لو لم أكن أنا نفسي، لوددت أن أكون النسر المحلق في الجو الفسيح، لا تطول به الأبعاد كما تطول بذي الجناح القصير.
لو لم أكن أنا نفسي، لاشتهيت أن أكون ألحاناً تمتد مع أمواج الكون الخفية وتلامس القلوب النابضة فتحوِّل نبضاتها إلى أناشيد الحب والقوة، وتلامس القلوب المتحجرة فتعيد إليها نبضات الحياة المنسية!
لو لم أكن أنا نفسي، لأحببت أن أكون رجلاً نسيته مهام الحياة الواسعة الملحّة، فترك الجلبة وتمتمات الأفواه النمّامة والمغتابة وسار في البرية يتمتع بجمال الطبيعة، ويصغي إلى هينمات نسيم العشية وتقصُّف الأعواد والأوراق اليابسة تحت قدميه، فتختلج في نفسه الأسرار البعيدة الغور!
لو لم أكن أنا نفسي، لتقت أن أكون أنوار الفجر في عين العذراء!
لو لم أكن أنا نفسي، لأحببت أن أكون الحبيب الجالس على الشاطىء عند الغيوب، وقد أسندت حبيبته رأسها إلى كتفه، وتنفس الأمواج يردد صدى تنفسهما!
لو لم أكن أنا نفسي، لأحببت أن أكون صور الفن مدهونة أبدع دهان!
لو لم أكن أنا نفسي، لرغبت في أن أكون هذه الأحلام الملونة بألوان قوس قزح!
لو لم أكن أنا نفسي، لأحببت أن أكون جندياً قد دعاه الواجب القومي والحب الوطني إلى الزحف مع غابات الأسنة البارقة تحت أشعة الغزالة تتقدمها الرايات والألوية!
لو لم أكن أنا نفسي، لوددت أن أكون هذه التيارات الروحية الدافعة نحو الرحابة والسمو!
لو لم أكن أنا نفسي، لوددت أن أكون هذه الآمال الكبيرة، العالقة بها أنفس ملايين البشر!
لو لم أكن أنا نفسي، لأحببت أن أكون هذه الرغائب العالية التي تكوِّن ما نسميه مثالاً أعلى يظن الناس أنهم أدركوه كله حين يكونون قد أدركوا بعضه!
(1) كُتب جواباً على السؤال «لو لم تكن أنت نفسك فمن تود أن تكون؟» الذي وجّهته مجلة الجمهور إلى المفكرين في البلاد. وكان سعاده آنذاك سجيناً في سجن الرمل في الاعتقالات الثانية من اعتقالات الحزب.