ليس العمال عبارة عن مواد بشرية تتحرك بصورة آلية لغرض واحد هو تتميم العمل، بل هم أفراد من مجتمعهم الذي يحيون فيه ويقاسمون أبناء مجتمعهم مزايا البيئة ومواهب الشعب، ويحملون معهم البلايا النائبة والمصائب الحالّة، ويأخذون من أفراح الأمة ويعطون. فالعمال في الأساس قوميون يحدث لهم ما يحدث لأبناء قومهم من تذوّق طمع الأجنبي وتُستهدف مصالحهم الاجتماعية الفرعية للأخطار عينها التي تُستهدف لها المصالح القومية الأساسية، فهم وأبناء قومهم متّحدون في مصير واحد هو مصير الأمة.
أما أنّ العمال مواد بشرية تتحرك بصورة آلية مجرّدة من كل تضامن قومي ومن كل إدراك للمصلحة القومية، ومن الشعور مع أبناء قومهم بما يسامون، ومن الإحساس بحياة مجتمعهم وحاجاته وعلاقاته، فهو وجهة النظر التي تتبناها الشيوعية السياسية الإنترناسيونية. فالعمال يجب عليهم أن ينسوا كل رابطة وكل علاقة اجتماعية وألا يروا إلا مسألة العمل وعلاقته بالصناعي وإلا مسألة حاجة العامل بالنسبة إلى الصناعي، أما حاجة مجتمعه بالنسبة إلى متطلبات الارتقاء وإلى المجتمعات الأخرى فالعامل يجب أن يكون غريباً عنها غرابة الآلة الصماء.
الحقيقة أنه لا قيمة مطلقاً لمسألة عمال مجرّدين من القومية. فقضية العالم الاقتصادية ليست قضية عمال وصناعيين رأسماليين، بل قضية إيجاد النظام السياسي الاقتصادي العالمي الذي يؤمّن طريقة استثمار الثروة الطبيعية الكامنة في المعادن والمواد الأولية، ويوزع على الناس العمل المنتج والثروة المنتجة من غير أن يكون لمجتمع حق في ادعاء أنّ الثروة الطبيعية الكامنة في بيئته الطبيعية تخصه أكثر مما تخص جميع البشر الداخلين في هذا النظام. وبدون الوصول إلى هذا الحل العام تبقى المسألة الاقتصادية الكبرى مسألة الأمم والقوميات لا مسألة العمال والطبقات.
إنّ هنالك خطراً كبيراً على الأمة السورية في صرف العمال السوريين عن القومية التي تتضمن مصلحة مجتمعهم إلى قبول التوجيهات اللاقومية التي ترسل إليهم من إنترناسيونيّي موسكو أو من أي مركز آخر لحركات العمال أو الشيوعية. أما مسألة إنصافهم باعتبارهم شركاء في الإنتاج القومي فهي من المسائل القومية التي تجد حلها في المبادىء القومية الحقيقية.
إنّ الأمم المحتسبة، أي الكافية نفسها من مواردها الطبيعية الخاصة كروسية، تعالج المسائل الاقتصادية على أساس النظرة المستمدة من طبيعة البيئة، النظرة القومية.
ولكن الأمم التي رفعت مستوى معيشتها إلى درجة عالية من الرفاهية من جراء استيلائها على موارد طبيعية في أرض لا تخصها تعالج المسائل بغير هذه النظرة.
والأمم التي لا تجد في طبيعة أرضها الموارد الطبيعية الكافية لترقية معيشتها تحتاج إلى أن يكون لها نظرة تختلف عن النظرتين المتقدمتين.
الأمر الذي لا ريب فيه هو أنه لا بد للعالم من أن يجد نظاماً سياسياً اقتصادياً موحداً يوزع العمل والإنتاج ويشرك الجميع في الرأسمال الطبيعي أو الثروة الطبيعية.
ولكن إيجاد هذا النظام يشكل قضية سياسية شديدة التعقد لكثرة المصالح المتضاربة الداخلة فيها. فإن هناك مجتمعات تتمكن اليوم من التمتع بمستوى عال جداً من المعيشة ومن اكتناز مقادير كبيرة من الثروة لا تجد مبرراً للتنازل عن الموارد التي تؤمّن هذا المستوى العالي من المعيشة، واشتراكها في بحث القصد منه إيجاد نظام عام إنساني لتوزيع العمل والإنتاج وموارد الثروة يكون خاضعاً للتقيد بالمصلحة المستمدة من الحالة الراهنة.
ومتى قلنا إيجاد نظام سياسي اقتصادي للعالم فلا بد من التحفظ جداً في استعمال مثل هذا التعبير. لأن قارة أفريقية تكون مشكلاً من هذا القبيل، وكذلك بقاع أخرى في آسية.
الحق أنّ مسألة تنظيم الاقتصاد على أساس الإنتاج ضمن الأمة هو الحل الوحيد لقضية العمال من غير أن يكون هنالك داعٍ لتضحية الأمة لمصلحة أمم أخرى.
إذن يكون على العمال في سورية أن يكونوا قوميين وأن يجدوا مصلحتهم ضمن المصلحة القومية فيساهموا في العمل القومي الذي يؤمّن هذه المصلحة، ويؤيدوا المبادىء القومية التي تنظر في مصالحهم.