أتينا في الـجزء الـماضي على كيفية الانتخاب في الولايات الـمتحدة في طوره العادي، وانتقدنا الطريقة التي يتمشون عليها هناك في التصويت. والآن نأتي على كيفية الانتخاب في أطواره غير العادية إتـماماً للفائدة.
متى تـوازن الـميـزان
منذ مدة غير بعيدة وزَّع مكتب «اليونيتدبرس» على الصحافة كتاباً أتى فيه على كيفية الانتخاب في الولايات الـمتحدة بصورة موجزة. وقد ورد في الكتاب أنه متى حصل توازن في تصويت «الكلية الانتخابية» أو منتخِبي الرئاسة الذين أتينا على ذكرهم في الـجزء الـماضي، فإن انتخاب الرئيس يصبح إذ ذاك من حق مجلس الـممثليـن كما ينص على ذلك القانون الأساسي للبلاد. وإننا في شرح كيفية ذلك لا نستند إلى كتاب «اليونيتدبرس» إلا قليلاً.
متى بلغت الـحال الانتخابية حدّاً يجب عنده على الـمجلس التمثيلي أن ينتخب رئيساً كما في حالة التوازن الـمشار إليه، فالـمجلس ينتخب بالاقتراع. أما الأشخاص الذين يقترع عليهم فهم الثلاثة الـمتقدمون أكثر من سواهم. والاقتراع يجب أن يكون بعدد الولايات، ولا يخوَّل لـممثلي أية ولاية كانت أكثر من صوت واحد. ويعقد لهذا الغرض مجلس يـمثُل فيه أعضاء ينوبون عن لا أقلّ من ثلثي الولايات. وأحقية الانتخاب لا تكون إلا بأكثرية الولايات كلها. أما فيما يختص بنيابة الرئاسة، ففي حالة توازن في منتخبي الرئاسة يصبح من حق مجلس الشيوخ أن ينتخب نائب الرئيس من الإثنيـن الـمتقدميـن أكثر من سواهم في القائمة الانتخابية، ويُعقد لهذا الغرض مجلس مؤلف من لا أقلّ من ثلثي الشيوخ. ويُعتبر الانتخاب حقيقياً إذا كان بأكثرية الشيوخ كلهم.
إذا لم ينتخب رئيس بواسطة «الكلّية الانتخابية» أو الـمجلس التمثيلي قبل انتهاء مدة الرئيس الـحالي في الرابع من آذار/مارس التالي، وكان مجلس الشيوخ قد توصل إلى انتخاب نائب الرئيس، فالقانون ينص بأن يصير نائب الرئيس الـمنتخب رئيساً إلى أن يكون انتخاب الرئيس قد تـمَّ، كما يذكر ذلك وُدبرن في كتابه الـجمهورية الأميركانية وحكومتها. ويقول صاحب هذا الكتاب إنه إذا لم يُنتخب رئيس ولا نائب رئيس قبل الرابع من آذار/مارس، فإن القانون لا ينص على من يقوم بوظيفة الرئاسة وليس لأحد سلطة تـمكنه من إنهاء الـمسألة. ففي مثل هذه الـحالة يصبح كرسي الرئاسة خالياً إلا إذا استعفى الرئيس الـموجود ونائبه قبل انتهاء مدتهما، وفي هذه الـحال يقوم ناظر الدولة بوظيفة الرئاسة إلى أن يُنتخب رئيس. وفي رأي صاحب الكتاب الـمشار إليه أنه يجب أن يكون في القانون الأساسي مادة تنص على بقاء رئيس موجود إلى أن يكون خلفه قد انتخب.
حادثـة انتخـاب سنـة 1800
لقد حدث في الولايات الـمتحدة أنّ مجلس النواب أو الـممثليـن انتخب رئيساً مرتيـن، الـمرة الأولى سنة 1800 عندما انتخب جفرسون والـمرة الثانية سنة 1824 عندما انتخب جون كونسي أدمس. في الـحادث الأول بعث تزاحم جفرسون و بر على وضع التحوير الثاني عشر للقانون. قبل التحوير الـمذكور كان الـمنتخِبون يصوتون لـمرشَّحَيـن للرئاسة يُجعل الذي ينال الأكثرية منهما رئيساً، والذي يأتي بعده يُجعل نائب رئيس. ومن الأمور الـمهمة في انتخاب سنة 1800 أنّ منتخِبي الرئاسة أو الـمصوتيـن الثانوييـن صوّتوا تصويتاً حزبياً للمرة الأولى. ولقد ذكر فولر في كتابه حكومة الشعب أنّ جفرسون و بر نال كل منهما ثلاثة وسبعيـن صوتاً، وهي آنئذٍ كل قوة الديـموقراطييـن والـجمهورييـن. أما أدمس، فيقول صاحب الكتاب الـمشار إليه، إنه نال خمسة وستيـن صوتاً ونال بنكني أربعة وستيـن صوتاً لأن مصوّتاً اتـحادياً واحداً صوّت لـجون جاي لكي يكون لأدمس سبيل إلى الرئاسة إذا ربح الاتـحاديون. ولكن الديـموقراطييـن والـجمهورييـن لم يتحفظوا مثل هذا التحفظ مع أنهم في الـحقيقة كانوا يريدون أن يجعلوا بر نائب الرئيس. فحدث من وراء توازن جفرسون و بر أنّ الانتخاب أصبح من حق مجلس النواب الذي انتخب جفرسون بعد الاقتراع ستاً وثلاثيـن مرة، إذ نال جفرسون عشر ولايات مقابل أربع ولايات في جانب بر.
حادثـة انتخـاب سنـة 1824
في الـحملة الانتخابية للرئاسة في سنة 1824 وجد أربعة مرشحيـن هم أندرو جاكسن وجون كونسي أدمس وهنري كلاي ووليم هـ. كروفرد. وكانت الكلية الانتخابية قد توصلت إلى انتخاب نائب رئيس هو جون كالهون، ولكن ولا واحد من الـمرشحين للرئاسة نال الأكثرية التي تخوله أن يصير رئيساً. إذ كانت النتيجة هكذا: 99 لـجاكسن و84 لأدمس و41 لكروفرد و37 لكلاي. فكان من وراء ذلك أنّ الانتخاب أصبح في هذه الـمرة أيضاً من حق الـمجلس التمثيلي كما يشير إلى ذلك فولر، فانتخب الـمجلس أدمس الذي كان في جانبه 13 ولاية مقابل سبع ولايات لـجاكسن وأربع ولايات لكروفرد. أما كلاي فلم يصوت له لأنه لم يكن من الثلاثة الـمتقدميـن أكثر من سواهم في القائمة الانتخابية الذين يحق للمجلس أن ينتخب منهم رئيساً.
وذكر الاستاذ وُدبرن في كتابه الـمشار إليه أنه حصل اتهام بأنه حدث تـحزب فاسد بيـن أدمس وكلاي. ولـمّا كان كلاي الرابع في القائمة لم يـمكن التصويت له، ولكن نفوذه هو الذي حقق انتخاب أدمس، كما يقال. وزاد الأستاذ وُدبرن أنّ كلاي عُيّـن بعد ذلك ناظر الدولة من قبل أدمس الأمر الذي بعث على التهمة مع أنه «لم يكن في الأمر مساومة أو فساد أو ما شاكل بيـن هذين الرجليـن.» ولكن جاكسن وأصحابه كانوا دائماً يشعرون أنّ الشعب جُرّد من اختياره. وقيل إنّ هذا الانتخاب زاد الـحركة الديـموقراطية نحو التصويت الـمباشر وطريقة أعم في الترشيح. وفي انتخاب جاكسن الثاني سنة 1832 كانت طريقة انتخاب مـمثلي الأحزاب قد ابتدأت.