رفيقي العزيز كامل،
وردني هذا الصباح كتابك الـمؤرخ في 30 يناير/كانون الثاني الـماضي، فسررت جداً بالتأثير الـجيد الذي كان لفرصة الراحة والنزهة عليك ولعودتك نشيطاً معافى لـمتابعة العمل للحياة الـجديدة.
تقول في كتابك إنه ساءك ما ورد في العدد من سوريـة الـجديـدة في أخبـار الأرجنتيـن، فلـم أستغـرب ذلـك كثيـراً من الوجهـة التقديريـة، ولـن أستغـرب الأفكـار التي تولـدت لـك من جراء اطلاعـك على الأخبـار الـمذكـورة والتي أوردتهـا تـحـت عنـوان «ملاحظـات» وافقـك عليهـا الرفيـق نـجيـب [العسـراوي]. وإنـمـا استغربـت وضعـك هـذه «الـملاحظـات» بهـذا الشكـل الـجـازم الـذي لا يـدل على أنـك تشـعر وتأخذ بعيـن الاعتبار أنّ الزعيم لا بدّ أن يكون عارفاً بهذه الأمور ومقدراً هذه الاعتبـارات وأنّ نظره في هذه الـمسائل، كما في غيرها، بعيد، وأنّ نوع الأسباب التي يبني عليهـا تدابيره تختلف كل الاختلاف عن نوع الأسباب التي يبني عليهـا كثيـرون آراءهم، ويجـب ألا يغرب عن البال أنّ الزعيم نـجح كل النجاح في جميع الـخطـط والأعمـال التي حكـم عليهـا غيـره بالفشـل.
إني كنت عالـماً بأنّ ما سينشر في العدد الـمذكور فوق سيسبب استغراب كثيرين من الرفقاء ومن غيرهم، ولست أنت أول من أخذه الاستياء من جراء ما نشر [....] وكم من الـحركات الفاصلة في لعبة الشطرنـج سبّبت في البدء استغراب الكثير من الـمراقبيـن الذين يعرفون اللعبة وأدهشهم، فعدّوها غلطاً فاحشاً أو خسارة وقت أو دليلاً على عدم إدراك حقيقة الـموقف وعوامل القضية إدراكاً جلياً فلا يـمضي وقت على سياق التطور حتى يظهر جلياً أنّ هذه الـحركة أو الـحركات هي التي أنقذت الـموقف وحلَّت القضية أو ساعدت على حلها وكانت أهم الـحركات التي أوجبت ربح الدق.
وملاحظاتي على ملاحظاتك هي كما يلي:
أولاً - لو لم يكن هنالك داع قد تـجهله ويجهله الرفيق نـجيب، للحملة على «البنك السوري اللبناني» لـما كانت حدثت «الـحملة»(1). وهذه الهزة الصغيرة التي لا تزال بعيدة كل البعد عن أن تكون حملة لم تـجرِ عن جهل بـمركز البنك والـمصالح التي تربط الـمواطنيـن به، ولا عن جهل أو استهتار بالفوائد والأضرار الـمحتملة أو الـمقدرة.
ثانياً - إنّ كل انتقاد يحتمل أن يوجهه إلينا الـخصوم بسبب ذكر انسحاب راغب كيتلون وانسحاب بعض أعضاء مجلس توكومان يـمكن تعطيله حال اطلاعنا على نوعه وشكله. وأما قولك «وعلينا تـجنب ذلك» فلا أدرك إذا كنت تقصد به علينا كلنا أو عليكم أنتم في توكومان تـجنّب الانتقادات. فإذا كان الأول فيمكن حسبانه في غير محله ولا يـمكن اعتباره إلا من حيث هو تقديـم رأي شخصي، مع إغفال وجهة الإلزام الذي يوجبه شكل العبارة.
وإذا كان الثاني فهو تقدير سريع يحسن إعادة النظر فيه.
وقد يكون الأفضل أن تدرسوا الوضعية، بناءً على الواقع، في جلسة لهيئة الـمديرية وترسلوا إليّ بياناً بنوع التأثيرات التي أحدثها نشر تلك الأخبار وتفاصيلها وحقيقة الانتقادات الـموجهة بناءً على نشر الأخبار، مع التقديرات للفوائد والأضرار التي يـمكن أن تـحدث ضمن نطاق منطقة الـمديرية ليتسنى لي النظر في أشياء حقيقية واقعية وإعطاؤكم التوجيهات التي تـمكنكم من التغلب على كل صعوبة وتلافي كل نتيجة غير مستحسنة. كل الـمعارك تشتمل على مبدأ التعرض للأخطار. والنصر لا يكون بتجنب الأخطار، بل بغلبتها.
وأما قولك إنه «يلحقك إحراج لـمركزك تـجاه الأعضاء بعد اقتناعك برأيي القائل بعدم قطع العلاقة» فضمن الـمنظمة القومية لا يكون لأحد مركز تـجاه الأعضاء أو تـجاه غيرهم من الناس، ولا يكون للقومي غير مركز واحد هو مركزه تـجاه زعيمه والـمراجع العليا، ومتى كان مركزه تـجاه زعيمه محفوظاً كان محفوظاً أيضاً تـجاه الأعضاء العامليـن بإرادة الزعيم. وفي قولك الـمتقدم شيء غير واضح لي، خصوصاً إشارتك إلى رأيي إليك «بعدم قطع العلاقة» فالذي أذكره جيداً هو أني اجتمعت بك أخيراً قبيل سفري من توكومان وبحثت معك موقفك من إدارة البنك في توكومان وأهمية وجودك أو عدمها وتبدّى لي، بناءً على استيضاحي إياك، أنه لا فائدة عمومية تستأهل عناء وجودك في الإدارة، وأنّ هذه الـمسألة لم تعد هامّة في نظري لانعدام إمكانيات الفائدة العملية الواسعة منها.
وقد أكون، مع ذلك، أشرت عليك بعدم قطع كل علاقة من باب الاحتياط للمستقبل، ولست أدري إلى أي حدّ ترجمت إشارتي هذه. والـحقيقة أني استغربت أن أعرف أنّ السيد موسى عزيزة عرف بعودتك إلى العمل في البنك وإعادتك الصلات القديـمة، وأنا حتى الآن لا أعرف شيئاً منك عن الـمسلك الذي قررت سلوكه في مسألة البنك، مع أنك تعلم اهتمامي بهذه الناحية التي لها علاقة بالـخطة العامة في الأرجنتيـن. وكان الواجب يقضي عليك بإطلاعي على خطواتك الـجديدة في هذه النواحي ليكون كل موقف جلياً أمامي. ومن الأمور التي يجب أن تكون واضحة لك هو أنه في عداد الأمور التي أجهلها: الضرب بتخت الرمل.
ثالثاً - لم تنشر أسماء الرفيقات في بوينُس آيرس، بل نشر «بعض أسمائهن» أي أسماء الرفيقات اللواتي يشكّلن محور جميع الـحركات النسائية في الأرجنتيـن. ولا بأس ألا تـجد ذلك صواباً. أما الوعد بنشر أسماء بعض الرفيقات في توكومان فيمكن أن يحقق بعد أن يحصل مكتب الزعيم على الأسباب الكافية.
رابعاً - [موسى] عزيزة: لا نكران في أنه، مع كل دهائه وجميع نياته ومناوراته، تـمكنت من استخدامه لـمصلحة القضية في حيـن كان يرمي هو إلى استخدامي لـمصلحته الـخصوصية. وكن على ثقة من أني لا أنبذه مرة إلا ساعة أجد أنّ مصلحة القضية تقضي بذلك. أما مراسل سورية الـجديدة فلا حاجة للإيعاز إليه بالتأني، لأنّ تأنيه لا مزيد عليه. ويحسن أن تعلم أنّ عزيزة لم يقدم على فعل شيء من تلقاء نفسه، ولم يكن ما قام به سوى نتيجة وضعي إياه في مكان من خطتي.
وما كانت إشارتي إليك بعدم قطع كل علاقة إلا بناءً على حساب متعلق بخطتي السياسية. وفي الأخير أقول إنّ اعتقاد القومييـن الراسخ بأنّ الزعيم يفعل دائماً ما تقضي به مصلحة القضية، وبأنّ في تأييد موقف الزعيم وتنفيذ جميع تدابيره مصلحة القضية هو مبدأ أساسي من مبادىء الـجهاد القومي. ولست أدري إذا كنت فكرت جيداً في نتائج تفكيرك هذا في إدارة الزعيم وإشراكك رفيقاً آخراً ورفقاء آخرين عليك وعلى الرفقاء الـمشتركيـن وعلى الروحية العامة التي يتلمسها مجموع الرفقاء في رؤسائه الذين يأخذ منهم القدوة.
كنت أرتقب وقت تـمكنك من الـمجيء إلى بوينُس آيرس لأني أقدّر أهمية تفكيرك العملي، وأحب إشراكك في درس بعض الأمور والتدابير التي تـمكنك من الاطلاع على شؤون ووجوه نظر هامّة، ومن الدخول شيئاً فشيئاً تـحت ظواهر الأمور.
وإني مسرور جداً بشيء أساسي فيك هو اهتمامك الـجدي بكل أمر له علاقة بـموقف من الـمواقف التي تـجد لك معرفة بها، أو رأياً فيها، أو تعتقد أنّ لها مساساً بالقضية، وهذا يدل على سهرك. وهنالك شيء آخر أساسي فيك هو نوع تفكيرك العملي الـممتاز. فلا تعتقد أني استأت من «ملاحظاتك»، كلا بل إني قد سررت بها من هذه الناحية، وإنـما رأيت الإجابة عليها كما يليق بالزعيم ولكي لا نكسب مسائلنا النظامية صفة شخصية.
كتبت إلى الرفيق جبران [مسوح] منذ بضعة أيام وكلفته سؤالك القدوم معه وسؤال الرفيق نـجيب أيضاً القدوم في أواخر هذا الشهر لدرس عدة مسائل جوهرية والاشتراك في تبادل الآراء حول بعض الـمشاريع وتقليب بعض وجوه الـموقف. وإني أرى هذا الأمر ضرورياً ولا تغني عنه الرسائل، التي تأتي متأخرة ولا تعطي النتيجة الكلية التي يعطيها الدرس الـمشترك. وقد أخبرت جبران أنّ سفري إلى سانتياغو تلبية لدعوتها يرجّح أن يكون بعد أول مارس/آذار، أي بعد الفراغ من عدة مشاريع. ومن ثم أزور التوكومان أيضاً، ولكن زيارتي توكومان لا تغني عن اجتماعنا مع بعض الرفقاء الآخرين، فيكون لنا شبه مؤتـمر صغير أي لـجنة تدرس مسائل هامّة عامة.
كتبت إلى جبران أيضاً في مسألة ما ذكرت لي من حدوث بعض مخالفات، وفي كتابه الأخير إليّ يقول إنه اجتمع بك ورأى أنها «مسائل طفيفة»، فأجبته أنها قد تكون طفيفة في حد ذاتها ولكنها بالنسبة إلى النظام لا تكون كذلك. فليس تـجاه النظام مسائل طفيفة ومسائل غير طفيفة.
وبهذه الـمناسبة أجيبك على رأيك في تقديـم استقالتك، أنه لا وجه لهذه الـخطوة، والصواب هو رفع تقرير بـما حدث ليصير وضع كل شيء في محله، خصوصاً في هذا الـمبدأ التأسيسي، والقاعدة التي أسير عليها وأطلب من جميع الـمسؤوليـن التقيد بها هي: عدم الاستهتار بشيء من هذه «الـمسائل الطفيفة».
في ما يختص بـمديرية السيدات يـمكن الـمرشحات مباشرة أعمالهن بصورة شبه رسمية إلى أن يرد القرار الـمثبت لهن رسمياً.
أود أن تكون والعائلة براحة وهناء، ودائماً بالصورة الـجميلة التي أحملها في نفسي. سلامي لك ولها وللرفقاء. ولتحيى سورية.
(1) مقالة «حول محاضرة الزعيم». سورية الـجديدة، العدد 46، 6/1/1940.