مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
مـذكـرات(1)
 
 
 
النهضة،بيروت،العدد 105، 1938/3/1
 

1 مـارس/آذار 1929
«ها قد ابتدأ يوم جديد من أيامي. في هذا اليوم يبتدئ شهرك يا مارس وفي هذا اليوم أبتدئ أنا سنتي الـخامسة والعشرين وبابتداء هذه السنة إبتدأ التسجيل لـحساب الـحياة التي أوجدتك وأوجدتني.


وفي هذه الدقائق الأولى التي تعيد أول نسماتك وأول أنفاسي أسمع في بلاد غربتي، وسط الليل الـمخيم، صوتاً رخيماً ما أحلاه يناديني «يا إبني أين أنت؟» فأرفع رأسي وأنظر في وجه السماء الـمقنع كوجه إيزيس وأنادي «يا أمي أين أنت؟»


وأعود فأسمع صوتاً آخر يناديني «يا إبني أين أنت؟» فأعود الى التحديق في وجه الأفق وأنادي «يا بلادي أين أنتِ؟»
أمي وبلادي ابتدءا حياتي وسيلازمانها إلى الانتهاء.
فيا أيها الإله أعنِّي لأكون باراً بهما.»

2 مـارس/آذار 1929
«لم أتـمكن من كتابة شيء للرواية التي أُعدُّها، لانصراف أفكاري إلى تذكارات بلادي العزيزة.
لقد أنستني رفقة (...) همومي طوال هذا اليوم، وقد أصبحت أشعر أنه وجد أخيراً في بلاد غربتي إنسان، ذو شعور يفهمني وأفهمه.»


3 مــــارس/آذار
«أشعر بحنيـن ذائب إلى بلادي، إلى الوادي، إلى غابة الصنوبر، إلى النبع. وأحس بنغصة الـحياة عندما أتذكر تلك الأشياء الثمينة، وكم أتـمنى لو أني أعود إلى مسقط رأسي.
ليس قليلاً ما يلاقيه فاقد الوطن في ديار الغربة.»

4 مــــارس/آذار
«قرأت اليوم ترجمة حياة الـخنساء وشيئاً من شعرها فأثّر فيَّ ذلك، ومع أنّ أشجان نفسي كثيرة فسأجرب تسكينها للاستفادة من الانتعاش الذي أشعر به في سبيل إنـجاز الرواية التي أصبحت جزءاً من نفسي لأنها جزء من عواطفي وأفكاري واختباراتي.
سأذهب حالاً إلى الفراش ولا أدري ما يحدث بيـن ليلة وضحاها.»

5 مــــارس/آذار
«جلست أنا و(...) على شرفة غرفتي البديعة الـمطلة على مناظر مبهجة وأخذنا نتداول الـحديث في مختلف الـمواضيع بينما نحن نشرب الشاي. وكان أهم حديث لذيذ جرى عن الـمناقب «مورال» فكان رأي (...) أنّ التمناقب هي العواطف الشريفة في الإنسان وكان رأيي في الـمناقب كما هو مصطلح على استعمال هذه اللفظة إنـما هي العادات التي يتفق الـمجموع على اعتبارها شريفة أو من الفضل، ولا أدري تـماماً إذا كنت قد أقنعت (...) بصحة نظريتي.»

6 مــــارس/آذار
«بعد العشاء تنزهت قليلاً ثم طالعت بعض الـجرائد السورية ثم فطنت للبحث عن كلمة «مورال» التي تعني الـمناقب والتحقيق عن معناها في معجم أحاديث مايو/أيار فوجدت أنها مشتقة من لفظة «مورال» اللاتينية التي معناها العادات أو التقاليد وتيقنت من صحة الرأي الذي أبديته لـ (...) البارحة.»

13 مــــارس/آذار
«تـحدثت مع بعض أصدقائي في أمور شتى منها الـمبدأ والغرض والـخيال (إيديال) وكان حديثاً شيقاً تشبثت فيه برأيي بأنه يوجد نظريات كثيرة صالـحة وموافقة للعمل يغفلها البشر لضعف في قواهم النفسية مجادلينك بذلك القول السقيم، إنّ النظريات لا يـمكن تطبيقها على العمليات وما شاكل من الآراء التي تعني كثيراً ولا تعني شيئاً وكان رأيي في ضعف البشر أنه ناتـج عن فقد الإيـمان الراسخ.»

25 مــــارس/آذار
«وردتني هذا الصباح عدة جرائد وكانت نفسي متعطشة لسماع أخبار بلادي لأني لم أكن قد طالعت شيئاً بشأنها في الأيام الأخيرة، ولكن اللهفة إلى تلك الأخبار عادت عليَّ حزناً وأسفاً شديداً، للمصير الذي صارت إليه أمتي. وقد آلـمني بنوع خاص أن أقرأ كيفية تعطيل الـجمعية التأسيسية التي انعقدت في دمشق في تاريخ التاسع من يونيو/حزيران 1928 وتوقفت أعمالها للمرة الأولى في الـحادي عشر من السنة نفسها وتعطلت إلى أجل غير معيّـن بـموجب قرار الـمفوض الفرنسي السيد بونسو في أصيل يناير/كانون الثاني من هذه السنة.»

29 أبــريــــل/نيسـان
«اليوم قمت بجميع واجباتي رغماً من الضعف الذي بي... وعسى أن يكون الغد أفضل من اليوم من أجل مبدأي لا من أجل نفسي...»

في 13 مــــايــــو/أيــــار
«سألت نفسي اليوم ما هي قيمة الـحياة بدون مبدأ؟
ما هي الـحياة بدون مثل منشود؟
ما الغرض من وجود الإنسان؟

ما هو القضاء والقدر؟
للحياة غرض من خلق الصعوبات الهائلة للإنسان أم هي تخلقها لإعدام الـحياة بإعدام السعادة؟
يقول بعض الفلاسفة إنّ للحياة غرضاً في الإنسان يتم به ورأيي الـخاص أنّ غرض الـحياة في الإنسان قائم على وجوده حتماً ولكن إذا انتفى وجود الإنسان فهل يبطل عمل الـحياة؟»
19 مــــايــــو/أيــــار
«يجب أن أقوم بـمطلوب مبدأي مع كل ما يعرض لي من ألم الروح، فالـحياة قصيرة لا تسمح بضياع الوقت في البكاء من الألم.
وإنّ في الألم لـحياة لذوي الفهم
هي الفلسفة التي عرفت حقيقتها بالاختبار.
لذلك أنا أرفض أن أكون أنانياً لا يعرف شيئاً غير طلب اللذة والنواح لفقدها.
لا. لا. يجب ألا أكون أنانياً. بل يجب أن أفتكر بآلام الـملاييـن من بني أمتي أولاً ثم أعود فأذكر نفسي...
يجب أن أنسى جراح نفسي النازفة لكي أساعد على ضمد جراح أمتي البالغة.»

23 يــــوليــــو/تـمـــوز
«أين الوطن... إلى هناك تشتاق نفسي ويتزايد حنيني.. هناك حضنتني أمي وهناك ترعرعت...»

في 19 سبتمبــر/أيــلـول
«منذ عدة أيام وأخبار ثورة السورييـن في فلسطيـن على اليهود الدخلاء تـملأ الصحف. وقد أثّر فيَّ كثيراً إرسال بريطانية مراكبها الـحربية حاملة جحافل بريطانيّة جديـدة إلى فلسطيـن للدفـاع عن اليهـود، الأمر الذي كان من ورائـه سقوط عـدد وفير من السورييـن قتلى، واضطـرار القائميـن بالحركـة الشعبيـة الوطنيـة إلى الإخلاد إلى السكينة.


بيد أنّ ما ساءني أكثر من كل ما تقدم، بقاء الـجالية السورية هنا جامدة لا ينبض لها عرق ولا يختلج لها عضو كأن ما هو جارٍ ليس في بلاد رأت هي فيها نور الـحياة ولا يهم أمـة تنتمي هي إليهـا. وكل ما قامـت به جمعيـة الرابطـة الوطنيـة السوريـة بهذه الـمناسبة لم يتعدَّ حـد صغار الشؤون التي لم يكن ــ ولا يـمكن أن يكـون ــ من ورائهـا ما يـمكن أن يرجح أو على الأقل أن يوازي الإذاعة لـمصلحـة اليهـود في الصحف البرازيلية.


ومع ذلك أراني مضطراً إلى كتمان آلام نفسي أمام أبناء جنسي لأنهم يسخرون من هذه العواطف ولا يخجلون من العار الذي يلحقهم.»
30 أكتـــوبــــر/تشــرين الأول «ليس كالوحدة للفتى ففيها يكون الـمرء كله لنفسه.


ولكن بعد العزلة تشتاق النفس إلى الـمعرفة والفهم، بيد أني كلما طلبتهما ورفعت رأسي ونظرت وجدتني دائماً وحيداً بأفكاري غريباً بيـن معارفي ــ في محيط الاجتماع الـمترامي الأطراف تغلب الأنانية الـمبدأ وتنتصر الشهوة على الـحب.


ذو الفهم دائماً يعطي والطماع دائماً يأخذ فلا يعترف ولا هو يقنع «والنفوس إذا كانت كباراً تعبت في مرامها الأجسام» والنفس الكريـمة لا تكف عن العطاء.
البارحة اشتريت حاكياً لأني أشعر بصعوبة الـحياة بدون موسيقى وكم كنت أودّ لو أني تعلمت هذا الفن الشاق، كأنه لا يكفيني الفن الشاق الذي أعانيه.
ولقد نصحني ناصح، أمثاله كثيرون: دعك من هذا العناء، يكفي الـمرء أن يهتم بخبز يومه.
للناس خبزهم اليومي ولي خبزي.»

في أول ينــــايــــر/كــانــون الثــاني 1930
«منذ آخر مذكرة كتبتها إلى الآن شهران لم يذهبا عبثاً.
ابتدأَت السنة الـجديدة منذ نحو ساعتيـن فتذكرت ماضيّ فإذا هو جلي واضح كالسفر الـمفتوح.
ثم ذكرت مستقبلي:
آمال وأوهام ورغائب وأحلام.
وكل هذا سجف من يدري ما وراءها.
إني أحب الـماضي لأني أعرفه وأفهمه.
ولكني أخشى الـمستقبل وإن كنت أرقبه وآمل لأني إذا نظرت إليه فيا لغرابة ما أرى ويا لعجب ما لا أرى.
ومع اعتقادي أنه لا قضاء إلا لـما كان، أسلم للقضاء بـما هو كائن ويكفيني من حظ الدنيا ما أبقيته.»

 

 

 

(1) وضع فؤاد سليمان، أحد محرري الـجريدة، لهذه الـمذكرات مقدمة مسهبة.

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro