مُدِّدت الفرصة التي يجوز فيها للبنانيين والشاميين اختيار جنسيتهم التي تضع معاهدة لوزان حداً يفقدون عنده حق هذا الاختيار ويُعتبرون أتراكاً.
وعلى أثر هذا التمديد أخذت الحكومتان اللبنانية والشامية تبذلان المساعي لحمل المهاجرين على قيد أسمائهم في القنصليات الفرنسية واختيار جنسيتهم الأصلية.
وليس هذا فقط كل ما فُعل في هذا السبيل، بل قد وُجِّهت إلى المهاجرين نداءات لحملهم على العودة إلى الوطن. وتبذل في هذا السبيل جهود عظيمة، حتى أنّ المجلس الإسلامي القومي خشي فعلاً من نجاح هذه الجهود وأذاع بياناً أعلن فيه عدم رغبته في عودة المهاجرين، والدوافع التي دفعت المجلس الإسلامي القومي إلى اتخاذ هذا الموقف هي دينية.
أما الأسباب التي تدعو الحكومتين الشامية واللبنانية إلى الاهتمام بأمر المهاجرين والعمل على إعادتهم إلى الوطن، فما هي؟
هنا يبدو لهذه المسألة وجهان: زيادة معدودي الدولة وزيادة ثروتها.
أما زيادة معدودي الدولة وما يتبع ذلك من زيادة النسل، فمسألة تقتضي شروطاً اقتصادية أساسية. فالعلاقة بين زيادة كثافة السكان والنجاح الاقتصادي علاقة وثيقة جداً، فالبلاد التي تمحل زراعتها وتتقوض صناعتها وتقف تجارتها بلاد لا أمل لها بكثرة النسل ونمو العمران.
ولا مشاحة في أن ليس هذا وجه المسألة، إذ لو كان القصد عدد السكان وزيادة النسل، لكان أول ما يقضي به الواجب على الحكومتين النظـر في المهاجـرة مـن الوطـن وإزالة أسبابهـا، فوضـع سـد لسيـل المهاجـرة هـو أول عمـل مطلـوب القيـام بـه. ولكـن الأمـر، ولا شـك، عسير. فالمهاجـرة نتيجـة تعـذّر أسباب الرزق والعمـران فـي الوطـن، ولا شـيء آخــر يدفـع المـرء إلى هجـرة وطنـه وأهلـه.
إذن بقي الوجه الثاني وهو زيادة الثروة، ومن الثابت أنّ ثروة المهاجرين لا يستهان بها، فإذا عاد المهاجرون وجلبوا معهم أموالهم أحدثوا انتعاشاً مالياً واقتصادياً، شبيهاً بالانتعاش الذي يوجده مجيء اليهود إلى فلسطين. ومن هذه الجهة تكون عودة المهاجرين مرغوباً فيها كثيراً، لأنها تساعد على وضع حد لذهاب شؤون البلاد المالية والاقتصادية إلى اليهود.
ولكن الانتعاش الذي يجلبه المهاجرون معهم سيكون ولا شك موقتاً. فتَحْتَ الظروف التشريعية الحاضرة والسياسة الاقتصادية المتبعة، لا مجال لرأسمال وطني وللحركات الاقتصادية القومية.
إذا أردنا أن يعود مهاجرونا إلينا وجب علينا أن لا نغرر بهم. وما دمنا لا نفعل شيئاً في سبيل إيجاد سياسة اقتصادية قومية تُطمْئِن المهاجرين إلى مصيرهم ومصير أموالهم، فمحاولتنا إعادتهم إلينا هي محاولة خائبة.
إنّ قوة المهاجرين المادية والمعنوية هي قوة تستطيع أن تفعل في سبيل الوطن والأمة ما يأتي بنتائج كبيرة، فيجب علينا ألا نقضي على هذه القوة بأنفسنا.
والطريقة الوحيدة التي يمكن أن ترغِّب المهاجرين بالعودة هي: فسح المجال لأساليب جديدة تحل محل الأساليب العتيقة، واتباع سياسة اقتصادية قومية تحمي الإنتاج القومي وتسهل الحركات الاقتصادية الواسعة.
وليس الفصل الاقتصادي بين لبنان والشام وما سيجرّه من العراقيل الاقتصادية مما يرغّب المهاجرين في العودة.