جمعية الجزويت في سورية جمعية أجنبية تقوم بجميع الأعمال السياسية الخفية لمصلحة التسلط الفرنسي اليوم ولغيره، عند الاقتضاء، وفيها فرع مكمل لقلم الاستخبارات الفرنسية وهو من أكثر فروع الجاسوسية نشاطاً. هذه الجمعية رأت بعد نشوء الحزب السوري القومي، أنّ قوّتها الجاسوسية قد أصبحت هزوءاً وسخرية، لأن الحزب السوري القومي تمكن من الاشتغال ثلاث سنوات كاملات دون أن تدري بعمله جاسوسيتها الواسعة الانتشار. فنشطت لإنقاذ مركزها المهدد بمحاربة الحزب السوري القومي فحولت جريدتها البشير التي كانت تصدرها كل شهر أو نصف شهر مرة إلى جريدة سياسية يومية غرضها الدس على النهضة القومية والعمل على زرع الشقاق بين الشعب، عملاً بالسياسة الأجنبية. وساعدتها السياسة الأجنبية وحلفاؤها النفعيون، لأنها تخدم مصالحهم، خصوصاً الموظفون، الذين يرون منفعتهم في خدمة السياسة الأجنبية. ورضي عن جمعية الجزويت المقام البطريركي الماروني وهو لا يدري أنها من الألغام الموضوعة تحت السلطة الروحية الوطنية لتقوضها. ولا يحتاج المراقب لطويل عناء لإدراك استفحال شر هذه الجمعية الأجنبية الذي أصبح يهدد كل سلطة روحية وطنية.
منذ أصدرت جمعية الجزويت الأجنبية جريدتها الأجنبية، لم تفتأ البشير تختلق الإشاعات عن الحزب السوري القومي وتؤوّل أعماله، حتى أصدر الحزب جريدته النهضة فأظهر افتراءات البشير وكشف النقاب عن صفتها وصفة جمعيتها الحقيقيتين وكان من وراء ذلك أنّ عدداً كبيراً من الشعب أعرض عن هذه الجريدة الشريرة وترك الاشتراك فيها ولم يبقَ لها من أثر إلا في دوائر موظفي الحكومة الذين يجب عليهم العمل بالتوصيات التي تأتيهم من فوق. فقامت قيامة الجمعية الجزويتية وأخذت البشير تطالب بتعطيل جريدة النهضة وملاحقة الحزب السوري القومي وهي تجهل ما تكلف الحكومة ملاحقة هذا الحزب من عناء وقلق وشك بالنتائج التي كثيراً ما كادت تكون وخيمة عليها.
ومنذ فشلت الحكومة في إلقاء القبض على الزعيم وأركانه وإيقاف عمل الحزب السوري القومي، وجريدة البشير لا تنفك تؤوّل الحقائق ستراً للفشل الباهر الذي منيت به جاسوسيتها وجواسيس الاستعباد وتسترسل في إعلان الطلبات بملاحقة الحزب القومي من جديد.
وقد وقع عليها وقع الصواعق خبر الرحلة الظافرة، التي قام بها الزعيم في أوروبة وأميركة فقامت تتهجم في عددها الصادر في الثالث من فبراير/شباط الماضي على مجلة الشرق السانباولية لأنها نشرت الحقائق التي أذاعتها البرقيات ونشرتها الصحف البرازيلية في صدد هذه الرحلة الميمونة وهي تقول إنّ ما نشرته الشرق كان بـإشراف الزعيم وهو اختلاق من عندها، لأن ما كتبته مجلة الشرق استندت فيه إلى ما أذاعته البرقيات والصحف، كما تثبته الترجمات التي تنشرها سورية الجديدة في عدد آخر وأرادت أن تستنتج من إكرام الزعيم في أوروبة أنه دليل على العمل لمصلحة دولة أجنبية، لا العمل لمصلحة سورية كما هو الواقع.
أما رحلة الزعيم إلى أوروبة لدرس الحالة السياسية فيها والسعي لمصلحة سورية فلم تكن سراً من الأسرار، بل عملاً منظماً وُضِع له برنامجه الرسمي وصدرت فيه إذاعة رسمية من عمدة إذاعة الحزب السوري القومي بتاريخ الخامس عشر من أغسطس/آب الماضي. أوَليس من البديهي أن يزور الزعيم برلين وهي مركز من أهم مراكز السياسة الإنترناسيونية وهي فضلاً عن ذلك مركز فرع الحزب السوري القومي في ألمانية الذي وجّه إلى معالي الزعيم دعوة لحضور الاحتفال بمرور سنة على تأسيس فرع الحزب في ألمانية وإليك نص الدعوة:
«وبعد، لي الشرف أن أتقدم من مقامكم العالي، باسم مديرية الحزب السوري القومي في برلين، داعياً حضرتكم لزيارة برلين ولحضور احتفال المديرية بمضي سنة على تأسيسها.
«إني مع جميع الرفقاء ننتظر جوابكم بفروغ صبر وعسى نتمتع برؤياكم الغالية في المستقبل القريب.
«واؤكد لكم يا حضرة الزعيم أنكم سترون ما يسرّكم إذ سيبرهن جميع الأعضاء أنّ اليقظة التي أوجدتموها فيهم تزداد وتنمو.
«إنّ الإيمان القومي يرسخ من يوم إلى يوم في أعضاء المديرية الذين ينتظرون اليوم الذي فيه يسيرون تحت قيادتكم ترفرف فوق رؤوسهم أعلام الزوبعة الحمراء.
«ولتحيَ سورية وليحيَ الزعيم»
المدير: محمد مصون عابدين بك
وإليك أيضاً نص الإذاعة الرسمية التي أذاعتها عمدة الحزب:
«إلى جميع السوريين القوميين
«وطّد الزعيم المفدى عزيمته على القيام برحلة واسعة إلى أنحاء المهجر يعرّج فيها بطريقه على العواصم الأوروبية، والقصد من هذه الرحلة أمران رأى الزعيم ضرورة تأمينهما لنجاح قضيتنا القومية:
«الأول - إطلاع الرأي العام الإنترناسيوني على القضية السورية وتطوراتها وموقف القوميين منها.
«والثاني - تنظيم المهجر السوري ليكون على استعداد للعمل المتضامن مع النظام القومي في الوطن.
«أيها الرفيق: سيغتنم أعداء نهضتنا الكثيرون فرصة غياب زعيمنا الجليل ليذيعوا أنّ الحزب يضعف ويتراجع وليختلقوا مختلف الإشاعات والأراجيف آملين أنها، بعد الشخصية القومية الكبرى مصدر الإدراك القومي ومبعث الجهاد والبطولة، ستجعل القوميين ينسون قضيتهم وقسمهم، ويكونون عرضة للتراجع أمام الضغط.
«أيها الرفيق: إنّ القوميين سيبرهنون للعالم أجمع أنّ قضيتهم قضية الحياة للأمة لأنها أصبحت جزءاً من وجدانهم لا يمحى، إنّ زعيمنا أيها الرفيق قد ترك القضية القومية أمانة في أعناقنا وشرفنا والويل للذين سيخونون هذه الأمانة!
«أيها الرفيق: إنّ زعيمنا ذاهب ذهاب البطل يمثل قضيتنا وكرامتنا أمام العالم الراقي ويخبر أمم الحضارة أنّ في سورية أمة صممت، بعد اليوم، أن لا تموت بل أن تحيا في بلادها حياة الحرية والرقي والكرامة، لأنها تستطيع أن تخدم الحضارة العالمية والمدنية المنظمة الراقية متى كانت سيدة نفسها وبلادها.
«أيها القومي: إنّ تأييد موقف الزعيم وإعطاء كلمته المفعول الحاسم هو أمانة أيضاً في أعناقنا جميعاً سيحاسبنا عليها أبناؤنا في الأجيال الآتية.
«لنكن ثابتين في مراكزنا مستعدين ليوم يدعونا الزعيم إلى ساحة الحرية والشرف والكرامة ولتكن قلوبنا رفيقة البطل القومي حيث سار وأين حلّ. لتتجه أفكارنا جميعاً وعواطفنا كل يوم من أيام رحلته، ولتكن عائلاتنا وأطفالنا أسبق منا في التطلع بشوق وإيمان إلى عودته الظافرة إن شاء الله في سبيل مجد سورية وعزتها.
«لقد كانت صرخة الزعيم «سورية استفيقي» بدء يقظتنا والآن نسمع صرخته «سورية استعدي ليوم مجدك القريب» وهذا بدء عملنا، وإننا مستعدون يقظون دائماً ولن ننام عن واجبنا حتى تبلغ، سورية الهدف الأسمى فتردد معنا الأجيال:
«لتحيَ سورية وليحيَ سعاده»
«لجنة الإذاعة العليا»
الناموس
وأما الإكرام والحفاوة اللذان لقيهما الزعيم في أوروبة فيختلف بمعناه وجميع أشكاله عن إكرام الجواسيس الخبيرة به جريدة البشير وعمالها. إنه إكرام موجد سورية الجديدة وبطل قضيتها القومية، الذي شهد له محبّوه وأعداؤه على السواء. وأما الجاسوسية والعمل على خدمة المطامع الأجنبية، أياً كان مصدرها فكرامتها هي لجمعية الجزويت وجريدة البشير.
ختمت جريدة البشير تهجمها بأنها لا تعلق أهمية كبيرة على الزعيم بعد أن أصبح في البرازيل وأنها تطلب «من الحكومة اللبنانية ودائرة الأمن (التي يشرف عليها فرنسيون) ملاحقة «بقايا» الحزب السوري القومي بحزم وشدة.»
إنّ هذه العبارة تدل على اطّراد نمو الحزب السوري القومي وازدياد مخاوف الرجعية من اتساع نطاقه في حين أنّ عمال الحكومة يبثون الدعاوات سراً بأن الحزب ليس سوى حزب «غلمان» وأنه قد مات وأنّ الزعيم قد «هرب» واضمحلت قوة القوميين!
إنّ جريدة البشير تريد أن تورط الحكومة اللبنانية في اصطدام جديد مع القوميين متجاهلة ما تكلف هذه الاصطدامات التي قد تتخذ طوراً جديداً. وقد عرضنا رأيها على الناموس الثاني في مكتب الزعيم فقال: «إنّ هذه الجريدة تفرح ببعد الزعيم فرحاً يدل على البلاهة. فليس الزعيم في البرازيل بعيداً البعد الذي تتوهمه جريدة البشير!»