أشرنا في مقال سابق (ص 261 أعلاه) إلى استقالة الوزارة الألـمانية على أثر استقالة وزير خارجيتها السيد كورتيوس، وتأليف وزارة جديدة يرأسها بروننغ نفسه الذي كان رئيس الوزارة الـمتقدمة.
ولقد تقدمت الوزارة الـجديدة إلى البرلـمان ونالت ثقته بأكثرية قليلة جداً، الأمر الذي يجعل مركزها ضعيفاً إلى درجة يرجّح منها عدم ثباتها طويلاً.
وآخر ما وردنا من الأخبار يطلعنا على الاجتماع الـخطير الذي عقدته أحزاب اليميـن في بادهارتزبورغ وهي مؤلفة من الاشتراكييـن الوطنييـن، جماعة هتلر، والوطنييـن الألـمانييـن وحزب الزرّاع ورابطة البلاد وفريق «الـخوذة الفولاذية» وأعضاء الرابطة الوطنية.
وكان حاضراً، من الأشخاص الذين لهم شأن كبير في سياسة البلاد، السيد هتلر زعيم أقوى حزب وطني، والزعيم القديـم هوغنبرغ، وأبناء القيصر الأميران إيتل فريدريك وأوغست فلهلم فن هوهنتزولرن، اللذان كانا يلبسان بزات جمعية «الـخوذة الفولاذية»، والسيد شاخت رئيس بنك ألـمانية سابقاً، والـجنرال فن سيكث.
كانت النتيجة الـخطيرة للاجتماع الـمذكور اتخاذ قرار يقول بوجوب محاربة الـماركسية والبلشفية، جاء فيه:
«إننا نعلن رغبتنا الأكيدة في إيجاد حكومة يكون لها منهاج وطني في الريخ وفي بروسية، واستعدادنا لإنقاذ وطننا من الفوضى البلشفية وسياستنا من الإفلاس الاقتصادي.»
وبعد أن حمل البيان على حكومة بروننغ وحكومة برون البروسية أرسل نداءً حاراً إلى الرئيس الـمارشال هندنبورغ «أن يقف في جانب ملاييـن الرجال والنساء الألـمانييـن ويحقق لهم الـحكومة الوطنية.»
وُضع القرار الـمتقدم بعد خطب بليغة فاه بها كل من هوغنبرغ وهتلر. فأشار الأول إلى وجوب تـحويل الـحكومات الاشتراكية الـمتطرفة إلى حكومات وطنية وضرَب حكومة بريطانية مثلاً. وحمل على برون وسيفرنغ اللذين لم يعرفا كيف يستفيدان من القدوة الـحسنة التي قام بها مكدونالد في إنكلترة.
وأبان الثاني خطورة الـحالة الـحاضرة وختم كلامه بالعبارة الـحماسية التالية:
«ليس من يرغب في السلام أكثر من الوطنييـن الـمعارضيـن، إنّ الذين ذاقوا طعم الـحرب يجدونها مُرّة ولكن الشعب الذي يجد الـحرب أمراً لا مندوحة عنه لا يتأخر عن وضع قواته في ساحتها.»
وهكذا نرى حالة ألـمانية السياسية الداخلية حرجة مضطربة، وإذا لم تسفر الـمفاوضات الـجارية في عواصم الدول الكبرى عن خطة جديدة تُغيّر مجرى الأحوال العامة تغييراً محسوساً مفيداً، فإن الـجوع والإفلاس والـحالة النفسية الـمضطربة تدفع ألـمانية إما إلى الوطنية القائلة بالـحرب وإما إلى الشيوعية القائلة بالـحرب.