ضريح أبي العلاء الـمعري
ما ندري إذا كان قد وضع أمام البرلـمان السوري، منذ افتتاح عهده الـحديث إلى هذا اليوم، اقتراح يوازي في خطورته وأهميته الاقتراح الذي عرضه عليه الأستاذ فائز الـخوري، في جلسة السبت بتاريخ 21 يناير/كانون الثاني الـماضي، وهو اقتراح تخصيص مبلغ ثمانية آلاف ليرة سورية، تضاف إلى الـمادة الثانية من الفصل الرابع عشر وتنفق على أعمال تشييد ضريح لائق بأعظم نابغة فلسفي شعري أنـجبته سورية هو الشاعر الـخالد أبو العلاء الـمعري.
وقد استغربنا جداً أن لا يكون الـمجلس قد قدَّر لفوره خطورة اقتراح الأستاذ الـخوري وأن تكون اللجنة الـمالية قد حاولت التملص من حمل مسؤولية هذا الاقتراح الذي يشرِّف أعضاءها ويشرِّف البرلـمان الذي هي منه ويعود بالفخر على الأمة جمعاء. وإننا نثبت هنا بـملء السرور هذه الآية الباهرة التي فاه بها الأستاذ فائز الـخوري: «أبو العلاء أحق من الـجمهورية، وما هي الـجمهورية أمام أبي العلاء؟»
أجل، ما هي الـجمهورية بالنسبة إلى أعظم نابغة أدبي عرفه الشرق الأدنى؟
أتدري اللجنة الـمالية والبرلـمان أنّ أبا العلاء الـمعري أعظم بكثير من الـجمهورية؟ إذا كانت الـجمهورية تـمثّل نظاماً جديداً في الأمة فأبو العلاء الـمعري يـمثّل الأمة بأسرها، وإذا كانت الـجمهورية دليل بعض الـمقدرة العقلية السورية فأبو العلاء الـمعري مثال الـمواهب العقلية السورية.
ولقد أصرّ الأستاذ الـخوري على اقتراحه وعضده فيه بعض النواب الآخرين، وإذا كان الـمجلس قد صادق، بعد الـجهد الـجهيد، على تخصيص ثمانية آلاف ليرة سورية من عائدات طوابع ذكرى الـجمهورية البالغة تسعيـن ألف ليرة التي قررت الـحكومة طبعها فالفضل عائد إلى الأستاذ الـخوري والذين آزروه.
نشكر للأستاذ فائز الـخوري اهتمامه بالقيمة العقلية للأمة ونؤكد له أنّ الأدباء السورييـن كلهم يغتبطون الآن بنجاح اقتراحه.
وليثق الـمجلس الذي صادق على تخصيص الـمبلغ الـمذكور آنفاً أنّ الـجمهوريات التي تـحصل على شرف تكريـم أمثال الـمعري قليلة العدد جداً.
الـموسيقى والغناء
ديمتري سميرنوف
أمَّ بيروت، في أوائل الشهر الـمنصرم الـمغني الـجهوري الروسي الطائر الصيت، ديمتري سميرنوف، والـمغنية الكبيرة السيدة ليديا سميرنوف - ملتزيفا وكلاهما من أوبرا موسكو وسان فرنسيسكو يصحبهما الـموسيقي الإيطالي فوستو منياني.
وقد أحيا هذا الـجوق الثلاثي ليلة غناء في بهو وست في الـجامعة الأميركية، غنى فيها الـجهوري الصوت سميرنوف والرفيعة الصوت سميرنوف - ملتزيفا، قطعاً من تأليف بوتشيني وجيورداني وتشايكوفسكي وغلينكا وفوستو منياني، يرافقهما على البيانو الـمؤلف الأخير.
كانت هذه الـمرة الأولى التي أتاح لنا الـحظ أن نسمع فيها هذا الـجهوري الصوت النادر الـمثيل، فوجدنا فيه أكثر مـما كنا نسمع عنه. فمواهب صوته غنية جداً وحرارة لهجته تُكسِب ما يُنشده قوة حياتية تهز النفوس. وقد لاحظنا أنّ بهو وست ضاق بصوت هذا الـمغني فاضطر إلى إمساك صوته قليلاً ولم يعد إلى إطلاقه إلا في القطعة الأخيرة التي غناها إرضاءً لإلـحاح الـحضور.
أما السيدة سميرنوف - ملتزيفا فهي ذات صوت رخيم شائق، مواهبه من الطراز الأول، وهي أيضاً تكسب منشداتها حياة مؤثرة. وقد أجادت الإنشاد إجادة أثارت إعجاب الـحضور. وأما الـموسيقي فوستو منياني فقد برهن على أنه موسيقي كبير والقطع الغنائية التي ألّفها ونظم عباراتها من طبقة راقية وفيها روح إيطالية واضحة.
نأسف كثيراً لأن عدد الـحضور لم يكن كبيراً فقد فات محبي الفن الـموسيقي الغنائي في بيروت سماع مغنٍّ مجيد يُعَد أمثاله في العالم على أصابع اليد الواحدة ومغنية من الطراز الأول. وليثق الذين لم يعيروا وجود ديـمتري سميرنوف في هذه الـمدينة الاهتمام الذي يستحقه أنهم قد أضاعوا فرصة نادرة كان يجب أن ينتهزوها للتعرف إلى مغنيَيْـن نادرَي الـمثال ولتغذية نفوسهم بصوتيهما العذبيـن.
نتمنى للسيد سميرنوف، والسيدة سميرنوف - ملتزيفا سفراً سعيداً ونرجو أن يعودا إلينا في فرصة أخرى وظروف أكثر ملاءمة.