أقلق حشد القوات الإيطالية في ليبية الدوائر المصرية وجعل البريطانيين يحسبون للطوارىء. أما فرنسة فقد أعارته اهتماماً خاصاً ينِمّ عن خطورته وعلاقته القوية بوضع شمال أفريقية.
والثابت أنّ لإيطالية مصالح قوية في شمال أفريقية، وهي لم تكن يوماً راضية عن وضع تونس والإيطاليين المقيمين في هذه البقعة الواقعة تحت النفوذ الفرنسي.
والذي يزيد الحالة خطورة أنّ الحشد الإيطالي في ليبية يتفق مع الدعاوة الواسعة النطاق التي تقوم بها إيطالية بين الشعوب الإسلامية العربية اللغة. وهذه الدعاوة تستفحل في شمال أفريقية وتجد حالة ملائمة في قلق هذه الشعوب. وفي المنطقة الفرنسية في أفريقية الشمالية وجدت الدعاوة المتسربة من المنطقة الإسبانية استعداداً في الثمانمئة ألف من المغاربة الذين يعانون أزمة مجاعة، يقول مراسل الأهرام إنّ الفرنسيين لم يعالجوها بما تستحق من العناية.
مما لا شك فيه أنّ التطورات في شمال أفريقية تهمّ فرنسة أكثر مما تهمّ بريطانية، لأن علاقة فرنسة بها مباشرة. فالمنطقة الفرنسية هناك تجاورها المنطقتان الإسبانية والإيطالية. وإيجاد سياسة واحدة لإيطالية وإسبانية يجعل الحالة الراهنة في شمال أفريقية في خطر يجب تقديره قدره.
ترى فرنسة ألا تقف مكتوفة اليدين تجاه الحركات الإيطالية. والأخبار الأخيرة، حتى كتابة هذه المقالة، تدل على توقع سفر السيد دالاديه، وزير حربية فرنسة، إلى تونس.
وسواء أسافر وزير حربية فرنسة إلى تونس أم لم يسافر، فإن مسألة شمال أفريقية قد أصبحت من المسائل البارزة في السياسة الإنترناسيونية. وهي توجب على فرنسة فعل شيء في سبيل تعزيز موقفها.
لا ينكر أنّ فرنسة حاولت فعل أشياء أهمها معالجة المسألة الإسبانية بما يمنع انتصار القوميين وربط السياسة الإسبانية بسياسة محور رومة - برلين، ولكن اندفاعها في هذه الجهة لم يجد اندفاعاً مماثلاً من قبل بريطانية، التي لا تشاطر مصادرها المصادر الفرنسية الرأي في أنّ سقوط جيجون لا يقلل من مناعة الجبهة الحكومية في إسبانية. فالبريطانيون يميلون إلى الاعتقاد بأن انتصار القوميين الأخير يرجح كفة القائد فرنكو.
تجاه هذه الحالة ترى فرنسة أنّ الاهتمام بشمال أفريقية أصبح من الأمور الملحة. وتجد الأفضل ألا تترك الحشد الإيطالي في ليبية بدون جواب فتكون زيارة وزير الحربية لتونس رداً واضحاً على هذا الحشد.
على أنّ هذه المسألة ليست كافية، لأن ميل الرأي في الشعوب الواقعة تحت النفوذ يكون ذا نتائج خطيرة في مثل هذه الظروف، والذي لا شك فيه هو أنّ فعل شيء في سبيل اكتساب روح الجماعات أمر لا غنى عنه.
أليس غريباً أن تجد إيطالية دعاة لها في أفريقية من سورية وغيرها، ولا تجد فرنسة مثلما تجد إيطالية ونفوذها يشمل أغنى منطقة ثقافية في الشرق الأدنى؟
الحقيقة أنّ القوة الحربية هي القوة الفاصلة في المنازعات الإنترناسيونية ولكنها قوة تكلف ولا تتمكن من إيجاد أساس ثابت. فثبات العلاقات السياسية والاقتصادية لا يقوم إلا على اشتراك إرادة الجماعات المختصة. والطريقة لذلك هي في فهم حاجة الجماعات وإيجاد شروط التعاون ووسائله.