يجد القارىء في العدد الحادي عشر من النهضة خبر المناقشة التي دارت في المجلس النيابي الشامي بين النائب إدمون رباط ووزير الداخلية السيد سعدالله الجابري بشأن قضية الإسكندرونة، وحديث القومندان بونو في هذا الصدد.
والقومندان بونو هو رئيس الدائرة السياسية في دار المندوبية بدمشق. وقد أدلى بحديث إلى جريدة الشباب الحلبية أنحى فيه باللائمة على الحكومة الشامية، وحمّلها تبعة التقهقر والشلل في لواء الإسكندورنة.
وقد دفـع حديـث القومنـدان بونو النائـب ربـاط إلى تلاوته في الجلسـة والسؤال عن صحته وهل تقبل الحكومة التبعة التي يلصقهـا بها. وزاد السيـد ربـاط أنه زار اللواء ولاحظ بألم يحزّ النفس أنّ اليأس أخذ يستولي على السكان السوريين هناك. وتطرّق في الحديث إلى الخطر الذي لفتت النهضة الأنظار إليه وهو المحدق بحلب ولواء الجزيرة.
وكان سؤال السيد رباط الحكومة يتعلق بوزير الداخلية الذي شكر للنائب «عواطفه النبيلة» وأجابه بهذا الجواب التاريخي:
«بعض ما يتصل بالصحف من الأخبار لا يمكن أن يتخذ أساساً في بعض الأحيان. وهذا الحديث غير صحيح ولأجل أن يكون صحيحاً يجب أن يكون مسجلاً وموقعاً بتوقيع المتحدث. ولا يجوز أن نعتقد بكل ما يروى من الأخبار ويُحمل إلى الصحف لنشره.
«وأما من حيث الدعاوة في الإسكندرونة فأقول إنّ اللواء عربي بروحه ودمه العربي. والعنصر العربي الذي هو أكثرية ساحقة في اللواء عامل إثبات عروبته وتوطيد اتصاله بسورية.»
وأضاف الوزير أنّ لدى الحكومة بيانات ومعلومات مما بذلته اللجنة الخارجية ولكنها معلومات وبيانات لا تريد الحكومة تقديمها للمجلس.
إنّ سؤال النائب رباط يتفق كل الاتفاق مع الاهتمام الذي أثارته النهضة في صدد الخطر المهدد الحدود الشمالية. وهو أهم سؤال طرح في المجلس النيابي الشامي منذ بدء افتتاحه حتى اليوم. فهو يتعلق بقضية فيها مسألة حياة وموت للأمة السورية.
أما جواب الوزير فيمتاز بأنه لا ينقع غلة ولا يهدىء روعاً. فقد اكتفى الوزير برفض الاعتراف بصحة الحديث، وأما من حيث ما تضمنه الحديث من لوم الحكومة الشامية على تقصيرها فقد رد عليه الوزير «بعروبة اللواء».
وهذا الجواب ينطبق كل الانطبـاق على موقف الحكومـة الشاميـة الذي صوّرتـه النهضة في أعداد سابقة وانتقدته، وانتقدت النظرة التي تدعمه وهي: الاعتماد على أنّ المشاكل التي ستجدها تركية باستيلائها على عناصر جديدة غير تركية تمنع الخطر عن سوريـة.
ليس أضعف من موقف الحكومة وجوابها على سؤال خطير يتعلق بحيـاة الأمـة وبما يهدد هذه الحياة. فإن نفي وزير الداخليـة صحـة الحديـث لا ينفي ما اشتمل عليـه، ففيه مسألة عرضت لها النهضة قبل ظهور أمر حديث القومندان. وبدلاً من أن يدلي الوزير بتصريح ينير الأذهان بشأن قضية الإسكندرونة وسائر الحدود الشمالية، اكتفى بالإشارة إلى مسألة عنصرية هي في جملة الأغلاط التي تقوم عليها سياسة الكتلة؛ إذ تثير النعرات العرقية من كل ما انطوت عليه سورية من مزيج، وتنشىء المشاكل عينها التي يظن رجال الحكم في الشام خطأً أنها ستتعب الحكومة التركية وتشلّ حركة توسعها.
لا ندري إلى أين تريد أن تقودنا سياسة الحكومة الشامية العرقية المبنية على أوهام الدم والنسب. ولكن الظاهر حتى الآن أنّ الحكومة لم تفعل شيئاً عملياً في سبيل سورية لواء الإسكندرونة، وتوحيد عناصره السورية في عمل موحد للاحتفاظ بقوميته، ومقاومة النفوذ التركي مقاومة منظمة مستمرة.
إنّ الرأي العام القلق على مصير الأمة لا يكتفي برفض وزير الداخلية تصديق صحة حديث القومندان بونو. فعلى افتراض أنّ الحديث غير صحيح، فهو قد فتح الباب لطرح أسئلة على الحكومة لم تستطع إعطاء جواب عليها يهدىء الخواطر القلقة ويصحّ السكوت عليه.
السؤال محرج وموقف الحكومة من مسألة الإسكندرونة والجزيرة يزداد تحرجاً والحكومة لا جواب عندها سوى «الروح العربية والدم العربي.»
وبين الروح العربية والدم العربي وشلل الحكم السوري يصير لواء الإسكندرونة تركياً.