وعدنا القرّاء في عدد أمس أننا سنبيّن لهم العجز الفاضح الذي أظهره الكتلويون في معالـجتهم الأمور والقضايا الـمتعلقة بالأمة السورية ومصيرها ونحن نبرّ بوعدنا ابتداء من اليوم.
مـما لا شك فيه أنّ أمتنا تتراوح اليوم بين الـحياة والـموت فالأحابيك السياسية تـحبك حولنا من كل جهة من الـخارج، بينما شؤوننا الداخلية تتخبط في فوضى السياسات الـخصوصية والـخصومات التحزبية وبلبلة الأغراض الـمستعجلة واضطرابات الـمصالح. والتبعة الكبرى في هذه الفوضى والبلبلة والاضطرابات تقع، بلا شك ولا جدل، على الكتلويين في مجموعهم بسبب العقم السياسي الباهر الذي تفوقوا به على جميع سياسيي العالم.
ولا نحتاج، لتبيان هذه الـحقيقة، إلى الغوص في بطون التاريخ الكتلوي. فكيفما قلّبنا الطرف رأينا دليلاً جديداً من أعمالهم اليومية يعطينا البرهان القاطع على ما نزعم.
والأدلة التي نـجمعها تشير كلها إلى أنّ أخطاء الكتلويين هي في الأساس، لا في الشكل. والدارس الفاهم لا يسعه إلا الوقوف مشدوهاً تـجاه العجز الباهر الذي يبديه الكتلويون، حتى في معالـجة أبسط الأمور الـحقوقية الـمدنية والسياسية. فأول أمس وأمس نشرت النهضة تفاصيل مناقشات الـمجلس النيابي الشامي في صدد لواء الـجزيرة والـحوادث الـمتكررة فيه. وفي هذه التفاصيل صورة واضحة للعقلية الإقطاعية الـممتازة التي يتحلى بها الكتلويون ويسوسون بها الأمة ومصالـحها والشعب ومقدّراته.
في وسط اجتماع الـمجلس النيابي الشامي، وعلى مرأى ومسمع من النواب والنظارة ورجال الصحافة وفي عين الرأي العام وأذنه، يقف نواب كتلويون ويقولون إنّ أعضاء في الدولة الشامية هم «أقلية أثيمة» وإنه ليس في لواء الـجزيرة رجال كالأمير الفلاني الذي اكتسبوا صداقته أو اشتروها مؤخراً، مفضلين عشائر في لواء الـجزيرة على عشائر، ورؤساء على رؤساء، ومقياسهم في كل ذلك السياسة الشخصية.
وبعد هذه الـحقائق العلنية التي تصفع الأمة صفعاً وتـحوّل النيابة عن الشعب إلى مهزلة قبيحة، وبعد كل التبجحات الكلامية التي أقلق بها الكتلويون راحة الأرض والسماء قائلين: «لا أقليات في سورية» يقفون دون حياء ودون خجل أمام الأمة والتاريخ ويقولون: «هذا الـجزء من الشعب الذي ندّعي النيابة عنه أقلية يجب ألا يؤبه لها. وذاك الأمير هو الرجل والباقون صعاليك»! أما الـحق والعدل، وأما جعل الـمساواة القومية أساس كل سياسة وكل نظرة حقوقية أو إدارية، فكلام خرافي لفطاحل السياسة الكتلوية.
وبعـد كل هـذه الأعمـال الـمضحكـة الـمبكيـة ينحي الكتلويون على الفرنسيين وغيرهم باللائمـة، لأنهـم يفتحـون قصـة الأقليـات. أليس الكتلويون أنفسهم هم الذين يوجدون الأقليات في البلاد بهذه التفرقة العلنية بين احترام جماعة واحترام جماعة أخرى؟
أجل، ليست الفئات التي لا تخضع لـمشيئة الكتلويين الطاغية سوى «قطرة ماء في الـمحيط الهادىء». ويريد الكتلويون بعد كل ذلك أن يستتب الأمر وتتوحد الصفوف وتتقدم الأمة في طريق الفلاح!
ما أشأم هذه العقلية الإقطاعية على الأمة وقضيتها! ويا ضياع الـمجهود العظيم الذي تقوم به الأمة في هذه النتيجة الضائعة!
قلنا إنّ أخطاء الكتلويين في الأساس. فهم يزعزعون أساس الدولة الـحقوقي ويرجعون بنا إلى حكم الإقطاع البائد. وهم مع ذلك لا يشعرون أنهم يأتون أمراً إدّاً!
الكتلويون سادة ومن سبّح بحمدهم موالٍ ومن أراد أن يتمتع بحقوقه الـمدنية كان مارقاً من الوطنية عدواً للإقطاعيين الذين يـمثلونها. هذه هي الـحكمة الفائقة التي نزلت على الكتلويين نزول الوحي.
«أيش أخي، أقليات يوق!»