نشرت النهضة في أعداد سابقة كل الأخبار التي تنسمتها في صدد حركات السياسي العراقي نوري السعيد الرامية إلى حل مشكلة فلسطين، بعد أن بلغت هذا الـحد من التحرج.
ويسرنا أن نعلن للقراء أنّ ما تـمكنت النهضة من الوقوف عليه ونشره واستنتاجاتها وآراءها الـمبنية عليه لم تكن بعيدة عن حقيقة الواقع. فقد نشرت جريدة فلسطين في عددها الصادر في 18 أبريل/نيسان الـمنصرم ما زعمت أنه مشروع نوري السعيد في حقيقته ونحن ننقله فيما يلي:
أولاً - تؤسس مـملكة متحدة من فلسطين وشرق الأردن.
ثانياً - يقوم دستور الـمملكة الـمتحدة في صميمه على أنّ كل فلسطيني، بقطع النظر عن دينه أو جنسه، له أن يتمتع بحقوق مدنية ودينية متساوية في الـمملكة.
ثالثاً - تتمتع كل طائفة باستقلال تام في شؤونها الطائفية ولا يكون هناك تشريع يجعل إحدى الطوائف تتحكم بالأخرى.
رابعاً - تتمتع كل مدينة، وكل قرية، وكل مقاطعة بكامل الاستقلال في الشؤون البلدية، فتكون كل مدينة عربية أو يهودية وكل قرية عربية أو يهودية، وكل مقاطعة عربية أو يهودية، مستقلة استقلالاً تاماً في شؤون البلدية.
خامساً - تكون نسبة اليهود للعرب في فلسطين وشرقي الأردن معاً أعني في الـمملكة الـمتحدة أقل من 50 في الـمئة.
سادساً - يكون لليهود في المملكة المتحدة وطن قومي، ولا تقوم لهم فيها مملكة يهودية.
سابعاً - يكون لإنكلترة حق الإشراف على هذه الـمملكة.
ثامناً - تلحق المملكة بعصبة الأمـم حين توصي إنكلترة بأنها أصبحت أهلاً لذلك.
تاسعاً - توضع معاهدة تربط الـمملكة بإنكلترة لـمدة تعيّن فيما بعد.
عاشراً - تضمن الـمملكة الـمتحدة منح إنكلترة جميع مصالـحها في حيفا.
ونلاحظ أنّ هذا الـمشروع يغفل وجود الأمة السورية وإرادة الشعب السوري في تقرير مصير وطنه، ويغفل كل فكرة لسيادة الأمة السورية. فهو يرمي إلى تأسيس «مـملكة متحدة» تضم فلسطين وشرق الأردن برضى بريطانية العظمى وموافقة بعض الـمتزعمين في فلسطين وشرق الأردن، وبإهمال جميع الـمصالح القومية القريبة والبعيدة الناتـجة عن تـحقيق هذا الـمشروع.
وهنالك قضية أساسية خطيرة في هذا الـمشروع الـخطير هي قضية «صلب الدستور» الذي يتألف من اعتبار كل فلسطيني «بقطع النظر عن دينه أو جنسه» عضواً في الدولة كامل الـحقوق. وهذا الاعتبار هو في مصلحة اليهود ومقصود به هذه الـمصلحة، خصوصاً متى قرنّا هذا النص بالنسبة العددية التي يقترحها الـمشروع، وهي جعل اليهود أقلّ من خمسين بالـمئة في فلسطين وشرق الأردن معاً وفيه السماح لليهود أن يستفيدوا من شرق الأردن وأن يتكاثروا تكاثراً لا يـمكن أن يسمح به بقاء شرق الأردن خارج هذه الـمملكة السعيدية.
وفي مجمل بنود الـمشروع نرى ميلاً واضحاً لاعتبار وجود اليهود حقيقة مسَلَّمٌ بها مكتسبة الـحقوق الكافية لأخذ وجهتها بعين الاعتبار. فهنالك نظام البلديات الذي يقصد به استقلال الـمتحدات اليهودية وتوسيع تـحرياتها.
ومع أنّ الـمشروع يقول بعدم الاعتراف لليهود بحق إنشاء مـملكة، فإن هذا التحفظ الـحقوقي لا تبقى له قيمة مع تغيّر الظروف السياسية الإنترناسيونية وبعد تكاثر اليهود تكاثراً عظيماً لا يعود في الإمكان حصره، خصوصاً متى تغلغل في شرق الأردن حيث يـمكن إبقاء أعداد إحصائية مكتومة بفضل نظام البلديات الـمقترح.
مهما يكن من شيء فإن هذا الـمشروع أجنبي غريب عن مصالح القومية السورية والنظر في مستقبل الأمة السورية.
تصريح الزعيم في صدد الـمشروع
وقد رأت النهضة تـجاه هذا الـمشروع الـخطير أن تأخذ رأي الزعيم فيه فأبدى الزعيم ارتياحاً لذلك وأدلى إلينا بالتصريح التالي:
«إنّ كل مشروع يقصد منه إلغاء فكرة القومية السورية وإقرار تـجزئة الوطن السوري تـجزئة نهائية، هو مشروع عدائي للأمة السورية. ومهما كانت أهمية الفرقاء الـمتفقين على وضعه فالأمة السورية وحدها هي صاحبة الأمر والنهي في مصير وطنها.»
(1) فلسطين.