لا حاجة بنا إلى ذكر ما ينوء تـحته الوطن من الأحمال الثقيلة والضرائب الفادحة بفضل عناية فرنسة أُمِّ الـحرية والديـموقراطية، وصيّتنا التي لا تصرف من مالها فقط في سبيل راحتنا وإعدادنا للاستقلال بل من دم رجالها أيضاً كما أفادنا مندوبها السامي غورو. ولكن ما يستحق الذكر هو حالة الـخمول الـمستولية على الشعب. فإلى متى يظل عليها يا ترى؟ وإلى متى يلبث لسانه منعقداً عن الكلام؟ ولـماذا هذا الذهول وهذا الصمت؟ ألم يحن الوقت الذي يجب أن يسترد فيه الشعب إباءه؟
لا يأتي كتاب من الوطن إلا وفيه تفاصيل ضافية الذيول عما تأتيه الوصية من ضروب الاستبداد لتسلب حقوق الشعب الذي أخذت على نفسها الوصاية عليه. وأكثر هذه الكتب يُنشر على صفحات الـجرائد ليطّلع عليه الـمهاجرون لعل الـحميّة تستفزهم فينشطوا إلى مساعدة وطنهم بكل ما لديهم من القوى. ولكن حتى الآن لم نرَ ما يدلنا على أنّ هنالك نهضة حقيقية نتفاءل بها. وحتى الآن لم ينشأ سوى بعض أحزاب لـخدمة الوطن لم تتجاوز خِدَمها إلقاء الـخطب، وإرسال البرقيات الاحتجاجية إلى جمعية الأمـم، مـما لا يجدي نفعاً إذا لم تكن هنالك أعمال تنفيذية. وقد سبق الـمسيح فقال “ليس كـــل من يقــول يــا رب يـا رب يـدخـل مــلـكوت الســمــوات” [متى21:7]. وهكذا ليس كل من يرسل الاحتجاجات إلى جمعية الأمـم ينال الاستقلال، بل الذي يأتي أعمالاً ترغمها على الاعتراف باستقلاله.
إنّ الاحتجاجات إلى جمعية الأمـم لا تأتي بفائدة قط، كما صرَّحَت بذلك تلك الـجمعية نفسها من مدة قصيرة. وقد آن للشعب السوري أن يفقه بأن الاستقلال لا يأتيه عفواً، بل يتوقف على مقدرة الشعب في تـحرير نفسه ومقاومة من يريد له الاستعمار والاستعباد. فإذا كان للشعب مقدرة، وقَف في وجه الاستعمارييـن وقفة ثابتة وهبّ للمدافعة عن حقوقه بهمّة صادقة وعزيـمة لا تعرف الكلال، وضحّى في سبيل استقلاله بـماله.
إنّ الشعب السوري في الوطن يقاسي الذل والفقر والإهانة من الأوصياء الاستعمارييـن، وهو ينتظر معونة إخوانه في الـمهجر. أفنبخل عليه بها ونسجّل على أنفسنا محبة الذات والـخوف وخيانة الوطن؟ أنرى الوطن يشقى ونحن شاخصون إليه كأننا نحضر تـمثيل رواية محزنة في أحد الـمراسح؟ أنراه ونسمعه يستغيث بنا ثم نغمض أعيننا ونصم آذاننا عن نداه؟ أهكذا يقضي الواجب الوطني؟ أهذا ما ينتظره الوطن من أبنائه الغيورين؟ كلا وألف كلا، إنّ السوري لا يرضى عن الإهانة ولا يرضى بأن يسجِّل على نفسه خيانة وطنه، بل بالعكس هو غيور على الوطن ومحبّ للوطن. ولكن الغيرة والـحب لا يكفيان وليسا بالبرهان على ذلك، بل البرهان هو الأعمال التي يأتيها كل فرد تـجاه وطنه. فهذه آمال الوطن بأبنائه عسى أن يحقق الله الآمال وهو السميع الـمجيب.