إلى الرفيق غسان تويني
كمبردج، ماستشوستس، أميركانية
أيها الرفيق العزيز،
تسلمت كتابك الأخير الـمؤرخ في 22 مارس/آذار الـماضي، وتقريرك الأول، والتقرير الـمختص بـمنفذية أميركانية، والوثائق والـمنشورات والبيان الـمختص بها، وقد وصلت كلها كاملة في حالة اعتيادية. وفي مساء اليوم الذي تسلمتها فيه تفرغت لها وانكببت عليها وصرفت بضع ساعات أقرأ وأستوعب ما فيها. وقد شعرت بارتياح داخلي عميق لـحصول هذه الصورة الـجلية لـحالة الـحزب السوري القومي الاجتماعي العامة ووصولها إليّ ولـحصول التقرير عن منفذية أميركانية وقضية الأميـن فخري معلوف. وإني أهنئك بـما لك من حدة ذهن وتفكير مـمتاز ومعرفة بالقيم.
منفذية أميركانية: كنت دائماً أشعر أنه كان يـمكن أن يفعل في سبيل تقدّم الـحركة السورية القومية الاجتماعية في الـمجموع السوري في أميركانية أكثر مـما فعل حتى الآن. ومن رسائل الأميـن فخري معلوف السابقة كنت أرى أنه لم يجرِ أي مجهود حقيقي مستمر هناك، من طراز الـمجهود القومي الاجتماعي في الوطن، لإفهام مغتربينا في ذلك القطر حقيقة النهضة السورية القومية الاجتماعية، وتسهيل اعتناقها للعناصر الصالـحة، والاجتهاد في اكتساب هذه العناصر. السنتان الأوليان اللتان قضاهما الأميـن فخري معلوف في أميركانية كانتا سنتي اجتهاد في الدروس الفلسفية الـمدرسية التي شاء الأميـن معلوف التخصص فيها، فلم يستطع، وهو في جامعة ميتشغن، من القيام بأي عمل عمومي سوى الاحتكاك الأولي ببعض الأشخاص والصحافيين السورييـن، ولعل أهم ما قام به في سبيل الـحركة والقضية القومية كان تـحدّثه إلى بعض أساتذة الـجامعة عن الـحركة ومبادئها ونظامها، وترجمته الـمبادىء والدستور إلى الإنكليزية ترجمة جيدة، وزياراته واشنطن ومحادثته للمكلف بشؤون الشرق الأدنى في وزارة الـخارجية ومناقشته إياه في تأويل بعض أنظمة الـحزب وسياسته.
في الـمدة الـمذكورة كانت رسائل الأميـن معلوف تتراوح بين التفاؤل والتشاؤم تراوحاً لم يخلُ من تناقض، فبينا هو يبدي في أحد كتبه وقوفه على إمكانيات للعمل القومي الاجتماعي الواسع بين الـمغتربيـن، إذا به في رسالة أخرى يستنتج أنّ الإمكانيات قليلة وأنّ الأمل باكتساب عناصر صالـحة وكثيرة ضعيف جداً. وكنت ألاحظ أنّ رسائله هي دائماً نتيجة وضعيته الـخاصة، فهو إذا كان منصرفاً بكلّيته إلى دروسه وأعماله الـخصوصية في الـجامعة وبيئته، إحتاج إلى تعليل جمود الـحالة بضعف الإمكانيات فيصف بُعد السورييـن والـمغتربيـن عن الشعور الوطني القومي واندماجهم في البيئة الأميركانية وعدم سهولة العمل معهم. وإذا وجد فرصة ونشط للعمل القومي واحتكّ ببعض الأوساط السورية وتبادل الرأي مع جماعة، تبدت له إمكانيات العمل فأرسل يصف الإمكانيات الـجيدة ويتفاءل بنتائج العمل الـجدي، وبعد انتقاله إلى كمبردج واتصاله بالرفيق جورج شاهين الذي هو قريب له، على ما أخبرني، ووجود الرفيق ميشال أبو رجيلي مضافاً إلى تخلّصه من واجبات الدرس لنوال الشهادة، أظهر نشاطاً محموداً، وكنت عيّنته منفّذاً عاماً فعمل على تشكيل مديرية «الإسكندرونة» وألقى خطباً ومحاضرات وأوجد حلقة ثقافية لدراسة أصول العقيدة السورية القومية الاجتماعية، على ما أخبرني، وتـمكن من جمع مبالغ مالية محدودة قدّمت لـمكتب الزعيم، فكانت الـمساعدة الـمادية العملية الأولى من أميركانية وبلغت كلها، على ما أذكر، نحو ست مئة أو ثمان مئة دولار، وهي كل ما ورد مكتب الزعيم من مساعدات من أميركة الشمالية.
ولكن نشاطه الأول أخذ يضعف بالتدريج فلم تتحقق وعوده بزيادة عدد مشتركي الزوبعة باستمرار. ولم يهيىء رحلات إذاعية للوصول إلى عناصر جديدة، واتـجاهه نحو الدراسة والتدريس جعله بعيداً عن الـجهاد والعمل السياسي، ثم كان اتكاله على الرهبان الذين وجد فيهم سفينة الإنقاذ لـحالته الـمادية، وما صاحب ذلك من الاندماج الكلي في عقيدة الـمذهب الكاثوليكي في جميع أصوله الدينية والسياسية، وانتهى به الأمر إلى الانحراف عن جادة الـمبادىء السورية القومية الاجتماعية، ومحاولته جعل العقيدة الكاثوليكية مهيمنة على العقيدة القومية الاجتماعية، وإلى شلل عمله القومي شللاً تاماً منذ نحو سنة.
إنّ حالة منفذية أميركانية هي في الـحقيقة، حتى هذا التاريخ، حالة الأميـن فخري معلوف، إذ كان هو الشخص الوحيد هناك الـمؤهل لإدارة الـحركة وضبط سلوكية الـمنضميـن وشرح العقيدة والعمل القومي الاجتماعي بفهم عال. ولم يتصل بي ظهور أعضاء مؤهلين للاشتراك في إدارة العمل القومي فبقي كل شيء منوطاً بالأميـن معلوف وحده. لا ناموس للمنفذية ولا ناظر إذاعة ولا ناظر مالية ولا ناظر تدريب ولا خطيب، ولا كاتب يلوح اسمه في الـجو في بادىء الأمر، ولـمّا يـمضِ على وجود الأميـن معلوف في أميركانية غير مدة وجيزة انضم إلى الـحركة مواطن يعرفه الرفيق ميشال أبو رجيلي، واسمه راجي ضاهر، كان يعمل في جريدة السمير كاتباً ومحرراً. وكان نشيطاً في الإذاعة وذا قلم جيد. نشر مقالات متعددة في السمير وغيرها في محاربة الرجعة وتوجيه الأفكار إلى الـحزب، ولكنه كان ذا شذوذ نظامي فاصطدم مع الأميـن معلوف في صدد موعد التقاء أو مخابرة، وبدلاً من أن ينظر إلى الأميـن معلوف نظره إلى رئيسه ويسأله تدبير الأمور، أخذ يناقشه بشدة ويحاسبه محاسبة الرئيس للمرؤوس، واستعمل معه لغة خشنة وكتب إليّ حاملاً على الأميـن معلوف حملة رعناء. والظاهر أنه تفاهم مع الرفيق ميشال أبو رجيلي الذي لم تكن لي معرفة أو اتصال به على أن يكتب هذا إليّ مؤيداً وسائلاً «تسوية الـخلاف بين رفيقيـن» متجاهلاً، أو جاهلاً مبدأ النظام والسلطة الـحزبية. أجبت راجي ضاهر جواباً قوياً واستنكرت بعض تعابيره وأريته السلوك النظامي الوحيد الـمقبول في الـحزب، وأعطيت الرفيق ميشال أبو رجيلي جواباً من النوع نفسه، فلم أعد أسمع بعد ذلك شيئاً عن راجي ضاهر ولا عن ميشال أبو رجيلي.
كان الرفيق ضاهر يريد إنشاء جريدة قومية واتفق مع الأميـن معلوف على جمع التبرعات لها، ويغلب عندي أنه جمعت بالفعل تبرعات لهذه الغاية. ويحتمل أن يكون ضاهر رمى إلى توحيد غايتيـن: أن يصير هو صاحب جريدة ومطبعة أو صاحب جريدة وحدها، بدلاً من أن يكون مستخدماً في إحدى الـجرائد، وأن يكون للحزب السوري القومي الاجتماعي صحيفة تبشّر بـمبادئه وغايته. وفي أثناء هذا العمل اصطدم مع الأميـن معلوف اصطدامه الـمذكور. الرفيق ضاهر الـمشار إليه بقي مهملاً أمره فلا هو انسحب ولا هو طرد ولا هو حوكم على تصرّفه، وآخر ما عرفت عنه، وكان ذلك قبل انتقال الأميـن معلوف إلى كمبردج، أنه قصد بوسطن وبقي فيها مدة. ولعل الرفيق ميشال أبو رجيلي يعرف مقره، وفي كتاب أخير من ميشال أبو رجيلي أنّ راجي ضاهر لا عقيدة صحيحة له وأنه لا يرجى منه.
من مدة بعيدة ذكر لي الأميـن معلوف منوهاً بشخص الرفيق ي. ش. وقال لي إنه محام وإنه «يريد وضع سيارته تـحت تصرّف الزعيم في حالة توجّه الزعيم إلى أميركانية» ولكني لم أقف على أثر غير ذلك لهذا الرفيق.
الرفيق ميشال أبو رجيلي ظهر للمرة الأولى عند تدخّله في قضية اصطدام الرفيق ضاهر والأميـن معلوف بسبب تخلّف عن موعد لقاء. ولم يكن تدخّله هذا في جانب الصواب. وشف ذلك عن ضعف في مؤهلاته الإدارية والنظامية، ولعل ذلك بالأكثر من ضعف النشأة اللاقومية العامة. وما تصفه لي من موقفه معك وإشادته بأنّ «بينه وبيـن الزعيم مراسلات طويلة» يزيد في إظهار عدم رصانته وسطحيته في تفكيره. والـحقيقة هي أنه بعد كتابه الأول إليّ في صدد الرفيق ضاهر وجوابي إليه في ما يطلبه النظام لم أعد أعرف عنه شيئاً إلى أن كان فتور الأمين معلوف الأخير فأرسل إليّ الرفيق ميشال أبو رجيلي ديوان وحي الظلام ونشرة حزبية، وكتاباً مرسلاً من أحد الرفقاء في الوطن إلى نسيب له في أميركانية وفيه يسأل عن الزعيم أين هو ولـماذا لا يتصل بالـمركز. ولم يرفق الرفيق ميشال أبو رجيلي هذه الإرسالية بكتاب يوضح كيفية إرسالها من مصدرها ولا صاحب الكتاب الـمراسل في الوطن ومن هو الرفيق الـمرسل إليه. والطريقة الوحيدة التي عرفت بها أنّ الإرسالية من ميشال أبو رجيلي هو وضعه اسمه تـحت إسم الـحزب ومديرية الإسكندرونة على الغلاف. فأرسلت أستوضحه عن سبب إرسال الكتب الـمذكورة من غير كلمة تعريف لشأنها ومصدرها ومرسلها وطريقة إرسالها والغرض منه وكلّفته أن يصف لي حالة مديرية «الإسكندرونة» الـحاضرة وفرع أميركانية، فكتب إليّ كتاباً فيه بعض نظرات صادقة ولـمّح فيه إلى الوقوف في وجه محاولة الأميـن معلوف رفع شأن الكاثوليكية وإدخال نظراتها في سياسة الـحزب، مـما دل على أنه واقف على أمر الأميـن معلوف، وسألني أن أسمح له بالكلام صراحة في صدد حالة الفرع، فكتبت إليه الكتاب الذي أطلعك على بعض فقرات منه وأبديت أسفي لـما آل إليه أمر الأميـن معلوف، ورجوت أن يرجع الأميـن معلوف عن شذوذه وهوسه الكاثوليكي الـجديد الذي يحتمل أن يكون مجرّد عارض من عوارض العقل والفكر. وأرجح أنّ لهجة كتاب الزعيم إليه في صدد الأميـن معلوف هي التي جعلته حذراً معك في ما يقوله عنه. ومؤخراً تلقيت منه كتاباً يدل على إدراك أحسن من السابق. ولعل في الإمكان تنمية مؤهلاته النظامية - الرفيق جورج شاهين حتى الآن لـمّا يتصل بي ومعلوماتي عنه أنه جيد العقيدة والسلوك.
الأمين فخري معلوف: قال قولاً صائباً في كتابه الأخير إليّ، وهو: إنّ ابتعاده عن سداد الفكر السوري القومي الاجتماعي والعقيدة القومية الاجتماعية ناتـج عن بعده الـمكاني عن الزعيم مدة سبع سنوات، ويترجّح عندي أنه لو أمكن التقريب الـمكاني بيني وبينه على أثر كتابه الـمذكور وقبل كتابه الاستعفائي الانسحابي لأمكن إنقاذه من الهوة الفكرية التي انحدر إليها.
الظاهر من موقفه الأخير وحججه والأسباب التي بنى عليها طلب انسحابه أنّ تفكيره قد انحط عن الدرجة التي كان عليها. فهو بعد أن أرسل إليّ كتاباً يعترف فيه ضمناً بخطأ انتقاده لـمقال «رسالة البابا الأخيرة» واستنتاجاته الأخيرة من كتاب نشوء الأمـم عاد فارتكب الغلط السابق عينه ووقع في متناقضات أساسية. وكيفية نظره إلى الإيـمان بالـمذهب الكاثوليكي وحدها تدل دلالة واضحة على وقوعه في ضعف الـمنطق الـمربوط بالواقع، فهو يقول بوحدة الكنيسة الـمسيحية «تـحت رئاسة الأب الأقدس» وعصمتها عن الـخطأ في شؤون الإيـمان والأخلاق. ويزيد أنّ هذا الاعتقاد هو من الاعتقادات الكاثوليكية التي «تشكّل وحدة متضامنة متراصة كما وصفها القديس والشاعر السوري أفرام»، الخ. وقد وضعت جواباً أظهرت له فيه كم في قضية رئاسة البابا للكنيسة الـمسيحية كلها من وجوه سياسية ليست ضرورية من جهة الدين، وأوجزت مبلغ عامل رومة السياسي في إقرار البابوية وجعلها متمركزة فيها، وأبنت مبلغ أهمية الـحجج والتأويلات التي يستند إليها الكاثوليك لتبرير مذهب رئاسة البابا على الكنيسة الـمسيحية كلها وجعل مركزه في رومة بدلاً من القدس أو بيت لـحم أو جبل الزيتون أو الناصرة. وأوضحت مبلغ الضعف في الـحجج والتأويلات الـمذكورة التي لا تسلّم بصحتها الكنائس الـمسيحية الأخرى كاعتبار أنّ البابا خليفة مار بطرس الذي مات في رومة، وأنّ مار بطرس هو رئيس التلامذة لأنّ الـمسيح قال له مترجماً اسمه اللاتيني «أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي» [متى 16: 18] وهذا نص كلامي إليه في هذا الصدد:
«في نظري إنّ الـمسيحية دين وعقيدة، وإنّ الـمحمدية كذلك، وإنّ الكثلكة والبروتستانية والأرثوذكسية وغيرها، وإنّ السنية والشيعية والإسماعيلية وغيرها، فروع دخل فيها كثير من الـمسائل الفرعية أو الـمصاحبات السياسية Political Associations. من ذلك القول، بوحدة الكنيسة الـمسيحية تـحت رئاسة الأب الأقدس، أي قداسة البابا القائم بالـخلافة عن مار بطرس في رومة. فهذه مسألة من صميم الـمعتقدات الكاثوليكية ولكنها ليست من صميم العقيدة الـمسيحية، وهي كانت ولا تزال موضوع جدل عنيف بين الكاثوليك وغيرهم من الطوائف الـمسيحية الـمشاركين لهم في الإيـمان الـمسيحي الواحد. فالكاثوليك يقولون إنّ الـمسيح أقام بطرس التلميذ رئيساً على جميعهم، وبـما أنه مات في رومة ودفن رفاته هناك، أو ارتفع من هناك إلى السماء، فكرسي الـخلافة يجب أن يكون في رومة، لا في الناصرة ولا في القدس حيث هبط وارتفع الـمسيح. ولا يوجد في الإنـجيل نص صريح يقطع كل تأويل غير هذا التأويل. فهو اجتهاد أو تأويل لقول الـمسيح لبطرس: «أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي» [متى 16: 18]، الذي يـمكن أن يفسّر بأنّ الـمسيح أراد الإيـمان الذي ظهر في تلك الدقيقة من بطرس لا بطرس بذاته، فضلاً عن أنّ قوله «وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي» لا يفيد إقامة بطرس رئيساً ولا تعييـن الـخلافة له أين تكون وكيف تكون، ويؤيد حجج الـمعارضيـن لهذا التأويل أنّ بطرس الذي أظهر كل ذلك الإيـمان في الـموقف السابق كان أضعف التلاميذ بعد يهوذا الأسخريوطي لأنه انفرد بإنكار الـمسيح حين قبض عليه. ويؤيد ذلك أيضاً أنّ الصخرة في بناء «الكنيسة» أو تعزيز الدين الـمسيحي كان بولس أكثر كثيراً من بطرس ومن الإنـجيلييـن يوحنا ولوقا ومتى. وكان بطرس أضعفهم بياناً وأقلّهم أثراً، أقول ذلك من أجل تبيان كم في هذه الـمسألة من وجوه للأخذ والرد ولا أحسبها شرطاً من شروط الإيـمان الـمسيحي. وأذهب إلى أنّ فيها عوامل سياسية يجب أن لا تغيب عن نظرنا تـحت سلامة الاعتقاد بوحدة الكنيسة.»
عالـجت موقف الرفيق معلوف الـجديد بـمنتهى الرقة ظناً مني أنّ الأمر ليس سوى مجرّد خواطر وتوسعات فكرية روحية، فأجاب على كتابي بذلك الـجواب الذي قال فيه: «ومـما لا شك فيه أنّ الظروف التي قضت بالانفصال الـمكاني بين الزعيم والعدد الكبير من مفكري الـحزب مدة تبلغ الآن نحو سبع سنين منعت استمرار التداول والتفاعل الفكري في جميع الشؤون الـمتعلقة بالفكرة القومية الاجتماعية في نـموها وتفرعها، وأنّ ذلك من الصعوبات العديدة التي سنتغلب عليها بالشجاعة والثبات وسعة الصدر كما تغلبنا على صعوبات عديدة غيرها. وقد جاءت رسالتك الـمشار إليها معبّرة عن حلمك ورحابة صدرك مـما لم يكن عندي أدنى شك فيه.» وفي جوابه هذا يقول: «أما أمر صحة الـخلافة لبطرس وأمر مركز الكنيسة فأمران فرعيان بالنسبة إلى القضايا الـخمس التي ذكرت (هي قضايا أوردها في جوابه) والبحث فيها قبل حصول الاتفاق على تلك لا بد أن يكون قائماً على قضايا افتراضية مـما لا يفيد كثيراً في بناء الـحقيقة»، وهو بهذا التصريح يتنازل عن موقفه السابق واعتباره وحدة الكنيسة تـحت رئاسة الأب الأقدس وعصمتها من أصول الإيـمان الكاثوليكي التي لا يـمكن تـجزئتها وفصلها بعضها عن بعض.
الظاهر أنّ الرفيق معلوف كان يأمل أن يجرّني إلى مناظرته ومناقشته في القضايا اللاهوتية الـمسيحية، ولكني لم أجد موجباً لهذه الـمناقشة والـمناظرة التي رغب فيها.
ولـما كنت قد أظهرت له في كتاب سابق أننا نقول بحرّية الاعتقاد وبـمساواة جميع الأعضاء فيها، وأنني أسرّ بحصول الاستقرار النفسي له في قضايا ما وراء الـمادة في عقيدة الـمذهب الكاثوليكي، ولا أريد أن أتناول أي بحث يمكن أن يصرفه عن هذا الاستقرار، فقد استغربت أنه بدلاً من أن يحترم شعوري واعتقاداتي الـخصوصية كما احترمت شعوره واعتقاداته الـخصوصية أراد الإلـحاح عليّ بوضع القضايا الدينية البحتة على بساط البحث وتـجاوز الـحد السابق وبلغ إلى القول «بالاختلاف بين نظريتينا» وهو تـجاوز كبير لا مسوّغ له، فالرفيق فخري معلوف اعتنق الـمبادىء والتعاليم التي أعلنتها ورأى فيها كل الصحة ولـمس نتائجها لـمساً. وفي مواقفه ورسائله الـماضية كان شديد التوق لإظهار قوة العقيدة الراسخة الناتـجة عن هذه الـمبادئ والتعاليم. ثم كان أنّ الرفيق معلوف اعتنق الـمذهب الكاثوليكي بحذافيره، ولم يجد مني غير السرور لارتياحه النفسي إلى إيـمان ديني. ثم إنه انتقد مقالاً صدر في الزوبعة بعنوان «رسالة البابا الأخيرة»، فأظهرت له فساد انتقاده وفصّلت له ما هو أساسي وما هو فرعي في الإيـمان الديني الـمسيحي أو الـمحمدي من حيث الـمذاهب التي يتشعب إليها كل منهما. فاعترف بصحة هذا التفصيل ولكنه انتقل من موقع الـمنتقد لـمقالي والـموضح عن إيـمانه الديني الـجديد، إلى موقف من يوجد اختلاف بين نظرته ونظرة الزعيم. فلم يرق لي أن تفرض عليّ الـمواقف والنظريات فرضاً، ولا رأيت الفرصة مناسبة لترك متابعة قضايا نهضتنا القومية الاجتماعية، ومسائل حركتنا السياسية والاقتصادية والـحقوقية والإدارية وغيرها، والـخوض في قضايا لاهوتية قررنا أنها من شؤون الوجدان الفردي الـخاص التي يجب أن لا تثير وأن لا نسمح بأن تثير قضية اجتماعية - سياسية. وفي جوابي على كتاب الرفيق فخري معلوف الاستعفائي الانسحابي قلت: «ولا تنسوا أيضاً أنّ الـحزب لم يـمنع أحداً قط من إظهار معتقداته الفلسفية من أي نوع كانت في كتاباته، فيمكنكم أن تنشروا أفكاركم واستنتاجاتكم في الـخلق والوجود والنشر والـحشر والـحساب وليوافقكم على ذلك من شاء وليخالفكم من شاء» ولكن الرفيق معلوف يأبى الآن في داخله، إخراج الـمسائل الدينية واللاهوتية من نطاق العقيدة القومية الاجتماعية مع أنه يتظاهر بأنه لا يزال يعتقد الاعتقاد القومي بوجوب الفصل بيـن العقيدة القومية الاجتماعية والعقائد الـمتعلقة بالغيب واللاهوت، وهو يأبى، كذلك، الـمحافظة على مبدأ جوهري من مبادىء إصلاحنا الاجتماعي القائل بفصل الدين عن الدولة، فهو لا يريد أن ينظر الآن إلى الزعيم من حيث شخصيته ومبادئه وتعاليمه القومية الاجتماعية، بل يريد أن ينظر إليه من حيث معتقداته الـخصوصية الوجدانية والعقلية التي لم يدخلها الزعيم في تعاليمه القومية الاجتماعية ولا وجّه دعوة إليها. وهو قد أغفل بالـمرّة ما قلته في هذا الصدد في كتابي إليه جواباً على انتقاده لـمقال الزوبعة وهو: «لا يـمكننا ونحن نبغي الصحيح أن ننظر إلى الدين بـمنظار سياسي ولا إلى السياسة بـمنظار ديني. يحسن أن يكون الإنسان مؤمناً في الدين ولا يحسن أن يكون مؤمناً في السياسة» فهو يريد أن ينظر إليّ الآن بـمنظاره الديني الـجديد ولا يكتفي بذلك بل يرغب في وضع منظاره الديني، بعدساته الـمنحرفة، على عيون الآخرين لينظروا إلى الزعيم به.
وفي الوقت عينه يريد هو أن لا ننظر إلى أعمال البابا وحركاته السياسية في دولة الفاتيكان إلا بـمنظار الإيـمان بعصمته. إنّ تفكيره في هذه القضايا الـخطيرة يدل على انحطاط شديد عن مستوى تفكيره قبل تسلّط الهوس الديني على عقله. إنه رجع إلى مستوى تفكير القرون الوسطى حين كان الناس يـمتحنون الصحة والفساد في الآراء والـمعارف بـمبلغ انطباقها على آيات «الكتاب» أو بـمبلغ إيـمان أصحابها الديني أو بتأييد الـخوارق وما شاكل. ولعل أشد الأدلة إثباتاً لانحطاط تفكيره أنه لم يتناول الـمسألة الدينية من وجهة نظر فلسفية عالية مجرّدة عن حزبيات الـمذاهب الـمتعددة، بل تناولها بالاستناد إلى حزبية مذهب معيّن وإلى خصوصيات ذاك الـمذهب.
فالقضية الدينية، كما يعالـجها، ليست قضية اعتقاد بالله واتـجاه روحي إليه بل قضية صحة الـمذهب الكاثوليكي ووجوب توحيد العالم في الـمسيحية وفي وحدة كنيستها الوحيدة (الكاثوليكية) وتـحت «رئاسة الأب الأقدس». وهذا هو التعليل الوحيد لتكدّره من مقال الزوبعة «رسالة البابا الأخيرة» الذي تناول عطف البابا على القضية الصهيونية ومحاولته تأييدها بحث الـمؤمنيـن على العودة إلى التوراة الـمضخمة «أمجاد» بني إسرائيل وعلى تقديس نصوصها، وبتصريحاته الـمتعددة لـمصلحة اليهود التي كانت تتلو زيارات وفود يهودية دينية وصهيونية سياسية لقداسته. ومع أنّ كاتب مقال الزوبعة الـمشار إليه أعلن صراحة، في الـمقال عينه، أنه لا يريد أن يتناول الدوافع والـمرامي الدينية البحتة التي ينطوي عليها حث البابا الـمؤمنيـن الكاثوليك على العودة إلى قراءة التوراة وتقديسها، بل أراد فقط تناول «الوجهة السياسية الـمتضمنة في «تقديس» التوراة وخصوصياتها اليهودية»، فإنّ الرفيق معلوف وجد أنه لا يجوز أن يكون لصاحب الرسالة القومية الاجتماعية من الأهلية والعصمة في معالـجة القضايا السياسية - الاجتماعية، ما يجوز أن يكون لصاحب كرسي الـخلافة البطرسية من الأهلية والعصمة في معالـجة قضايا الدين والسياسة والاجتماع بالإدغام والفك فيما بينها حسب مقتضيات الظروف ومشيئة قداسة البابا العليا.
إنّ انقلاب الرفيق فخري معلوف إلى الهوس الكاثوليكي حدث بصورة فجائية بعد اتصاله بالـمدرسة الرهبانية التي يعلّم فيها. ويجب أن نقدّر أنّ نضج حماسه الديني استغرق نحو سنة، أكثر أو أقل. وأول ما ظهر لي من أمر حماسه الديني انتقاده الـمتسرع لـمقال «رسالة البابا الأخيرة»، الأمر الذي يدل على أنه كان يتربص السانحة لإثارة «اختلاف النظر» بينه وبين الزعيم على مسائل الدين والإيـمان الديني. ومع أنّ انقلابه كان فجائياً وفيه جميع خصائص العارض العقلي، فإنّ هنالك سوابق من تصرّف الرفيق فخري معلوف تدل على سابق استعداده للتأثر القوي بعوامل محيطه الـخاص: إنه كان من أوائل الذين تعرّفوا إليّ وإلى فكرتي بعد عودتي إلى الوطن سنة 1930، ولكنه بقي ضعيف الشعور بالـحاجة إلى اعتناق مبادئها مع أنه شعر بسمو مستوى فلسفتها، والسبب لذلك كان فقد التربية القومية والوطنية العامة، من ناحية، ومن ناحية أخرى وجوده تـحت تأثير بيئة خاصة. فكان غرضه الأولي أن ينجح في دروسه وينال شهادة، وأن يصير بعد ذلك معلماً. وبـما أنه اتخذ فرع الرياضيات والفيزياء، إبتدأ يعالج بشغف جميع القضايا الرياضية التي يـمرّ عليها نظره وأراد التوغل في هذه الأبحاث. وبعد محادثات طويلة معه في مدة سنتين بالتقريب أظهر تردداً وتقاعساً عن العقيدة القومية الاجتماعية جعلاني أيأس منه. وفي هذه الأثناء كان يحتك بالانهزامييـن أمثال الطالب فؤاد خليل مفرج، الذي توفي فيما بعد في أميركانية، وبالعروبييـن أمثال الدكتور قسطنطين زريق الذي كان أستاذاً في التاريخ في الـجامعة الأميركانية، ويسمع أقوالهم ونظرياتهم، ومع اعترافه لي أنه يرى حججهم ضعيفة وأنّ الـمبادىء التي أعلنها تتفوق على منطقهم وجميع حججهم، وأنه صار يعتقد بصحة هذه الـمبادىء ظل يـمتنع عن اعتناقها وعن الدخول في الـحزب الذي عرف بتأليفه ويقدّم الأعذار كحاجته إلى رضى إدارة الـجامعة عنه وخشيته من عواقب انفضاح الأمر، وهو أكبر إخوته الأيتام الأب والذين يجب عليه أن يساعدهم على العيش واكتساب العلم وغير ذلك. ولم تنفع جميع شروطي وإيضاحاتي لـحمله على تغيير موقفه من قضية صار يعتقد كل الاعتقاد بصحتها. فتركته ولم أعد أباحثه، خصوصاً بعد أن رأيته يخالف نصيحتي ويدخل برفقة فؤاد خليل مفرج الـماسونية في محفل أميركاني الطقس في بيروت، غير حافل بكل ما شرحت له عن حالة الـماسونية، التي خبرتها بنفسي من زمان في اختبار قمت به في مدة قصيرة جداً. ولم ينضم الرفيق معلوف إلى الـحركة السورية القومية الاجتماعية، مع كل علمه بـمبادئها وأهدافها، إلا بعد الاعتقالات الأولى وبعد أن جذبت روعة القضية اهتمام الشعب وإعجابه. ومن ذلك الوقت نشط الرفيق معلوف مع فئة القومييـن الاجتماعييـن النشيطيـن وأبدى وعياً حسناً وفهماً جيداً لأمور ومسائل عديدة، وظل هذا شأنه إلى أن انتقل إلى أميركانية للدرس فاستأذن الزعيم في الانتقال فأذن له. وفي أميركانية كان شأنه ما ذكرت. وظلت رسائله إليّ تشفّ عن إخلاصه وإيـمانه. وتزوج من فتاة أجنبية بغير استئذان.
وفي أثناء دروسه أظهر اضطراباً في اختيار القضايا الفلسفية، وتردد بين أفلاطون وأرسطو والقضايا التي عرض لها. فكتبت إليه في الاهتمام بزينون وغيره من الفلاسفة والـمفكرين السورييـن وفي إظهار مآثرهم. وأخبرني أنه وضع أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه وأنها ستكون مؤيدة لصحة العقيدة القومية الاجتماعية التي نقول بها، وأنه سيرسل إليّ نسخة منها. ولكنه أخلف وعده ولم يرسل إليّ الأطروحة وسكت عنها كل السكوت. ولعل لزواجه من الآنسة الكاثوليكية الـمذهب ضلعاً في موقفه السلبي الـجديد. ولـما انتقل إلى كمبردج واجتمع بحلقة القومييـن الاجتماعييـن هناك عاد إلى نشاط حزبي جيد فأخبرني عن الـحلقة الثقافية التي تشكلت في مديرية الإسكندرونة، وألقى خطباً وكتب مقالات في الدفاع عن العقيدة والقضية. واهتم بجمع بعض التبرعات التي أرسلت إلى مكتب الزعيم. ثم جرى فتور في نشاطه الـحزبي ولم يخبرني شيئاً عن بيئته الـجديدة مع الرهبان ولا عن الأبحاث الدينية واللاهوتية التي حلّت، في محيطه الـجديد، محل الأبحاث القومية الاجتماعية في نفسه، إلى أن كان صدور مقال «رسالة البابا الأخيرة» فكتب إليّ مظهراً رد الفعل الذي أحدثه ذاك الـمقال في نفسه، واغتنم الفرصة ليخبرني أنه اعتنق الـمذهب الكاثوليكي في الوطن قبل سفره (وهذا إذا صح يكون قد حدث في الفترة بعد سفري وقبل سفره هو) وأنه بذلك وضع حداً للحقبة «الشكوكية» التي مرّ بها مثل غيره من الطلبة، وأظهر لي ما يشترطه الإيـمان الكاثوليكي في كل عقيدة أو قضية ليصح قبولها عند الـمؤمن الكاثوليكي، الخ. وأعتقد أنّ بعده عن بيئة قومية اجتماعية قوية قادرة على مناقشة النظريات الـجديدة التي أتته من مصادر متعددة مـمزوجة بعوامل أخرى من حياته العائلية مع زوجته، جعل الصمود للنظريات والعوامل الـمذكورة صعباً عليه. ولا بد من أن يكون صحب ذلك عارض ضعف في تفكيره، كما تدل الدلائل. وبعد كتابي إليه جواباً على اعتراضه على مقال الزوبعة أظهر استفاقة وعودة إلى النظرة القومية الاجتماعية الصحيحة، ولكن عادت البيئة وبعد الـمكان بينه وبيـن الزعيم وأوساط العقيدة القومية الاجتماعية فأثّرا فيه من جديد، وحمله تيار الـحماس الكاثوليكي على الانقلاب على الإيـمان القومي الاجتماعي والـمناداة بالانشقاق وإعادة الأمة إلى ظلمات حرب الـمذاهب الدينية - إلى عقلية القرون الوسطى الـمظلمة.
ومن أدلة استعداد فخري معلوف للشذوذ أنه كان مولعاً بفكرة كانت دائماً تدغدغ نفسه. فهو في مواقف ورسائل عديدة كرر القول إنه هو سيضع التأويل اللاهيولي للعقيدة السورية القومية الاجتماعية أو ما شاكل. والـحقيقة أنه كانت ولا تزال هنالك حاجة ماسّة إلى أبحاث فلسفية وعلمية عديدة لإيضاح عمق أساس العقيدة القومية الاجتماعية ومتانة البناء الذي تشيده وسعته وجماله وتناسق تركيبه وسمو مطلبها. وليس ما يصل من الوطن الآن من منشورات رجال النهضة ونسائها سوى طلائع الأدب السوري القومي الاجتماعي الـمنتظر. وقد شجعت فخري ووجهّته ما وجدت إلى ذلك سبيلاً، وكانت الدلائل تدل على أنّ فخري سيكون عماداً قوياً لفلسفة تعاليم نهضتنا، وهو كان يسير نحو هذه الغاية إلى أن كان انقلابه الفجائي الأخير.
النتيجة: تقول في تقريرك عن منفّذ أميركانية إنّ الرفيق فخري معلوف يبرر جموده وقعوده عن العمل القومي الاجتماعي بقوله إنّ الزعيم «لم يعطه أي جواب واضح» على استقالته من مسؤولياته وطلبه إطلاقه من قَسَمه. وقوله ذاك غير صحيح، فجوابي إليه كان واضحاً صريحاً واستغرق عدة صفحات أظهرت له فيه كم في الـحزب السوري القومي الاجتماعي من الاحترام والضمان لـحرية الاعتقاد والتساهل تـجاه أي اعتقاد أو مذهب فلسفي لا يرمي إلى بثّ روح الشقاق وإثارة النعرات والقضاء على معنى الأمة. وبعد أن بيّنت له ما وقع فيه من الـمتناقضات الـمنطقية قلت له: «لذلك، وبحصر القضية ضمن دائرة الـحق العام وحقوق عضوية الدولة لنا نحن السورييـن القومييـن الاجتماعييـن، لا أرى في ما أبديتموه وجهاً صحيحاً لبناء طلب استعفائكم من الـمهمات الـمسندة إليكم في الـحزب عليه، ولالتماس إطلاقكم من قَسَمكم الـحزبي الذي لا يقيد حرية اعتقادكم الوجداني وحرية الـجهر به ولا يـمنعكم من ممارسته بأي شكل خاص أو عام، وأرفض طلبكم والتماسكم» ثم إني في فقرة تالية أظهرت له أنه إذا أصرّ على موقفه كان ذلك مؤسفاً جداً.
إنّ الوضوح في موقف الزعيم من سلوكه الأخير واستعفائه وطلب الانفلات من قَسَمه، من الوجهة الـحزبية، واضح. أما من الوجهة الشخصية فلا رغبة لي الآن في التحول عن موضوع التعاليم القومية الاجتماعية وقضايا الأمة الاجتماعية - الاقتصادية - السياسية إلى مواضيع اللاهوت والـمذاهب الدينية، وكيف أنّ الله سابق للوجود وماهية الله وصفاته وبأية طريقة أوجد الله الوجود حسب قول الدين الاصطلاحي وهل حقيقة أنّ الـمسيح إبن الله أم أنّ محمداً هو نور الله الـممتاز على الـمسيح وباقي الرسل وهل الله واحد بلا أقانيم ثلاثة أم أنه أقانيم ثلاثة أو غير ذلك وأقلّ من ذلك كله رغبتي في مناقشة من يريد محاسبتي على ما أعتقدُ في الله والوجود والكون والنفس والروح والـمادة. أما الذي يبغي الـحقيقة في الـمباحثة معي في هذه القضايا فله سبيل غير هذا السبيل الذي سلكه فخري معلوف وعليه أن يطمئن إلى رغبتي وارتياحي وينال موافقتي ويتقيد بالوقت الذي أعيّنه. وأما الذي يريد مناظرتي في ما أكتب أو أقول فله باب الكتابة العلنية أو الـخطابة فيستفيد الناس من قراءة الأبحاث وسماع الأقوال.
وأما قول فخري عن الزعيم أنه «ملحد» فهو استنتاج أرعن، فضلاً عن أنه خيانة لـمبدأ القومية الذي لا يجيز الطعن في أحد من أبناء الأمة الواحدة بسبب اعتقاده الـخاص. يستند فخري معلوف، لرمي الزعيم بالإلـحاد، إلى كتاب نشوء الأمـم وبعض تعابيره العلمية الـمخالفة لـمقررات التوراة في الوجود الإنساني ونشوء النوع البشري. وهذا الاستناد باطل لأنه يـمكن الـمرء أن يكون مسلِّماً بحقائق الـمدرسة العلمية وأن يحتفظ لنفسه برأي خاص في تعليل الوجود ومصدره ومصيره. وفخري معلوف نفسه يصح أن يُرمى الآن، بعد إعلان حماسه للمذهب الكاثوليكي، بتهمة الإلـحاد، حين يعلِّم في الـمدرسة أنّ الأرض تدور حول الشمس، لا الشمس حول الأرض وأنّ إيقاف يشوع بن نون الإسرائيلي الشمس ومنعه إياها عن الـمغيب إلى أن يكون قد تـم انتصار بني إسرائيل على الـمدينة الكنعانية التي جاؤوا يعتدون عليها هو خرافة لا تصدق مهما كان الـمرء مؤمناً بالـخوارق «وبقداسة التوراة»، حتى ولا حيـن يقال إنّ ابن نون أوقف الأرض عن الدوران وعبّر الكاتب عن ذلك بالقول بإيقاف الشمس عن دورانها. والـحقيقة أنّ ابن نون لم يوقف الشمس ولا القمر ولا الأرض وأنّ حكمة الله يـمكن أن تسير في الأرض من غير حاجة إلى هذه الـخوارق الشاذة. ونفي إيقاف ابن نون الشمس أو الأرض عن دورانها لا يلزم النافي الإلـحاد وكذلك لا يلزم أن يكون «ملحداً» من لا يوافق على أنّ وجود الإنسان حدث بخلق فرد ذكر سُمِّي آدم وتكوين فرد أنثى أخذ من ضلع لآدم في سباته وسُمِّي حواء. ومهما يكن من الأمر فالزعيم لم يؤلف كتابه نشوء الأمـم لـمعالجة القضايا الفلسفية الدينية وإعلان حكمه أو رأيه الأخير فيها. فكل محاولة لتعيين رأي الزعيم الأخير في قضية الوجود والعدم وفروعها بقصد خاص وبالاستناد إلى بعض تعابيره وآرائه واستنتاجاته في قضايا ومسائل أخرى هي محاولة مغرضة وتـحامل منكر. وقول فخري معلوف أنه لن ينتج خير من قيادة لا تقوم على الـمسيح يدل دلالة واضحة على سفول الدرك الذي انحط إليه تفكيره ومنطقه في شؤون الاجتماع والسياسة. وبالاستناد إلى هذه النتيجة لا بد من التسليم بأنّ وجهة فخري معلوف في بحثه القضية الدينية هي أحط كثيراً من الـمستوى الفلسفي الراقي للفكر الـمنطلق من قيود الاصطلاح، فلا يُستغرب أن تنشأ الشكوك في نفوس كثيرين في صدد الدوافع أو العوامل الـحقيقية لانقلابه من دارس ومفكر في مسائل الاجتماع الإنساني الكبرى إلى «مؤمن» متحزب لبعض العقائد والـمذاهب الاصطلاحية، يريد تقرير شؤون الإنسان الاجتماعية والسياسية والنفسية بالإيـمان بالافتراضات الدينية الاصطلاحية التي يسميها «حقائق» وبإحلال الإيـمان محل العقل والعلم والبرهان. وليس غريباً أن ينظر كثيرون بعين الشك والاستخفاف والاستهزاء بـمن يحاول اليوم على مستوى هذا العصر العلمي، شفاء الـمجانيـن بطرد «الأرواح الشريرة» منهم بقوة الإيـمان كما فعل الـمسيح في الإنـجيل، لأنّ العقل العمومي اليوم يعلم بالاختبارات الطويلة أنه إذا كان لـمجنون شفاء فلن يكون ذلك بعرضه على قداسة البابا أو على ناسك متعبد، بل بوضعه تـحت عناية طبيب عالم بالأمراض النفسية وأسبابها، قادر على معرفة ما هو قابل الشفاء منها وما هو غير قابل الشفاء، سواء أكان هذا الطبيب مؤمناً بإله إسرائيل أم بغيره أو غير مؤمن، أو، على الأقل، بصرف النظر عن اعتقاد الطبيب الـخاص في قضايا الغيب وفي قيمة «الكتاب الـمقدس» أو «الكتب الـمقدسة» من حيث العلم ومن حيث الدين.
وقد كان يـمكن فخري معلوف أن يسمو بإيـمانه الديني بالله عن الاعتبارات والنزعات الـحزبية لأحد الـمذاهب وعن خصوصيات ذاك الـمذهب التي ليست من أصول الدين أو الإيـمان، وعن الـمصاحبات السياسية والغايات الزمنية لذلك الـمذهب. وهو لو فعل ذلك، ولو قصر إيـمانه بالـمذهب الكاثوليكي على ما يتعلق بخلاص الأنفس وما هو من شؤون الدين البحت حسب الطقس الكاثوليكي، لـما كان استحق غير استمرار الـمحبة والاحترام من الـجميع، أمّا وقد مزج الفلسفة الدينية بخصوصيات أحد الـمذاهب الـمسيحية واتخذ موقفاً حزبياً بالاعتقاد بصحة الـمذهب الكاثوليكي وحده وبصحة التفسير الـمسيحي الـمصطلح لله وأقانيمه دون غيره، الذي معناه العودة إلى نزاع الـمذاهب الدينية وتـمزيق الأمة السورية وكل متحد قومي متمدن في العالم كله إلى أحزاب دينية متنافرة، متطاحنة، فهو قد خرج خروجاً كلياً على مبادئنا القومية الاجتماعية الأساسية والإصلاحية وأصبح في موقف من يصح توجيه تهمة الـخيانة الكبرى إليه بصفة كونه مدركاً للعقيدة القومية الاجتماعية وشروطها، عارفاً بالـمسؤوليات الـمترتبة على الانقلاب عليها والعمل بضدها. وقد حاولت جهدي، وما مكنتني منه ظروفي الـخصوصية الـحاضرة، أن أردّه عن هذا التهور وهذا الشذوذ ولكن لم يـمكن أن يكون تأثيري في تفكيره مستمراً، فاستفاق بعد جوابي الأول إليه في قضيته استفاقة قصيرة ووعد بالتغلب على الصعوبات العارضة بشجاعة وصبر، ولكن لم يطل الوقت حتى عاد إلى غيبوبته وذهوله تـحت تأثير عوامل بيئته وحياته الاجتماعية والروحية الـحاضرين وكانت النتيجة كتابه الاستعفائي - الانسحابي الذي زج به نفسه في مأزق لا أرى له غير مخرج واحد، إلا إذا رجع عن موقفه وكتابه الـمذكور رجوعاً كلياً واضحاً صريحاً. وإني لم أشرع في وضع قضية فخري معلوف، من وجهة النظام والعقيدة والـحقوق القومية، موضع البتّ لأني أردت أن أعطيه فرصة كافية لـمراجعة نفسه لعل ما أصابه من ضعف الفكر عارض يزول بزوال أسبابه التي قد تكون عارضة.
ولكن ذلك لا يعني وجوب التساهل في ما يعنيه موقف فخري معلوف الأخير، ولا يعني إغفال ما يعنيه التساهل في حقوق العقيدة السورية القومية الاجتماعية ونظام نهضتنا تـجاه انقلابه الصريح وما يجرّه من ضرر في الروحية والـمعنويات. ولذلك أطلب منك، أيها الرفيق العزيز، أن تعي جيداً توجيهاتي إليك في كتابي السابق وأن تـحاذر التساهل في ما يطلبه إيـماننا القومي الاجتماعي منا من صلابة العقيدة وقوة النفس، وما يطلبه نظامنا من سلوكية واضحة لا غبار عليها، ومن جعل العقيدة القومية الاجتماعية فوق الأفراد في الـمعنى والـمنزلة وواجب الاحترام. ولي قول جعلته عنوان أحد مقالات الزوبعة الـمنشور وهو: «العقيدة أقوى من الأفراد» فتمعن به ولا تنسَ، يا رفيقي، أنّ عيون الضعفاء حولنا مفتحة ومراقبة لنقل أي ضعف قد تراه فينا إلى أصحابها ليهووا مع الضعف إلى الـحضيض.
إنّ قضية فخري معلوف دقيقة وخطرة جداً، فلا يجوز النظر إليها ضمن حدود العلاقة الشخصية، وبقدر ما أحببناه شخصياً لـمواهبه العقلية، قبل أن يسلب منها مبلغاً من قوّتها، ولـحسن عقيدته القومية الاجتماعية وحسن سلوكيته في النهضة وجودة تهذيبه، لا نريده أن يكون ذاك الذي يـمكن أن تأتي من قبله الشكوك والعثرات. فإننا أعطيناه فرصة ليعود إلى الإدراك الصحيح والتمييز بين ما هو من شؤون العقيدة القومية الاجتماعية وما هو من خصائص العقائد الغيبية الـمختصة بـما وراء الـمادة بالـمنطق البحت الـمجرّد عن الواقع والاختبار. ولكن هذه الفرصة يجب أن لا تـجري على حساب العقيدة القومية الاجتماعية وحركتها، بل على حساب من تختص به هذه الفرصة ومن هي لفائدته، ولإيضاح الـمسألة أكثر أقول: إنّ فخري معلوف في نظر الـمنظمة السورية القومية الاجتماعية، هو في حكم الـمنقلب على الـمبادىء القومية الاجتماعية والـحانث بيمينه لها، ومهما كانت أهمية القضايا الفلسفية أو الروحية التي يشفع بها انقلابه فلا مبرر له مطلقاً من الوجهة الـحقوقية والنظامية، لأنه إذا صح أنّ انقلابه ناتـج عن تولّد عقيدة دينية قوية فيه، فهو يعني أنه لا يريد أن يسلّم بحرّية الاعتقاد لغيره من أبناء قومه ولا يحترم اعتقاداتهم وأنه يريد إثارة حرب العقائد الدينية لـمجرّد أنه اعتنق مؤخراً مذهباً دينياً معيّناً، وأنه يحارب إنشاء دولة قومية لا تقوم على الكنيسة الـموحدة تـحت رئاسة البابا الـمعصوم عن الغلط، وأنه يرى لزاماً على أبناء قومه أن يروا صحيحاً الـمذهب الذي يراه هو صحيحاً، فإذا اعتنق اليوم الكاثوليكية فيجب على الـجميع أن يصيروا كاثوليكيين، وإذا عاد أو صار غداً بروتستانتياً وجب عليهم أن يروا البروتستانتية الـمذهب الوحيد الصالح، وإذا لم يكن هو متديناً فلا بأس أن لا يهتموا بالدين. ولكن إذا صار هو متديناً فالويل لهم إذا ظلوا في عدم اكتراثهم للدين لأنهم حينئذٍ يكونون ملحدين ومصيرهم إلى النار وفي سعيرها يخلدون!
لو أنّ فخري معلوف إقتصر على بلوغ عقيدة يطمئن فيها إلى خلود نفسه وأنفس أهله وأحب إبلاغ هذه العقيدة إلى رفقائه وأصدقائه وجميع أبناء قومه، مع الـمحافظة على احترام عقائد الآخرين في هذه الأمور، وعلى الاشتراك معهم في وحدة الـحقوق والواجبات القومية، لوجد أنه لا خلاف مطلقاً بين أن يكون الـمرء محمدياً أو مسيحياً في الدين أو غير صاحب رسول خاص أو دعوة خاصة في الدين، وأن يكون قومياً اجتماعياً في الدنيا. ولكنه هو لا يقتصر في موقفه الـجديد على ذلك ولذلك فهو يخرق مبدأ الـمساواة في الـحقوق وحرية الاعتقاد وحرية إبداء الرأي.
ولـمّا كان الأمر كذلك فإنّ موقف الـمنظمة السورية القومية الاجتماعية من حالة فخري معلوف وشذوذه وانقلابه على مبادىء حياة الأمة السورية والدولة السورية، يجب أن يكون واضحاً وخالياً من التساهل الـمضعّف للعقيدة والنظام. وإذا كان لا يزال حين بلوغ هذه الرسالة إليك، مصرّاً على انقلابه أو غير مصمم على سحب استعفائه وطلب إطلاقه من قَسَمه وعلى طرح الأسباب التي بنى عليها الاستعفاء وطلب الانطلاق من القَسَم جانباً، فلا بد حينئذٍ من تنفيذ الـمرسوم الإداري الـمرافق لهذا الكتاب ومن العمل بالتعليمات التالية:
1 - يعامل الرفيق فخري معلوف معاملة الشاذ عن العقيدة السورية القومية الاجتماعية الـموقف عن مـمارسة حقوق عضوية الـحزب السوري القومي الاجتماعي، وهذا يعني: أنه لا يعاشر من قبل أحد من السورييـن القومييـن الاجتماعييـن معاشرة الصديق أو الرفيق، لأنه لا تـجوز الرفقة ولا الصداقة مع من يخون عقيدة أوجدت كيان الأمة في مجتمع صحيح موحدة الـحياة والإرادة والـمصير، وضمنت لـجميع أفراد الـمتحد وأعضاء الدولة القومية الاجتماعية حرية الاعتقاد الـخارج عن حد العقيدة القومية الاجتماعية وحرية الضمير والـجهر بالـمعتقدات، بشرط الـمحافظة على وحدة الأمة والدولة وعلى النظام الذي به تتم إرادة الأمة وغرض الدولة، وحرية العمل الاجتماعي لـممارسة طقوس الـمعتقدات الـمتعلقة بـما وراء الـمادة بشرط أن تلزم هذه الأعمال حدودها الغيبية ولا يكون غبار على أنها لا تتعدى تلك الـحدود إلى ما هو من شؤون الدولة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والـحقوقية والقضائية، وإلى القول بحرمان أعضاء الدولة وأفراد الـمجتمع الذين هم من معتقد مخالف، من حقوقهم الـمدنية والسياسية، وإلى محاولة فرض أشكال سياسية خصوصية للدولة وشروط خصوصية لنظامها السياسي.
وإنه لا يباحث من قبل الأعضاء في ما صار يعتقده من وجوب امتحان شؤون الدولة السورية القومية الاجتماعية بالدين وامتحان أهلية أعضائها لتولي مسؤولياتها بالإيـمان، ولا يؤبه لـما يقول به من هذا الوجه ويشعر بعدم الاكتراث لهذه الناحية من إيـمانه الـمذهبي الـحزبي.
2 - تـحارب في الـمجتمع الفكرة الدينية الـحزبية التي يريد بثّها وأقواله الرامية إلى الطعن في شخصية الزعيم برميه «بالإلـحاد» رمياً لا مبرر له غير الـحزبية الدينية العمياء الـجديدة التي انقلب بسببها على الـمبادىء القومية الاجتماعية التي تقوم عليها نهضة الأمة.
3 - يقاطع فخري معلوف اجتماعياً وفكرياً كل الـمقاطعة ما دام يصرّ على فرض خصوصيات الـمذهب الذي يعتنقه على شؤون العقيدة القومية الاجتماعية وعلى ضمائر السورييـن القومييـن الاجتماعييـن الذين لهم اعتقادات أخرى وعلى النظام السوري القومي الاجتماعي ولا يعلن نبذه ما قال به في هذا الصدد.
4 - تعميم هذه التعليمات على جميع السورييـن القومييـن الاجتماعييـن بتبليغها رسمياً لـمديرية «الإسكندرونة» ولـجميع الرفقاء الـمنتشرين في أميركانية واعتبارك أنت مكلفاً بذلك.
5 - أكلفك نقل وصف قضية فخري معلوف الذي شرحته لك وهذه التعليمات ونص الـمرسوم الإداري الـمرافق لهذا الكتاب إلى الـمجلس الأعلى في الوطن.
6 - أكلفك القيام، في مدة أسبوع كامل من تاريخ وصول هذا الكتاب إليك وإمكانية التنفيذ، بـمحاولة أخيرة لإقناع فخري معلوف بفساد موقفه الـمبني على فساد نظرته القائلة بإعطاء ما لقيصر لله وما لله لقيصر. وتكون هذه الـمدة مهلة لتنفيذ الـمرسوم والتعليمات. وهذه الـمحاولة يجب أن تتقيد بـما يلي:
أ - حصر البحث في حقوق عضوية الدولة وتساوي جميع الأعضاء في هذه الـحقوق و
ب - في كون حرية الرأي والاعتقاد مبدأ عاماً لا يـمكن حرمان أحد منه إلا الذي يستخدمه لإفساد الاخلاق وإلقاء الشقاق وإثارة العداوات بين أبناء الامة و
ج - في عدم لزوم اي اعتقاد للزعيم أو لرئيس الدولة غير الاعتقاد القومي الاجتماعي الذي عليه نشأ الـحزب السوري القومي الاجتماعي وبه نهضت الامة السورية و
د - في أنّ الإيـمان الديني يـمتحن به الإنسان في دينه لا في قوميته و
هـ - في أنّ الأمة والدولة وشؤونهما السياسية والإدارية والاقتصادية والـحربية والـحقوقية والقضائية ليست من شؤون الدين و
و - في أنّ جميع القضايا الـمتعلقة بالإيـمان الديني وإرادة الله لها محكمة عليا أخيرة هي الـحساب يوم الدينونة فيجب ترك حكم الله لله « ولا تدينوا لكي لا تدانوا.» [متى 7:1]
ويـمكن التوسع قليلاً حول هذه القضايا فيظهر لفخري معلوف كم هي واسعة حكمة الله وعميقة حتى أنه قد يرسل «ملحداً» لانقاذ ملاييـن الـمؤمنيـن وأنه هو، الذي منح فخري معلوف الإيـمان سنة 1939 أو سنة 1945 قادر أن يـمنح أنطون سعاده الإيـمان عينه سنة 1949 أو 1955 ويـمنح غسان التويني هذا الإيـمان سنة 1947 أو سنة 1957 أو أي وقت شاء فيجب ترك ذلك لـحكمة الله وترك قضايا الدولة للدولة. ولا مانع من أن يسعى فخري معلوف، ضمن شروط العقيدة السورية القومية الاجتماعية، لاكتساب الزعيم وغيره إلى الإيـمان الكاثوليكي متذرعاً بروح الرفقة والـمحبة ومتدرعاً بالصبر والصلاة، وكم يكون أجره عند الله عظيماً إذا نـجح مسعاه.
ألم يكن بولس في بدء صلته بالـمسيحية مضطهداً للمسيحييـن ثم في ساعة اختارها الله حلّت عليه نعمة الإيـمان وصار أقوى الرسل حجة ومؤسس الكنيسة الـمسيحية العملي؟ وأين شاوول الـمضطهد للمسيحيين من أنطون سعاده ا