كنا نظن أنّ المسؤولين في البلاد قد بدأوا يفهمون أنّ سياسة الضغط لا تجرّ إلا المتاعب لهم، وأنّ اتكالهم على ما يسمونه «بذوي النفوذ» لا فرق عندهم من تكون الدولة الحاكمة وليس التزلف الذي يبدونه اليوم، إلا التزلف الذي كانوا يبدونه للترك قبل «محررة الشعوب الضعيفة».
وكنا نظن أنه بعد ما لمسه المسيو بيو في البلاد من نقمة سببها سياسة خرقاء، قام بها موظفو فرنسة، بناءً على ما يأملون من «ذوي النفوذ» ومن إخلاص لهم سيكون الكفيل بأن تعدّل فرنسة سياستها في الساحل والداخل، ولكن ما يظهر هو عكس ذلك فبالرغم من تفشي الدعاوات الأجنبية بين طبقات الأمة وأهمها تركية، وبالرغم من انقسام الشعب بصورة لا تجعل مجالاً للشك أنّ النقمة على سياسة فرنسة ومشاييعها من متذبذبي البلاد ليجرّ في وقت الشدة، إلى انقسام البلاد إلى فرق كل واحدة منها تشايع دولة من المتاجرين، وبالرغم من تنبيه القوميين لمثل هذا الخطر الذي لا يمكن أن يدرأ عن مصالح الأمة السورية ومصالح فرنسة في شرقي هذا البحر، إلا بالعقيدة القومية المتعصبة للأمة والوطن، ضد كل استعمار أجنبي أي كان. بالرغم من كل ذلك، لا تزال تجد دوائر الأمن العام تلاحق القوميين وتشيع عنهم ما تعودناه. وأمرّ ما وصلت إليه الشائعة القائلة بأن فرنسة كانت ترغب في مسايرة الحزب ولكن خطأ الزعيم بمروره في محور معادٍ فضح نواياه والقصد من ذلك إظهار الزعيم بأعين الأعضاء والشعب، الذي أصبح يرى فيه أملاً صالحاً لنجاة البلاد، بمظهر المخطىء الذي يسيء إلى قضيته.
أما الشعب فقد تعوّد مثل هذه الشائعات التي يذيعها رجال الأمن والنفعيين الذين سيعلمون عندما يحين الوقت، أي خطأ قد ارتكبوا بضغطهم على الهيئة الوحيدة المؤهلة للقيام على صيانة مصالح الأمة والوطن ومعها مصالح فرنسة لو أحسنت السياسة والاختيار.