الوطنية كلمة ذات معنى غير محدود لا تدخل تـحت نظامات ولا قوانيـن. إذا وقعت دعوتها على الآذان سرى منها إلى القلوب تيار كهربائي لا يلبث أن يتحول إلى هيجان يعقبه انفجار هائل يودي بحياة أنفس كثيرة. هي التي لا حياة للأمـم إلا بها.
في سبيل الوطنية يهرق الـحر دمه. ومن أجلها يأتي الرجل من الأعمال ما قد يكون مستحيلاً. ويعرّض الشجاع بنفسه لأعظم الـمخاطر. ويلقي الوطني بنفسه بيـن أنياب الـموت باسماً. هي عامل قد يدفع الشريف إلى ارتكاب أعظم الـجرائم دون أن يعوقه عائق، أو يردعه رادع. يخوض الـجندي ساحات القتال غير هيّاب ولا وجل لداعي الوطنية. وتتطوع النساء تـحت لواء الصليب الأحمر للاعتناء بجرحاها.
الوطنية قوام الأمـم، فبمقدار الوطنية تكون الأمـم - الوطنية تقتضي تضحية وبـمقدار التضحية تكون الوطنية - بالتضحية تـحيا الوطنية وبالوطنية تـحيا الأمـم - الوطنية تولّد في الـجبان شجاعة الأبطال وتـجعل في الضعيف قوة تفل الـحديد وتضع في النذل شهامة الشرفاء.
لا أمل لأية أمة كانت بالاستقلال والارتقاء إلا عن طريق الوطنية. فلا استقلال بدون وطنية، ولا ارتقاء بدون استقلال.
الوطنية للسوري إسم لغير مسمّى، فهو لا يفقه للوطنية معنى سوى الوظائف. ولذلك تراه يوم يدعوه داعي الوطنية للقيام بالواجب الوطني قد اختبأ في زوايا البيوت، أو فرّ إلى محل آخر لينجو من الوطنية التي تطلب منه تقديـم نفسه ضحية على مذبحها. ولكن عندما يأتي يوم الانتخاب، تراه في مقدمة الوطنييـن وأول الـمجاهدين في سبيل الوطنية الغيورين عليها.
سرّ تقدم الشعوب هو الوطنية. وعدم وجود الوطنية هو سرّ تأخر وانحطاط الأمـم. فالأمة التي تطلب الاستقلال والتقدم، يجب أن يكون اعتمادها على الوطنية العامل الأساسي للرقي والاستقلال.
إذا أردنا معرفة مقدار الوطنية من أي أمة، فبالنظر إلى الـحالة التي هي عليها. وإذا أردنا معرفة مقدار ارتقاء أي أمة، وجب علينا أن ننظر إلى وطنيتها. فإذا وجّهنا جميعاً بأنظارنا إلى الأمة السورية، وراقبنا جميع حركاتها وسكناتها فماذا يتضح لنا؟
لا يســع النــاظر إلى الأمــة السـوريـة إلا أن يعتـرف بعدم تقـدمـها نحو الرقي والاستقلال لعدم وجود الوطنية فيها. الوطنية مفقودة من السورييـن وإن كان يوجد منها شيء فهو الوظائف كما ألـمعت إلى ذلك. والوظائف داء لا يريد السوريون أن يشفوا منه، كما أنّ الوطنية دواء لا يريدون استعماله. ومن كانت هذه حاله فعبثاً يرجى شفاؤه.
ما زالت الوطنية بعيدة عن الأمة السورية فالاستقلال أبعد جداً. وما زال داء الوظائف متفشياً كما هي الـحال الآن فلا يعود من أمل بالاستقلال، وتظل الأمة السـوريـة على ما هي عليه من التأخر والانحطاط، إلى أن تغرب شمس هذا الكون ولا تعود إلى الشروق.
أنطون سعاده