1 - النجادة
وقف النائب محي الدين النصولي في جلسة المجلس النيابي اللبناني أمس الأول، يقترح إنشاء مؤسسة كشفية على أنقاض الفرق الطائفية المنحلّة. وتكون هذه المؤسسة الكشفية تحت إشراف الحكومة التي توجه الشباب توجيهاً قومياً صحيحاً، وتنشئهم نشأة تربوية وطنية صادقة.
ومحي الدين النصولي كان إلى عهد قريب ركناً قوياً من أركان «الكشاف المسلم» في لبنان. وعلى أكتاف هذا «الكشاف» قد بنى زعامة أوصلته إلى المجلس النيابي اللبناني.
ولحياة محي الدين النصولي الكشفية نهاية جديرة بالذكر، وهي أنّ محي الدين حلم في ليلة من الليالي بالمجد السياسي، فقرر أن يكون سياسياً.
وفي يوم من الأيام برزت جريدة بيروت إلى عالم الصحافة في لبنان حاملةً في رأسها اسم محي الدين النصولي إلى قرب «العروبة فوق الجميع». وللحال أدرك كل من تصفّحها أنّ بيروت جريدة طائفية أنشئت للدفاع عن مصالح الطائفة الإسلامية في حكومة لبنان «المسيحية».
وانخرط النصولي في سلك السياسة عن طريق العمل الصحفي الطائفي. وكان لانخراطه هذا أحد العوامل في إذكاء نار العصبية الدينية والرجعية في قلوب المسلمين، وكانت حوادث 15 نوفمبر/تشرين الثاني من السنة الماضية إحدى ضحاياها القومية..
واستمر النصولي في سياسته الطائفية، وحدثته نفسه على أثر انبثاق الحزب السوري القومي، بتأليف حزب طائفي سياسي يستعمله وسيلة للوصول إلى مطامحه في المجد السياسي. وكان النصولي آنذاك رئيساً لـ «الكشاف المسلم»، وكان «الكشاف المسلم» حركة متسعة يزداد عدد أعضائها يوماً بعد يوم، مما جعل المفوضية العليا توجس خيفة من اتساع هذه الحركة، فأصدرت قراراً يمنع فيه «الكشاف المسلم» من الاجتماع والاستعراض بدون إذن من الحكومة، ويقيد فيه الكشاف قيداً جعل نظام «الكشاف المسلم» يقتصر على عدم قبول الأعضاء الذين يتجاوز عمرهم العشرين سنة.
رأى محي الدين النصولي رئيس «الكشاف» أنّ الحركة الكشفية أصبحت ضعيفة، هزيلة بعد قرار المفوض السامي. فشق عليه ذلك، وقطع الأمل من استعمال «الكشاف» الحاضر مدرجاً من مدارج المجد.
وفجأة، انفرجت الأزمة، وانقشع الضباب من سماء الأمل. ها هو عبدالله دبوس القائد الكشفي يخترع فكرة صفق لها محي الدين تصفيقاً نفخ صدره بالأمل الباسم. فقد فكر عبدالله دبوس بالاشتراك مع بعض رفاقه الكشفيين بإنشاء «النجادة»، و«النجادة» هذه في الأساس حركة كشفية تضم الكشاف المتدرج إلى سن العشرين، وفوق سن العشرين يصبح نجاداً أي كشافاً كبيراً. وقد نص القانون الداخلي بأنه لا يجوز الانخراط في سلك «النجادة» إلا للكشاف المندوب في فرقة الكشاف الصغير.
قابلت هذه الفكرة ارتياحاً تاماً من قواد «الكشاف المسلم» جميعاً، وشرعوا بتطبيقها فانتخبوا محي الدين النصولي رئيساً لـ «النجادة».
تسلم النصولي رئاسة «النجادة»، فرأى فيها حركة يمكن استغلالها في برنامجه السياسي، فقرر بينه وبين نفسه تحويل «النجادة» من حركة كشفية رياضية بحتة إلى حركة سياسية طائفية متلبسة بلباس كشفي رياضي.
ونجح النصولي في هذا التحويل، وصارت «النجادة» حزباً سياسياً طائفياً على غرار «الوحدة اللبنانية» و«الكتائب»، وباتت هذه الأحزاب الطائفية الثلاثة خطراً على مصلحة البلاد ووحدتها، وسبباً في تقوية العصبيات الطائفية الهدامة، مما حمل الحكومة اللبنانية إلى إصدار مرسوم بحل هذه الأحزاب حلاً نهائياً.
وأما محي الدين النصولي فقد أصبح نائباً على أكتاف الطائفية، وجريدة بيروت، و«النجادة»، والائتلاف، وأشياء أخر.
واليوم يقف محي الدين يطالب في المجلس النيابي بتأليف مؤسسة كشفية تضم شباب لبنان وتوجهه توجيهاً قومياً، كما طالب المطران مبارك بتأليف حزب جـديد منذ حين، ولا نعلم كيـف توجـه المؤسسـة الكشفيـة الرياضيـة الشبـاب توجيهاً قوميـاً، إلا إذا كان يطمح النـائب محي الدين بأن يترأسهـا ويمثـل بها الـدور الذي لعبـه على مسرح «النجـادة»، فيقلب المؤسسـة الكشفيـة التي يطالب بها إلى مؤسسـة سياسيـة ليستثمرها في سبيـل ما حلـم به من المجـد السيـاسـي.
... والظروف تلد العجائب...
2 - الوحدة اللبنانية
البارحة، في جلسة البرلمان، هفا النائب توفيق عواد رئيس «الوحدة اللبنانية»، هفوة كبيرة دلت على أنّ الرجل غير لبق في تصريحاته وأقواله. فقد صرّح على مسمع من الناس ومن نواب البلاد في معرض دفاعه عن الأحزاب التي حَلّتها الحكومة فقال:
«إنّ حزب الوحدة قام ليناوىء امتداد النهضة القومية في البلاد، التي بعثها ظهور الحزب السوري القومي، الذي كان ينظم عدداً كبيراً من الشباب، حتى في المناطق اللبنانية الصرفة، ومنعاً لهذا الاتجاه تأسس حزب الوحدة اللبنانية ثم تبعته الأحزاب الأخرى.»
نحن كنا نعلم قبل أن يصرّح رئيس «الوحدة اللبنانية»، أنّ «الوحدة اللبنانية» قامت لتحارب النهضة الجديدة في البلاد، وأن هدفها الأول والأخير هو محاربة الشباب في عمله التعميري والقومي.
إنّ السيد عواد لم يفضح سراً حين صرّح بما صرّح، ولكنه كان سياسياً ضيقاً تنقصه اللباقة في التصريح، فبدلاً من أن يستميل الرأي العام ليعطف على حزبه المحلول، جاء بهذا التصريح الذي يزيد في قرف الناس واشمئزازهم.
الوحدة مارونية - كان الأحرى بحزب «الوحدة اللبنانية» لو أطلق عليه خالقوه، اسم «حزب الوحدة المارونية» فهو ماروني بحت، تلمس مارونيته في تعصب شبابه وفي إشاراته الخاصة وفي المصادر الإكليريكية التي كان يستمد منها نفوذه. إنّ هذه المصادر كانت كلها مارونية دينية، ولا قيمة لما يقال من أنّ الحكومة كانت تعطف عليه بشخص رئيسها المسلم، فالحكومة نفسها لم تكن مخيّرة في كل الأوقات في عطفها عليه. ناهيك أنّ عناصره كانت مسيحية مارونية فيها قسم ضئيل جداً من الشباب المسيحي الأرثوذكسي في قرية واحدة من قرى الكورة - فالكورة التي يبـلغ عدد سكانها الأربعين ألفاً، كان يملك حـزب الوحدة فيها بضعـة من الأعضـاء كلهم في قريـة كوسبـا.
ومتى علمت أنّ طرابلس المدينة اللبنانية الكبيرة التي تضم أكثر من 50 ألف نسمة ليس فيها عضو واحد من حزب الوحدة اللبنانية، وأنها كانت كلها ناقمة على هذا الحزب ومؤسسه والعاطفين عليه، وكذلك صيدا وجبل عامل. متى علمت ذلك، تكون لديك فكرة عن اتجاه هذا الحزب.
أعضاؤه - إنّ الأوساط التي امتد فيها حزب الوحدة اللبنانية في بادىء الأمر، كانت كما ألمعنا كلها مارونية ضيقة في لبنانيتها، وهي تقول إنّ لبنان قام على جماجم الأحبار والبطاركة، وسيظل لبنان للأحبار والبطاركة. وقام عماله يروّجون له الدعوة عن طريق الطائفية أولاً، وعن طريق «البهورة» ثانياً، بإلباس الشباب «القميص الأبيض» وبحملهم السلاح على مرأى من رجال الأمن.
ومعظم شباب «الوحدة اللبنانية» كانوا إما جماعات لا ثقافة عندها، انضمـت إلى الحزب لتلبس القميص، وتحمل المسدس، وتتبهور على النـاس، وإما جماعـات عنـدها شيء من الثقافـة ولكنهـا ضيقة محدودة تعيش في وسط طـائفي بحـت وتعمـل للطائفيـة البحتـة.
كان أعضاء «الوحدة اللبنانية» في المناطق يتبهورون على الناس بأنهم يحملون المسدس على مرأى من الجند دون أن يتجرأ الجند على ملاحقتهم، لأنهم فوق القانون.
وفي كل المناطق التي كان يعيش فيها حزب الوحدة اللبنانية، كانت تكثر القلاقل والفتن. وهذه حادثة شكا المشهورة، فمن يوم دخل حزب الوحدة اللبنانية إلى شكا بدأت القلاقل تقع في هذه القرية المطمئنة.
وحزب أعضاؤه خليط من جميع الأجناس من ابن 10 إلى ابن 80 سنة، من الكاهن إلى الشيوعي، إنّ حزباً هذه هي أعضاؤه، وهذه عقليتهم هو حزب كُتِبَ له الموت من يوم ولادته.
رئيس الوحدة اللبنانية - من عائلة إقطاعية في شمالي لبنان تتوارث المشيخة أباً عن جد، يدعمها نفوذ إكليريكي ماروني تستمده من قصر الديمان في الصيف، ومن بكركي في الشتاء. وهي على اتصال دائم بأرباب هذين القصرين، فمن الضروري تقريباً وجود أحد أفراد العائلة في السلك الإكليريكي ليدعم بوجوده نفوذ العائلة. وعميد العائلة، اليوم، هو سيادة المطران بولس عواد عم السيد توفيق عواد.
في هذا الجو الإكليريكي العابق بالبخور، وبين قصري الديمان وبكركي وتحت رعاية أصحاب السيادة وأصحاب الغبطة نشأ السيد توفيق عواد، ومن نفوذ عائلته الإكليريكي ومن وساطة صاحب الغبطة