إلى حضرة مدير مديرية خوخوي
خوخوي
حضرة الـمدير الـمحترم،
من بضعة أيام قدم مدينة توكومان، لداع خصوصي، الرفيق رستم صدير، محصّل مديريتكم، وانتهز الفرصة فزارني وسررت بزيارته، وتردد عليّ في أثناء الـمدة القصيرة التي أقام فيها هنا، وتـحدثنا في الأمور التي تهمّ عقيدتنا وقضيتنا وفي الأعمال القومية الـمحلية في خوخوي. وعلمت منه أنّ الفتور في هذه الأعمال، الذي تـحققته في زيارتي الأخيرة لـمدينة خوخوي، لا يزال مسيطراً على الـحالة وأن لا جديد غير تـحقيق انضمام السيد عاصي إلى حركتنا وهو الـمواطن الذي زارني، بصحبة الرفقاء، في الفندق في خوخوي، وحدّثته في العقيدة وحال الأمة وواجب الأفراد الـمنتميـن إليها، وأظهر اقتناعاً بوجوب تلبية النداء للواجب.
في بعض محادثاتي مع الرفيق صدير تطرقت إلى شؤون مديرية خوخوي الإدارية وبعض مسائلها الداخلية، وجواباً على بعض أسئلتي أطلعني الرفيق صدير، لدهشتي واستغرابي على ما حصلت الـموافقة عليه وقررتـموه، يا حضرة الـمدير، في إحدى جلسات هيئة الـمديرية الأخيرة وهو صرف الـمال الـمتجمع في حوزة محصّل الـمديرية من اشتراكات الأعضاء لسد نفقة إنزال الزعيم في فندق باريس.
إنّ لعملكم هذا وجوهاً كثيرة للنظر وكلها مؤسفة ومحزنة، وله أيضاً ما يعيّنه القانون من مسؤوليات وواجبات وما يوجبه من عقوبات.
أما وجوه الأمر الـمؤسفة والـمحزنة فهي الوجوه الروحية الـمناقبية. أجل، إنه لـمحزن جداً أن يجتمع عدد من الرجال الـمنتميـن إلى نهضة روحية مناقبية من الطراز الأول، وكلّهم أو جلّهم من أصحاب الأعمال التجارية والأرباح الـمالية الـجيدة، ليبحثوا في من يجب أن يتحمل كمية مالية زهيدة أنفقت على إنزال الزعيم في فندق اختاره الرفقاء الباحثون أنفسهم لنزوله، وأن يتفق الـجميع على عدم تـحمّل الكمية الزهيدة الـمذكورة، وأن يفرضوها على الـمال الـمجبى لـخزانة الـحزب العامة! والـحقيقة أنه لو دفع كل واحد منهم أضعاف هذه الكمية لكان ذلك أقلّ ما ينتظر منه من العمل في مثل هذه الـمواقف والظروف، في سبيل الروحية الـمثالية التي نشعر ونؤمن بأنها يجب أن تسيطر على جميع أعمالنا وأفكارنا، وأن تنتزع من صدورنا قلوبنا الفاسدة، وتضع لنا في مكانها قلوباً جديدة تخفق بالإيـمان والثقة والـمحبة وفعل الواجب والتضحية.
أنتم، من وجهتكم الفردية، قد حللتم الأمر على هذه الكيفية، على ما يظهر، «إنّ الزعيم الآن تاجر وهو عندما يقدم خوخوي يقوم بأعمال تـجارية تعود عليه بالأرباح فليس علينا نحن أن ننفق على الزعيم من أجل أعماله التجارية.» وهذا الوجه لو كان كله صحيحاً لكان تعليلكم صحيحاً لا غبار عليه. ولكن الـحقيقة هي أنه ولا زيارة واحدة من زياراتي لـمدينة خوخوي كانت تـجارية بحتة، أو كانت الدوافع التجارية هي الأولى والأساسية فيها. مواعيد زياراتي كلها كانت تقرر بناءً على كتب ترد في الغالب من ناموس الـمديرية الرفيق يعقوب ناصيف تـحضني على زيارتكم لإنعاش معنوياتكم، وللنظر في بعض أموركم، ولشرح بعض القضايا لكم. التجارة كانت دائماً الوجهة الثانوية من عوامل زياراتي الـمتعددة إلى خوخوي. تـجارتي مع خوخوي لم يكن يقتضى لها غير زيارة واحدة أولى، ثم زيارة واحدة في السنة على الكثير. ولو كان سفري للتجارة لكان يجب أن أضع لها برنامجاً تـجارياً وأزور بعض الأنحاء غير العاصمة، وحينئذٍ كنت أنا أختار الوقت الـمناسب لتجارتي غير ناظر في أشياء أخرى، وكنت أعيّـن مدة بقائي في العاصمة، والدقائق التي يحسن لتجارتي أن أصرفها معكم، وأنواع الأحاديث التجارية التي يوافق مصلحتي التجارية أن أسوقها معكم.
والـحقيقة أنّ نتائج تـجارتي مع خوخوي، إذا كانت شيئاً فهي لم تتجاوز تعويض نفقة أسفاري إليها ويبقى خسارة أوقاتي خارج محلي وبعيداً عنه. وهب أني ما كنت أزور خوخوي إلا لأعمالي التجارية فما قيمة وجودي بينكم لكم؟ إنّ تدخّلكم في أمر نفقتي ومكان نزولي في خوخوي لا يـمكن أن يؤخذ بعين الاعتبار إلا من هذه الوجهة، أعني وجهة مبلغ تقديركم لوجودي بينكم مهما كان نوع الدوافع والعوامل التي سببت وجودي بينكم. هذه هي الوجهة الـمناقبية التي يقاس بها فهمكم القيم وشعوركم بالواجب، وإذا أردنا أن نبحث في القيمة الـمادية البحتة لوجودي معكم، بصرف النظر عن شؤون الزعامة، فأفيدكم أنه لا يجوز أن يقدّر أي حديث من أحاديثي معكم في مسائل الأمة والوطن والنهضة القومية ومسائلها بأقل من خمسمائة فاس بالعملة الأرجنتينية، وكل حديث أو محاضرة أو إفادة في مكان عمومي كالـجمعية السورية اللبنانية أو غيرها لا يجوز أن يقدّر بأقل من خمسة آلاف فاس بالعملة الأرجنتينية، بالنسبة إلى خوخوي، أما بالنسبة إليّ أن يكون الـمبلغ مضاعفاً.
وإذا كان يجب أن ينظر إلى هذه الـمسألة من غير هذه الوجهة، أي من وجهة أنه ينتظر مني، من حيث إني مؤسس النهضة القومية الاجتماعية وواضع تعاليمها ومكّون عقيدتها، أن أذيع أفكاري وتعاليمي في كل مكان يوجد فيه راغبون في الوقوف عليها، فمع ما ينطوي تـحت ذلك من مسائل تتعلق بالـمجهود الـجسدي وأحواله، فإذا كنت أنا لم أبخل قط بـمقابلة رغبة أية فئة حسنة النية بتكليف نفسي مجهودات فوق ما كان يجب، فماذا ينتظر من الـمستفيدين فكرياً وروحياً وعملياً من مجهوداتي أن يفعلوا؟
وهب أني أنا الذي قررت الزيارات والرحلات وقررت نفقتها الـمخصصة من خزانة الـحزب، فماذا يليق بأهل الأماكن التي يزورها الزعيم أن يفعلوا؟
كثير ما يـمكن أن يقال في هذا الصدد، ولا حاجة للإكثار. أما من الوجهة القانونية فإنكم قد خرجتم على صلاحياتكم، حين قررتـم صرف مال جباية الـخزانة العامة. إنّ هذا الـمال لا يخص الـمديرية ولا يخضع لشيء من مقرراتها، لأنه يجبى باسم الـخزانة الـحزبية العامة ويجب أن يرفع إليها شهرياً، كما ينص القانون، وأي تصرّف بـمال الـجباية يعرّض الـمسؤول عنه للمحاكمة بتهمة خرق القانون والعبث به، فضلاً عن التّهم الأخرى الـمصاحبة التي تقتضيها ظروفها الـخاصة.
إنّ الاشتراكات الـمجبية في الأرجنتيـن لم تكن ترسل إلى الـخزانة في الوطن بسبب ظروف الـحرب وانقطاع الاتصال بالـمركز في الوطن، وكان الزعيم يتسلمها لتصريفها في الشؤون الـحزبية ولسدّ بعض نفقته الـخاصة الـمقرر أن تكون من خزانة الـحزب، فضلاً عن نفقات مكتبه الذي يلزم له مطبوعات وأجور بريد وبرق، وكان يجب أن يكون فيه مستخدمون عاملون في النسخ والتسجيل والنقل والكتابة والـحفظ وغير ذلك، وليس مشرّفاً لفرع الأرجنتيـن إظهار مبلغ الأموال التي قدّمها.
ولولا مساعدات زوجتي الـمادية من عملها لـما أمكن أن تستمر الزوبعة كما كانت مستمرة في الـماضي، ولو كنت أريد محاسبة فرع الأرجنتيـن على معاش إدارة الزوبعة وإنشائها لـما أمكن الفرع أن يقوم بالعجز في هذه الناحية وحدها. ولو أرادت زوجتي مطالبته بـما دفعته هي لأعمال الإذاعة وغيرها لـما أمكن أن يؤديه.
قلت إنّ الـجباية كانت ترفع إلى الزعيم لأنه الـمرجع الأعلى لـجميع شؤون الـحزب، ولعدم إمكان إرسال الـجباية إلى الـخزانة الـمركزية رأساً بسبب حالة الـحرب وبسبب الظروف الـحزبية التي لم تـمكّن الـحزب، في حالة جهاده وتعرّض رجاله للسجون وإدارته للخلل، من جعل جميع أموره منتظمة على الوجه الذي يريده. ولكننا نعلم أنّ هذه أحوال عارضة، وأرجو أن أتـمكن في القريب العاجل من إيجاد الترتيب الـموافق وربط مواصلات فرع الأرجنتيـن بالـمركز في الوطن، بحيث تصير الـجباية ترجع إلى الـخزانة العامة في عمدة الـمالية، ويصير الفرع يتبلّغ الـمقررات الـمالية وغيرها بواسطة العمدات الـمختصة.
إنّ عدم إمكان فرع الأرجنتيـن القيام بـما يلزم الزعيم ومكتب الزعيم وضرورات الإذاعة الفكرية للنهضة، جعلتني أقبل فكرة الإتـجار لعلي أتـمكن من سد بعض الـمطلوب في هذه النواحي خصوصاً الإذاعة. ولكن الذين إئتمنتهم من «الرفقاء» ليكونوا عوناً لي على تـحقيق هذه الرغبة لم يكتفوا من الانتفاع الـمعقول والـمشروع، بل قاموا ينهبون ما بيدي كأني فريسة [...] القدوة في العلاقات بين القومييـن، مهما كان في ذلك من مجازفة، لـما أمكن أن يكون لأحد منهم فرصة للتقرب إليّ وشأنهم ما شأنهم.
وشيئاً آخر قد طلبت في التجارة، أن أصون كرامتي وحرمة الزعامة عما لم يعرف الفرع وأعضاؤه في الأرجنتيـن أن يصونوهما عنه، بل عما كانوا عوناً لأعداء النهضة السورية القومية الاجتماعية وأعداء مؤسسها على جلبه عليهما.
إنّ أمر صرفكم مالاً حزبياً من جباية الـمديرية أحمله، من الوجهة الإدارية والـمادية، على نتيجة جهلكم القوانيـن الـحزبية، وأحلّه بإصدار الأمر إليكم أن يعاد الـمال إلى الـمحصّل ليرفعه مع بقية الـجباية إلى حيث يجب. وأما أمر من يدفع نفقة إقامتي في الفندق في خوخوي فأحلّه أيضاً بتخصيص مبلغ أربعيـن فاس (40) من أصل تسعين فاس التي هي مبلغ السند الذي أحوّله إلى مديريتكم لأمر الـمحصّل الرفيق رستم صدير لهذه النفقة، والأربعون فاس هي التي أخرجتموها من حوزة الـمحصّل لهذه الغاية فتعاد إليه كاملة غير منقوصة.
يبقى أمر الـخمسين فاس الأخرى الـمرسلة بالسند الـمذكور، فهي تبرّع مني بواسطة مديريتكم لـمساعدة الـحركة في الوطن، بشرط أن تقوموا بحركة تبرعات كالتي أشرت عليكم بها في زيارتي الأخيرة منكم ومن بقية الـمواطنيـن في مدة لا تزيد على شهرين. ومتى تـم عملكم أشير عليكم كيف يرسل الـمال.
إني أقدر الآن على هذا التبرع القليل جداً، بعد الذي منيت به من خسائر بسبب أمانة «رفقاء غيورين» ووفائهم، لأنّ عملي وزوجتي الـمتواصل طول السنة الـماضية قد مكّنني من استعادة خسارتي في الشركة الـمشؤومة في الـمحل وإن أكن لـمّا أستعد جميع خسائري في توكومان. وإني أرجو أن أرى تبرعات الـمقتدرين منكم أضعاف تبرّعي. وأرجو أن أتـمكن قريباً، إذا لم أتعرض لـخسارة تـجارية كبيرة لسبب من الأسباب الـمحتملة في التجارة، من إعادة الزوبعة إلى الصدور بانتظام فأنفق عليها من جيبي وحدي ومن القليل الذي يأتي برسم اشتراكات للجريدة وهو لا يعوّل عليه.
وإني أطلب منكم طلباً رسمياً أن تدرسوا أنتم، وجميع أعضاء هيئة الـمديرية الـموظفيـن للأعمال الإدارية الـمتنوعة، الدستور والقوانيـن الدستورية الـموجودة مجموعتها بين أيديكم، لكي لا تتورطوا في الـمستقبل في ما تورطتم فيه الآن، وحينئذٍ لا يـمكن إعفاؤكم من الـمسؤولية والعقوبة بحجة أنكم تـجهلون الدستور والقوانيـن، فحجة الـجهل لا تبرر الذنب ولا يـمكن أن يقوم صاحب وظيفة بأمر وظيفته وهو يجهل صلاحياتها ومسؤولياتها وحدودهـا. ولا يـمكنـكــم أن تفيـدوا قضيتكـم بجهـل مقــام قوانينهـا وأحكامهـا ومراجعها.
أرجو لكم حسن التوفيق في مساعيكم القومية وأعمالكم الـخصوصية.
واقبلوا سلامي القومي لكم ولـجميع الرفقاء الـمخلصيـن في مديريتكم. ولتحيى سورية.
مرفق بهذا الكتاب سند على مصرف كمرسيال - توكومان بـمبلغ واحد وتسعيـن فاس (91) لأمر الـمحصّل. أقول واحد وتسعيـن فاس. والواحد لسد تكاليف قبض السند رقمه 385927.