية السورية القومية الاجتماعية وفروعها، فظل تفكيره في هذه الأمور على سجيته غير مثقف بقواعدنا القومية الاجتماعية للفكر السياسي، وآسف بالأكثر لأني أجد فيه الأهلية لهذه الثقافة ومواهب ذكاء وتنبّه وملاحظة جديرة بتوسيع الـمعرفة والتعمق في الفهم. لم ينفسح لي الـمجال لإعطاء جواب على كتابه ولكني سأكتب إليه قريباً جداً. وإني أطلعك، عائلياً، على هذه الـمسائل لكي تتمعن فيها بفهمك وتعالج ما يعرض منها من الأحاديث بيـن الرفقاء بـمعرفة، إذا عرض شيء منها.
أكرر تهنئتي وترحيبي بك وأرجو أن تكون موفقاً في أعمالك ومساعيك.
سلامي القومي لك وللرفقاء حولك. ولتحيى سورية.
بعد: أخبار الـمركز منقطعة عني منذ نحو شهرين. فيحسن إخبار مكتب عبر الـحدود ليخبر الـمجلس الأعلى وليأخذ هو علماً بذلك.
في 3 - 8 - 46. اليوم تسلمت برقية من مكتب عبر الـحدود واليوم أكتب رسالة إليهم ولكن يجب إخبارهم بـما تقدم.