عندما قاربت «المعركة» الانتخابية الماضية موعدها وعاد كبير الناقمين المعارضين الأستاذ بشارة الخوري من فرنسة، وحدث ما حدث في عاليه وغيرها مما لسنا نذكره، وأبدى الشر نواجذه، جرت مساع لرفع نكبة التطاحن عن الشعب الرازح بالأعباء ونجحت هذه المساعي الحميدة وولدت الائتلاف.
وقد شمل الائتلاف بنعمته الكبار من الفريقين والموالين لهم، وحرم عدداً لا يستهان به من أنصار الجانبين الذين ألّفوا ائتلافاً جديداً يمكن أن يسمى «الائتلاف المعاكس»، ولكنهم نعتوه بأسماء توافق آمال الشعب من الوطنية والكرامة وغيرهما. وكان أول عمل باشروه الاحتجاج لدى المفوضية ولدى وزارة الخارجية الفرنسية على حدوث الائتلاف الذي جرى باتفاق الكتلتين المتناظرتين ورضاهما التام، ولم يجرِ قسراً من قِبل قوة يجب الاحتجاج عليها.
وظن الناس أنّ الائتلاف قد تحوّل إلى نوع من «الكارتل» السياسي يقوم على خطة حكومية منظمة للعمل لأغراض سياسية معينة. فما كانوا ينتظرون أن يذرّ قرن الانشقاق ولم يمضِ على الانتخاب سوى أيام لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.
الحقيقة في أمر الائتلاف أنه أدى الغرض المقصود منه. فهو قد منع المعارك الدامية، وأمّن المرشحين الخائفين، وأوجد النسبة النيابية المتعلقة بالكتلتين الحكومية والمعارضة. ومما لا شك فيه أنّ هذا الائتلاف، كغيره من الائتلافات في العالم، ينتهي بانتهاء الغرض منه.
الأمر الذي يستدعي الاهتمام في مسألة الائتلاف هو الجهة السياسية منه، ففي مصلحة مَن مِن الفريقين كان الائتلاف؟
لقد أمّنت الحكومة أكثريتها في المجلس. ولكن هل هذه الأكثرية ثابتة؟
إنّ الأكثرية والأقلية في المجلس النيابي تعبير ديموقراطي ملازم لحياة الأحزاب وله قيمة كبيرة في الأمم الحرة، إذ يكفي أن تعرف من أي حزب تتألف الأكثرية في المجلس النيابي لتعرف اتجاه المجلس التشريعي والسياسة الحكومية القائمة عليها. أما في حالة المجلس النيابي اللبناني فالأكثرية والأقلية مناسبات معرّضة للاختلاف.
والأكثرية البرلمانية التي لا رابطة حزبية تجمعها ليست أكثرية ثابتة كل الثبات. وعدم إجماع الائتلاف على تفاصيل الحكم والسياسة الواجب اتباعها يفسح مجالاً واسعاً لتجاذب المصالح بين الكتلتين، خصوصاً وكلتاهما ستمثّلان في الوزارة، فتقع مصالح الدولة تحت نفوذ الفريقين وهذه المصالح هي مدار المنافع الفردية التي يتقيد بها النواب.
أما المعارضة فقد كان الائتلاف في مصلحتها باعتبار القوة التي كانت في يد خصمها فهي تعود إلى المجلس بكل شخصياتها القوية وبمركزها المالي لتلعب دورها السياسي في محاولة توسيع النفوذ والسيطرة. ويبقى في جانبها التضامن الذي يكاد يكون صفة ملازمة لكل أقلية.
ولـمّا كان الائتلاف قد انتهى بانتهاء الغرض منه فإن المشادة واقعة والتزاحم على مصالح الدولة ومصالح الحكم الأساسية سيكون شديداً. وستعود المناورات إلى نشاطها. وهي ستجد مجالاً واسعاً في ضيق نطاق المنافع التي تؤمنها الإدارة وتحدد المصالح التي يضمنها الحكم.
وأما الشعب الذي يقف تجاه نهاية الائتلاف ذاهلاً، كما وقف ذاهلاً تجاه الائتلاف الذي حصل في طرفة عين، كما بسحر ساحر، فيجب أن يعود إلى ما كتبناه في الائتلاف في أول عدد من أعداد النهضة (ص 149 أعلاه).
لا استتباب للحكم إلا بواسطة الشعب. فإذا لم يأخذ الشعب بالنهضة القومية ويتمسك بمبادئها ويعرض عن التحزبات الشخصية فلا يجب أن يتوقع تمثيل مصالحه العامة في المجلس النيابي.
وكل مجلس نيابي يتألف من رجال لا يعرفون من المبادىء الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية غير مسألة تزفيت بعض الطرقات وأمور توظيف الأصدقاء والأقارب، ليس مجلساً يتمكن من السهر على حاجة الشعب والوطن والنظر في السياسة الاقتصادية القومية وفي تأمين المشاريع العمرانية.