أمَّ الـمارشال بلسودسكي مؤخراً رومانية حيث صرف زمناً غير يسير، فأثار ذلك الظنون وأعاد إلى الأذهان ذكرى الاتفاق العسكري بيـن بولونية ورومانية.
لعب الـمارشال بلسودسكي دوراً خطيراً في سياسة بولونية الداخلية وهو يتمم الآن تـمثيل دور مهم في السياسة الـخارجية. بعد أن تسلم مقاليد الـحكم في تلك البلاد، وجّه عناية خاصة إلى تـحسيـن الـجيش البولوني وتقويته وتثبيت دعائم النهضة البولونية. ثم إنه رمى إلى توسيع بلاده وجعلها أمبراطورية. فاحتل الـجيش البولوني مدينة فيلنا اللتوانية واستولت عليها بولونية نهائياً، ولم تغنِ احتجاجات لتوانية لدى جامعة الأمـم فتيلاً لأن فرنسة أيّدت حليفتها بولونية تأييداً تـحزبياً أبطل مفعول السياسة الـمعتدلة التي أرادت أن تنظر في القضية من وجهتها الـحقوقية، وقصة ضم سيليسية إلى بولونية، وإقرار الـممر البولوني إلى دنتزغ وجعل هذه الـمدينة تـحت محافظة بولونية مع إعلانها مدينة حرة، مشهورة لا حاجة إلى تكرارها هنا.
ليس من العجب أن تقف فرنسة من بولونية الـموقف الودي الـمشار إليه لأن وجود دولة بولونيّة قوية يقي الأولى شر خطرين: خطر روسية البلشفية، وخطر ألـمانية.
وقد عرف العالم مبلغ أهمية بولونية سنة 1920 حيـن هاجمها الـجيش الروسي الأحمر وبلغ أبواب عاصمتها وارصو وكاد يستولي عليها. وفرنسة تريد أن تبقى بولونية حاجزاً بيـن روسية وألـمانية لأن اتـحاد هاتيـن الدولتيـن في حرب مقبلة معناه اتـحاد قوات عظيمة في نظام حربي لا سبيل إلى التفوق عليه.
وبولونية نفسها تعرف مبلغ أهميتها لدول أوروبة عموماً ولفرنسة خصوصاً. وبلسودسكي يعرف ذلك أكثر من غيره. وهو لذلك ينتهز هذه الفرصة لتقوية بلاده وجعلها تستفيد من مركزها.
يــدرك بـلــسودسكي أيضاً أنّ الـحصول على صداقة فرنسـة وتساهل بريطانية وغيرها من الدول ليس أهم ما يجب أن تنظر إليه بلاده، بل أهم من ذلك بكثير الـخطر الذي يهدد كيانها قبل أن يهدد بقية أوروبة، هو خطر روسية أو خطر روسية وألـمانية متحدتيـن. تـجاه هذا الـخطر الذي ليس في حالة الـمداهمة الآن يرى بلسودسكي أنّ بلاده تـحتاج إلى سند آخر، لا تكفي فرنسة، على بعدها، لـمنع سقوط بولونية تـحت ضغط روسية أو ضغط روسية وألـمانية.
أجال بلسودسكي نظره الفاحص على الـخريطة الأوروبية حتى استقر أخيراً على رومانية. ورومانية عدوة روسية وقد استحكم العداء بيـن هاتيـن الدولتيـن على أثر ضم بساربية إلى رومانية. وبساربية مقاطعة لروسية حقوق فيها واللغة الروسية منتشرة بيـن أهلها.
ومنذ وقت غير قصير والعالم يتحدث عن وجود اتفاق عسكري بيـن بولونية ورومانية ينص على توحيد قيادة جيشيهما في حالة حرب. وهو دليل قاطع على وجود هاتيـن الدولتيـن في حالة تتوقعان معها نشوب حرب تستهدفان لها.
في أثناء زيارة بلسودسكي رومانية وردت الصحف الألـمانية برقيات من مراسليها في تلك البلاد تقول إنّ الـحكومة الرومانية منحت الـمارشال بلسودسكي رتبة مارشال في الـجيش الروماني، ويعدّ بعض سياسيي تركية منح بلسودسكي رتبة مارشال في الـجيش الروماني خاتـمة الاتفاق العسكري الـمشار إليه، ويصبح بلسودسكي بـموجبها القائد العام لـجيش بولونية ورومانية في حالة وقوع حرب تشترك فيها هاتان الدولتان.
الـحقيقة هي أنّ بولونية ورومانية تأخذان الأهبة للحرب، وليس بعيداً عن الـمعقول أن تكون زيارة بلسودسكي الأخيرة لرومانية مبنية على مقاصد سياسية عسكرية، لا بقصد التنزه على شواطىء البحر الأسود كما أشيع عنه، خصوصاً والـمارشال البولوني لا يـميل إلى قطع الـمسافات الشاسعة في سبيل التنزه.
ووراء الأكمة ما وراءها.
أنطون سعاده