منذ أيام أذاع أفراد القائمة الانتخابية التي أطلقت على نفسها اسم «اللائحة الشعبية» بياناً حملوا فيه على «قائمة الائتلاف» وعلى ما سمّوه «الانتخاب المزيف» وأعلنوا أنهم قرروا «الاستمرار في العمل المشترك باسم «الكتلة الوطنية».»
لا نريد هنا أن نعرض لـ «قائمة الائتلاف» وكتلتيْ الحكم، فقد قلنا رأينا فيها في أعداد سابقة. ولا «للانتخاب المزيف» فليس هو المقصود من هذه العجالة، بل لهذه «الكتلة الوطنية» التي انبثقت من الأغراض الخاصة في بلوغ النيابة والحكم.
قامت هذه «الكتلة الوطنية» على أنقاض «اللائحة الشعبية» التي تشكلت من المتساقطين على جانبي «الائتلاف». وهي تصرّح الآن باسم تجمّعها «لقد خضنا المعركة مدفوعين بعامل الإخلاص لهذا الوطن»، وفي هذا القول مجال واسع للتحقيق في المقصود من هذا «الإخلاص».
كل الذين رشّحوا أنفسهم للنيابة من حكوميين ومعارضين وشعبيين تقدموا «مدفوعين بعامل الإخلاص لهذا الوطن»، ومن بين جميع المرشحين لم يتميز مرشح واحد بزيادة في «إخلاصه» على إخلاص زميله. وهذا الإخلاص المتعادل دفع الجميع إلى التشبث بالموقف الانتخابي ولا تشبث الغريق بخشبة طافية.
بين الذين تقدموا «للإخلاص لهذا الوطن» في «الكتلة الوطنية» من كان تقدمهم من باب الصدفة. فإن ترجرج «اللائحة الشعبية» التي لم تكن سوى لائحة مناسبة أسقط منها بعض المخلصين المؤسسين فيها وجلب إليها مخلصين جدد. وهو من باب المناسبات الانتخابية فقط أنّ بعضهم تمكنوا من الحصول على شرف هذا «الإخلاص» الذي ولد هذه «الكتلة». ولو أنّ قائمة «الائتلاف» رضيت بإدخال بعض هؤلاء «المخلصين» في صلبها بدلاً من بعض من فيها لكان إخلاص هذا البعض «للانتخاب المزيف» إخلاصاً يعادل، على أقلّ تعديل، إخلاصه «للكتلة الوطنية». والمعروف عن بعض هؤلاء «المخلصين» الذين كانوا يعدّون أنفسهم حكوميين، باعتبار أنهم داخلون في لائحة الحكومة قبل الائتلاف، أنهم كانوا من أشد أنصار الأساليب الحكومية التي ينعتونها الآن «بالتزييف».
ولا نريد أن نبحث أهلية هؤلاء «المخلصين» للاضطلاع بأعباء الإخلاص الذي يدّعونه. ولكننا نقول إنّ هذا الإخلاص المتولد من المناسبات ليس بالإخلاص الذي يحتاج إليه الشعب.
إنّ الشعب يريد الإخلاص المنبثق عن فهم عميق ثابت لنفسيته وحاجاته الأساسية والأخيرة، وهو الإخلاص الذي يظهر في إدراك مبادىء حياته القومية والتقيد بها تقيداً شديداً يوجب سلوك طريق مستقيمة واضحة يتجرّد فيها المرء عن منافعه الخاصة التي توجد هوة سحيقة بينه وبين العمل للمصالح القومية. أما هذا اللباس البراق الذي يغري الشعب فالإخلاص فيه قلّما يفيد الشعب في حاجة أو مصلحة.
ذكرنا في عدد سابق من النهضة أن لا قيمة للبرامج الموضوعة في مناسبات خاصة بغية الوصول إلى غرض خاص. وهذه «الكتلة الوطنية» هي كتلك البرامج التي وُضعت لاستمالة الشعب بمناسبة الانتخاب. فهي ليست قائمة على مبادىء واضحة جمعت أفرادها في كتلة واحدة، وإنما تقوم على رغبتهم في الاحتفاظ بشكل ظاهر يبقي لهم مجالاً للتدخل في الشؤون العامة بصورة مجموعية (Collective) يكون لها تجاه الرأي العام اعتبار.
هذا متابعة للأساليب القديمة التي لا تزال تعرقل سير الشعب نحو أهدافه الكبرى وتقف حواجز في سبيل أخذه بالمبادىء القومية الصحيحة.
إنّ هذا من المساعي السقيمة التي لا تنفع الشعب ولا تقيم مصلحة للأمة.