منذ أيام أعلنت البرقيات اتجاهاً جديداً من قبل بريطانية فيما يتعلق بالقضية الإسبانية والمتحاربين القوميين والحمر. فإن بريطانية قررت إرسال معتمدين رسميين لدى حكومة سلمنكة التي تمثّل إدارة القوميين.
وقد جاء في التعليق على هذه البادرة السياسية أنّ هذا التدبير لا يتضمن الاعتراف بحكومة سلمنكة ولا يرمي إلا إلى تأمين مصالح البريطانيين في المنطقة القومية من إسبانية. وجاء في تعليق الجبهة الفرنسية على هذه الخطوة أنّ الفرنسيين يفهمون جيداً الدوافع التي دفعت بريطانية إلى هذا التدبير وأنّ فرنسة لا ترى فيه أي خروج على السياسة المتفق عليها.
مهما يكن من الأقوال المتضاربة أو المتعارضة حول النهج البريطاني الجديد فيما يتعلق بعلاقاتها مع إسبانية، فإنه يكون بلا مشاحة أمراً هاماً في العلاقات الإنترناسيونية. فهو يوجِد لبريطانية علاقات مباشرة مع القوميين الإسبان مع احتفاظها بخط الرجعة بعدم الاعتراف بحكومة القائد فرنكو، وهو من أساليب السياسة البريطانية المرنة.
وإذا كانت هذه الخطوة ليست منافية للتفاهم البريطاني - الفرنسي في صدد المسألة الإسبانية أو القضايا الأوروبية إجمالاً، فهي بدون أقلّ ريب معارضة للموقف الذي كانت تود فرنسة أن تقفه.
والمطّلع المتتبع الحوادث يتمكن من اكتشاف نقاط تفصيلية لا تجتمع عليها السياستان البريطانية والفرنسية اجتماعاً ثابتاً. ففي لجنة عدم التدخل لم تقف بريطانية موقفاً كلياً في جانب المقترحات الفرنسية. فلم يكن بين هاتين الدولتين التضامن الظاهر بين إيطالية وألمانية. وبعد استيلاء القوميين على جيجون تعارضت وجهتا نظر الصحافة البريطانية والصحافة الفرنسية. فبينا الوجهة الفرنسية كانت تميل إلى التصغير من خطورة الانتصار القومي وتجد فيه عاملاً على تقوية جبهة الحمر، كانت الوجهة البريطانية تقول بأن انتصار قوات الوطنيين في جيجون سيسمح لهذه القوات بالتسلط على مدريد وتوجيه الضربة القاضية إلى القوات الحمراء الباقية.
الحقيقة أنّ موقف بريطانية قد أربك السياسة الفرنسية الداخلية ووضع فرنسة تجاه أمر واقع لا مفر لها من معالجته. فهي إما أن تحتذي حذو بريطانية فتتصل بالحكومة القومية، بواسطة معتمدين رسميين لكي لا تبقى منعزلة في هذا المجال السياسي الجديد، وهذا يعني حبوط خطط الجبهة الشعبية في السياسة الإنترناسيونية، وإما أن تبقى مصرّة على تجاهل أمر القوة السياسية القومية في إسبانية، وفي هذا الموقف إبقاء على وحدة العناصر التي تتألف منها الجبهة الشعبية، ولكن فيه أيضاً خسارة سياسية محتملة، خصوصاً إذا تم النصر النهائي للقوات القومية.
وإنّ الخطة السياسية عينها التي تنتهجها بريطانية في إسبانية تسير عليها في الشرق الأدنى فيما يتعلق بتركية. فإن بريطانية قد جارت الأتراك إلى أبعد مما هو في مصلحة فرنسة بلوغه. وأصبح على فرنسة أن تولد في هذه الجهة من العالم موقفاً سياسياً جديداً يساعدها على الاحتفاظ بما يجب أن يبقى سياسة خاصة بها. ونعتقد أنّ فرنسة يمكنها خلق هذا الموقف في سورية وهو موقف لا يكلّفها إيجاده سوى قليل من الجرأة السياسية والاهتمام الجدي.
تقف الآن أحزاب الجبهة الشعبية الرئيسية موقفاً متردداً في صدد خطوة بريطانية الجديدة في إسبانية. أما أحزاب اليمين فهي فرحة بهذا الموقف الجديد الذي يفسح لها مجال الحملة على أحزاب اليسار.
الموقف سياسي حرج وموجبات السياسة هي غير موجبات العقائد والنظريات الاجتماعية والاقتصادية البحتة.