فازت الكتلة الحكومية التي دخلت الانتخابات بقصد استفتاء الأمة والحصول على تفويض منها، يخوِّل الحكومة اتخاذ إجراءات حاسمة في جميع الشؤون العارضة التي زعزعت مركز بريطانية المالي ودعائمها الاقتصادية.
ولقد أتينا في عدد سابق (ص 255 أعلاه) من هذه الجريدة على الأسباب التي دعت رئيس وزارة العمال السيد مكدونالد إلى العدول عن الحكومة الحزبية وتأليف حكومة قومية، تتمكن من معالجة الأزمة الحاضرة معالجة تأتي بالفائدة المطلوبة، وتزيل الكابوس المالي والاقتصادي الذي أصيبت منه الأمة بشكل قلّ نظيره. ورجّحنا في مقالنا المذكور فوز الحكومة القومية. لذلك لا نرى في نتيجة الانتخابات التي أعلنّاها للقراء ما يوجب الدهشة من حيث فوز الكتلة الحكومية، ولكن لا بد لنا من الاعتراف بأن الفوز الباهر الذي ناله المحافظون، خصوصاً، فاق ما قدّره المتفائلون أنفسهم.
إنّ ازدياد قوة المحافظين، هذا الازدياد الكبير، سيحدث تغييراً كبيراً في أحوال السياسة البريطانية الداخلية والخارجية، وسيجعل من الحكومة القومية حكومة حزبية حالما تتحسن الأحوال العامة وتخف وطأة الأزمة التي اجتاحت البلاد. ونحن لا نقول ذلك من باب الرجم بالغيب بل نستند إلى حقائق الحال والسوابق المحفوظة في تاريخ البلاد.
إنّ من النتائج الأولى لفوز المحافظين هذا الفوز الباهر تغيير الخطة الداخلية في معالجة بعض الشؤون المالية والاقتصادية، فتفرض على البضائع الواردة من الخارج الضرائب الجمركية وتوضع تعرفة خاصة لبضائع المستعمرات المستقلة، وهو ما يقضي على حرية التجارة التي يقول بها الأحرار والتي كانت متّبعة إلى الآن.
وهذه المسألة دون سواها ستؤدي إلى نضال سياسي كبير بين المحافظين والأحرار لا تبدو خطورته إلا بعد ثبوت الحال وذهاب الأزمة الحاضرة، لأن حرية التجارة من البنود الأساسية في برنامج حزب الأحرار ومن أهم الأمور التي تبرر بقاء هذا الحزب في عالم الوجود.
متى ابتدأ المحافظون ينفّذون برنامجهم الحزبي بعد زوال الأزمة اصطدموا بالعمال أيضاً في السياسة الداخلية والخارجية، ومن ثم يعود النضال السياسي الحزبي إلى سابق عهده، والمنتظر أن يشتد أمره اشتداداً لا يبعد أن يفاجئنا بما ليس في الحسبان.
نترك مسألة الأحزاب الإنكليزية وشؤونها الداخلية إلى فرصة أخرى، وننظر الآن في ما هو أهم من ذلك: في الأحوال السياسية العامة المحيطة بعهد حكومة المحافظين الجديدة.
عندما ترك المحافظون الحكم المرة الأخيرة كانت العلاقات السياسية بين بريطانية والولايات المتحدة على أسوأ ما يكون. والسبب في ذلك تشبث المحافظين برفض المساواة البحرية بين البلدين.
وكانت العلاقات السياسية قد ساءت مع اليابان أيضاً بسبب إصرار المحافظين على إنشاء الميناء الحربي في سنغافورة، وهو ما اعتبره اليابانيون إنذاراً بانتهاء عهد الصداقة البحرية الحربية بين البلدين.
أما في السياسة الأوروبية العامة فكانت إنكلترة محافظة على علاقاتها مع فرنسة وإيطالية إلى حد معلوم، ولكن المزاحمة بينها وبين روسية كانت على أشدها.
وأما في المستعمرات غير المستقلة كالهند وفي مصر فقد كانت حكومة المحافظين السابقة قابضة على زمام الأمور بيد من حديد، ونذكر تصرّفهم في حادثة السردار لي ستاك المصري وانتهازهم هذه الفرصة لنزع السودان من يد المصريين، وكان من جراء ذلك كله اشتداد النقمة على إنكلترة في مصر والهند.
يجد المحافظون أمامهم الآن تحسناً عظيماً في العلاقات بين إنكلترة والولايات المتحدة يمكّنهم من التمشي على خطة سياسية أنغلوسكسونية واسعة النطاق. ويرون صداقة الولايات المتحدة تغنيهم عن صداقة اليابان وإن كانوا لا يرغبون في تلك الصداقة كثيراً.
ويجدون فوق ما تقدم مركز بريطانية في أوروبة على حال حسنة إلا مع روسية، فإن نقمة روسية على بريطانية ازدادت على عهد حكومة العمال، لأن البلشفيين لم يروا فرقاً يستحق الذكر بين حكومة المحافظين الأرستوقراطية وحكومة العمال الاشتراكية.
ومع أنّ مسألة مصر ليست الآن بذات بال فهي ليست مما يدعو إلى الاطمئنان. وفي الهند تشتد الحركة الوطنية يوماً بعد يوم.
وسنرى ما يكون من سياسة المحافظين الجديدة.