لماذا يخطّئون الحكومة في حلها المؤسسات العسكرية في لبنان؟
ألأنها لم تكن ترى في الأمس القريب ضرراً على البلاد في وجودها؟
ألأنها كانت فيما مضى تعطف على البعض منها وتشجعه في كثير من أعماله؟
أم لأن هـذه الأحـزاب تصطبـغ كلهـا بالصبغـة الطائفيـة وتعتنـق الفكرة الضيقـة، ووراءها من يؤيدها في فكرتها، ويساعدها على النمو لغايات لا تخفى على كل ذي بصيرة؟
يريد البعض من الحكومة لو تريثت في قرارها، لأن هذا البعض يرى في الكتائب اللبنانية مثلاً، وفي النجادة فكرة رياضية بحتة يجب أن يشجعها القائمون على الأمر لأن في تشجيعها ضماناً للشباب من خطر التهور في مزالق المجتمع الحالي.
ونحن نقول لهذا البعض إنه على ضلال، فما كانت الكتائب اللبنانية ولا النجادة ولا الوحدة إلا فِرَقاً طائفية كانت تناحر النهضة القومية وتناحر بعضها البعض.
لقد قامت كلها وهي لا تمثّل فكرة صحيحة ولا تحمل إلى الناس رأياً، فلا برامج سياسية ولا اجتماعية ولا اقتصادية عندها، وكل ما في الأمر أنّ هنالك عناصر رجعية إكليريكية وإقطاعية أرجف أعصابها امتداد النهضة الجبارة القائلة «بفصل الدين عن الدولة» و«بإلغاء الإقطاع» فجاءت صنائعها تحارب بهم امتداد هذه النهضة.
لقد كان بإمكان الحكومة، أن تستخدم هذه الفِرَق - وهي صنيعة يديها ـ لتأييد نفوذها حينما تدعو الحاجة إلى ذلك، ولكن الحكومات رأت أنّ وجود هذه الفِرَق لا يتفق والمصلحة العامة، فهي تدعو إلى الطائفية الضيقة؛ ومصيبة الأمة كانت ولا تزال من الطائفية. ورأت بعضها يتاجر بالرياضة ويتخذ منها ستاراً يخفي وراءه كثيراً من الأسرار والشبهات.
ولقد رأيناها جميعها تظهر في كل مناسبة بمظهر المتعصب الطائفي، فمن حوادث 15 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي التي قامت بها الوحدة اللبنانية إلى الحوادث التي قام بها شبان الكتائب في جميع الجهات، إلى مظاهرة شبان النجادة في عيد المولد النبوي في العام الماضي تحدياً لاستقبال البطريرك الماروني الذي قامت به السلطتان قبل سفره إلى أوروبة من العام نفسه، ولـمّا كانت الحكومة هي المسؤولة رأساً عن جميع هذه الحوادث وعما يصيب البلاد من تجزُّؤ وتفكك في المبادىء والغايات، كان لزاماً في عنقها أن تحلّ جميع هذه المؤسسات، ولو لم تفعل لكانت مجرمة أمام التاريخ.
لقد جاء حل الحكومة في حينه، لأن بوادر النهضة القومية التي جاءت تضع حداً لفوضى الطائفية الممقوتة، برهنت للرأي العام وللقائمين على شؤون البلاد أنّ الأمة بحاجة إلى من يفهم حاجاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وليست بحاجة إلى هذه النِحَل البغيضة على القلوب. والنهضة التي تحمل رسالة الفكر الجديد ورسالة الحق والمبدأ، ستدرس هذه الأحزاب في أعدادها الآتية درساً علمياً جريئاً.