كان الأمس يوماً مشهوداً حافلاً بالأعلام مملوءاً بالأنغام. إنه عيد الهدنة لأعظم حرب جرت في التاريخ.
في عيد الهدنة ذكريات مفرحة وذكريات محزنة. فالذكريات المفرحة هي توقّف هرق الدماء والإبقاء على البقية الباقية من رجال كانت تعتز بهم الأمم.
وقد تصرّف الحلفاء في تفسير معنى الهدنة تصرفاً قضى على المعنى المتقدم وحوّلوا ذكرى الهدنة إلى عيد يجددون فيه انتصاراتهم.
أما نحن فلا يمكننا أن نقتصر على المعنى المتقدم، بل تعود بنا الذكرى إلى الزمن الذي سبق الهدنة حين كانت الحرب لا تزال سجالاً وكفة القوة راجحة في جانب ألمانية وحلفائها وسيف ديموقليس معلق فوق جيوش الحلفاء - إلى الزمن الذي عاد فيه كليمنصو الملقب بـ «نمر فرنسة» من ساحة المارن وعرض فيه على بوانكاريه الذي كان رئيساً للجمهورية نقل الحكومة من باريس لأن «العدو على الأبواب».
في ذلك الزمن البعيد القريب، دبّ الرعب في قلب باريس، كما دبّ الذعر قديماً في قلب رومة بعد انتصار هنيبال على أعظم جيش روماني في معركة كاني الشهيرة.
في ذلك الزمن، تحت تأثير الصواعق والبراكين الحربية، بينما مصير دول الحلفاء معلق بين الموت والحياة، رقَّت القلوب القاسية، وتحولت المطامع البربرية إلى نوع من الرغبات الإنسانية النبيلة، فاعتلى سياسيو الحلفاء المنابر وقطعوا على أنفسهم العهود مقسمين اليمين الغموس، مشهدين على أنفسهم الله في السماء والهيئة الاجتماعية على الأرض، أنهم إنما يحاربون في سبيل غلبة الحق على القوة ونصرة الحرية على العبودية.
في ذلك الزمن التجأ هؤلاء السياسيون إلى الأخلاق والشرف بعد أن أفسلت المناورات السياسية تجاه الإجراءات الحربية، وعجز منطق المعاهدات عن ردّ منطق