المنتظر أن تُبحث قريباً المعاهدتان اللتان تحوّل إليهما الانتداب الفرنسي على «دول الشرق» في البرلمان الفرنسي وفي الجمعية الأممية.
وقد نشرت النهضة في عدد سابق خبراً من دمشق عن إمكان تعديل المعاهدة السورية - الفرنسية. وكانت الصحف لمدة قريبة تنشر أخباراً تبعث على القلق على مصير هاتين المعاهدتين. فقد قيل إنّ هنالك حملة مدبّرة لعرقلة التحول الحقوقي الإنترناسيوني في حالة البلاد المشمولة بالانتداب الفرنسي.
وقيل إنّ الحملة مدبّرة من قبل خصوم الجبهة الشعبية القابضة على أزمّة الحكم. والحقيقة أنّ خصوم كل حكومة، شعبية سمّيت أو غير شعبية، يدأبون دائماً على انتقاد كل تطور سياسي يجري في ظلها وينحون عليها باللائمة في كل أمر ومسألة هامّة. ولا ينفي هذا القول حسن نية بعض العناصر في الجبهة الشعبية. وليست هذه أول مرة تكون فيها سورية حجة المهاجمة لخصوم الحكومة.
فقد سبق لبوانكاريه أن هاجم الحكومة بسبب سياستها في هذه البلاد، وعطف على سورية عطفاً خاصاً. ولكن لـمّا أصبح بوانكاريه رئيس وزارة تلاشت كل العواطف واستمرت السياسة على الخطة السابقة.
تعني المعاهدتان الاعتراف بحق السيادة إنترناسيونياً للشعبين السوري واللبناني. وهذا أمر جوهري لمستقبلهما، لأن هذا الاعتراف ينقذ حقوق هذين الشعبين من كل النظريات المعقدة والاجتهادات في تأويل انتقال السيادة من السلطنة العثمانية، والذهاب بها إلى الجمعية الأممية التي أعطيت حق البتّ في مصيرهما. فإذا أبرمت المعاهدتان خرج الأمـر حقوقيـاً مـن الجمعيـة الأممية وأصبـح معلقـاً علـى إرادة الدول المتعاقدة. وهكذا يقفل نهائياً باب البحث في إمكان نقل الانتـداب من دولـة إلى دولـة بواسطـة الجمعيـة الأمميـة ولا يبقـى وجـه للمسـاومة علـى هـذا القطـر.
ولكن الاعتراف بحق السيادة يجب ألا يكون معناه التخلي عن هذين الشعبين لمصير سيّىء، وهذا ما يُنتظر أن تضمنه المعاهدتان، خصوصاً في هذه الظروف المبشرة باشتداد النزاع بين الأمم.
قد يوجد من يزيّن للبرلمان الفرنسي أنّ عدم الاعتراف بحق السيادة التامة للشام ولبنان هو أفضل للمصالح الفرنسية. والحقيقة هي على العكس، فإن لفرنسة كل المصلحة في الاعتراف بحق السيادة لهذه الأمة ومعاونتها على تثبيت سيادتها. ففي اضطلاع الأمة بأعبائها تخفيف لأعباء فرنسة وفي الوقت نفسه تكون السياسة الفرنسية قد اكتسبت عناصر قوة جديدة في الشرق الأدنى.
أيُّ سياسة ثابتة في الشرق الأدنى يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أنّ في هذه البلاد أمة يُحتمل أن تصبح قوة سياسية كبيرة لا يمكن تسوية شؤون الشرق الأدنى من غير النظر في حاجاتها.
هذا المبدأ الأساسي الذي يتطلب الاعتراف بالسيادة القومية لهذه الأمة هو القاعدة الوحيدة لإيجاد سياسة ثابتة في هذا الجانب من البحر السوري تؤيدها حاجة هذه الأمة وإرادتها.
ويمكن أن تكون المعاهدتان فاتحة عهد جديد على هذه القاعدة.