نالت سورية المعاهدة وتخلصت من الانتداب وتسلّم الحكم أفراد الكتلة الوطنية الذين قاموا بالمفاوضة مع الجانب الفرنسي، فأمّنت الكتلة وارتاحت للنتيجة رغم أنّ الجمهور السوري لم يشاطرها أمنها وراحتها.
لكن هذه الراحة لم تدم طويلاً فأقلقتها حوادث الجزيرة الدامية واضطرابات جبل الدروز الذي سمّوه جبل العرب «للتضليل» وانتخابات اللاذقية. وعلى هذا الأساس أخذت الحكومة الشامية تعمل على إيجاد مناصرين لها إن في الجزيرة أو في جبل الدروز أو في العلويين. فحوّلت إنتاجها الفكري شطر هذه الناحية.
لقد وجدت الحكومة صعوبات وعراقيل في طريقها إلى غايتها هذه ولكنها تابعت جهادها الحزبي وأخذت تعمل لاسترضاء بعض الشخصيات بشتى الوسائل، فمنهم من أنعمت عليهم بكرسي الوظيفة ومنهم من أغرتهم بغير الوظيفة رغم أنها تعرف جيداً أنّ استرضاءهـا هذا لا يعمّر طويـلاً ولا يمكـن أن يكون لـه استقـرار. فهـذه تجربة موقتة على سبيل الامتحـان ولا يمضـي طويـل وقت حتى ترجـع الميـاه إلى سابـق مجاريهـا.
وهنا نتساءل، هل يمكن للحكومة الشامية، بواسطة حزبها «الكتلة الوطنية»، أن تسيطر على الموقف في محافظتي العلويين وجبل الدروز، فتجمع حولها الأكثرية وتصبح مؤيَّدة تأييداً شعبياً؟
إنّ الانتخابـات التي أجرتهـا في محافظـة العلويين دلـت على أنّ الحكومـة الشاميـة أخذت باستمالة بعض الشخصيات أصحاب النفوذ عن طريق الترضية وقد نجحت في بعض الأقضية بعض النجاح الذي لا نعده فوزاً وإنما طريقاً للإغراء سلكته، ولا بد لها أن تفشل.
أما في جبل الدروز فلا يمكن بحال من الأحوال أن تتّبع الحكومة الشامية سياسة الإغراء والاسترضاء مع رجالاته، والمناورات «القريبة العهد» التي جرت تحت ستار المفاوضات من جانب الكتلة الحكومية في دمشق لدليل كاف على الفشل الذي منيت به.
إنّ السياسة الحادة التي جربت الكتلة فرضها على منطقة جبل الدروز قد تركت أثراً غير مستحب فأوجدت جواً من الاضطراب وعدم الثقة حتى أنّ البعض هناك أسموها بـ «السياسة الاستغلالية».
والذي ساعد على وجود هذا الجو وإنمائه اشتراك القائد العام سلطان باشا الأطرش بالمفاوضات بصورة حيادية، تضمن حرية أبناء الجبل من جهة، وتحفظ من جهة أخرى هيبة الحكومة، يقابله تصلّب الحكومة الكتلوية برأيها وتمسّكها بسياسة «الإجبار» على قبول ما فرضته.
إنّ هذا الموقف قد أغضب الكثيرين من أبناء سورية وخصوصاً في الجبل، لما يتمتع به القائد العام من العطف والثقة. لذلك أصبح التفاهم مستحيلاً و«الطاعة» التي عملوا لها خططها بعيدة الوقوع، وسوف لا يكون نصيب الكتلة في الانتخابات القريبة كما تشتهي ويشتهيه لها الآخرون.
إنّ سياسة العنف لا تعطي ثمرتها في الجبل وقد يجوز أن تعطي وتستغل في مناطق أخرى.