نشرة عمدة الإذاعة،بيروت،المجلد 3،العدد 1947/8/31،5 «نقلاً عن النهار،بيروت،عدد «1936/1/22
عزيزي
أرى أنك قد حولت مباحثاتنا القومية الشفوية إلى وجه كتابيّ.
فلا أستطيع أن أتجاهل الوجهة الجديدة الدقيقة التي تقصدها. وإني أنزل عند رغبتك، وأستعيذ بالقوة العاقلة من تخابثك.
تسألنـي ما موقفي من المسائـل العربيـة، فأقـول: إني أشعـر بأن الذين سمعوا شيئـاً عن آرائي قد التبس عليهـم موقفي حتى أنّ سوريتي قد أصبحت تؤوَّل بالفينيقيـة وبغير ذلك من التآويـل. ولعل هذا ما تقصـد إيضاحه بسؤالـك. ولست بحاجـة إلى القول إنّ المسألة القومية لا المسألة السلالية هي التي تستدعي كل اهتمامي. فذلك واضح في كل ما أقول وما أفعل. وإذا كنت قد رأيت أني أصرف كل همي وكل عنايتي إلى خدمة أمة واحدة من أمم العالم العربي، أعني أمتي السوريـة، فذلك لأن أمتي أحـوج إلى عملي، ولأن لها الحق الأول علي، ولأن الاشتغال في قضايـا هذه الأمم، بينما أمتي جسم مشلول، يزيد بلبلة قضايا العالم العربي بلبلـة. فأنا لا أؤمن بالتضخم ولا أجد له حسنة.
والذي أراه أنّ في العالم العربي، إذا شئت، قوة واحدة يمكنها في حال اكتمالها أن تقبض عليه وتصيّر الأغلاط الاجتماعية والسياسية والدينية التي فيه، عاملاً فعالاً في سبيل تحقيق الغايات الكبيرة النبيلة، هي قوة الأمة السورية.
وما زال هذا العنصر فاقد العصبية الموحدة في ذاته - فاقد استجماع القوى الموحدة في إرادته الاجتماعية والسياسية - أي ما زال هذا العنصر غير عالم بمواهبه الخاصة التي يجب أن يعوِّل عليها، ومجزءاً بين مختلف السياسات المذهبية والطائفية والعوامل الطبقية والشخصية، وقوى عقول شبيبته الممتازة مبعثرة بين مختلف الآراء والعقائد، وموزعة على بيئات تخرج من متناوله ومقدوره، فلا أرى للأمة السورية خيراً ولا أرى خيراً للعالم العربي.
أعترف أني أغرقت في سوريتي حتى نسيت العالم العربي ومشاكله. ولكن مهما بالغت بالنسيان ومهما طال أمره فذلك لن يبعدنا عن العالم العربي. بل هو سيقربنا إليه. ونحن قد استيقظنا واستخرجنا مواهبنا من مدافنها ووجدنا قوانا المبعثرة في إرادة واحدة نافذة. ونتائج الفعل غير نتائج القول. ولقد قربت من نقطة حساسة في نفسي لا أريد أن أسميها الآن، لا أريد أن أحدثك عما يكنّه فؤادي للعالم العربي. أريد أن أفعل واجبي تجاه أمتي أولاً لتستطيع أمتي أن تفعل واجبها نحو عالمها ثانياً.
إنني أؤمن أنّ الأمة السورية هي الأمة المؤهلة للنهوض بالعالم العربي، ولكنها لا تستطيع القيام بهذا العمل إلا إذا كانت ذات عصبية قوية في ذاتها لجعل ثقافتها مسيطرة وإرادتها نافذة.
لقد وقفت نفسي على توحيد أمتي وتقوية معنوياتها وإبراز مواهب شخصيتها حتى تصبح الآمال التي تجول في مخيلة رجال سورية أفكاراً قابلة التحقيق بتولد القوة الفاعلة فيها.
هذا موقفي، عسى أن يكون جلياً لديك وأن أسمع منك ما يزيدني نشاطاً واسلم لصديقك.
بيروت في 15 يناير/كانون الثاني 1935
أنطون سعاده