نشرت النهضة أخبار استقالة وزير الـمالية والدفاع ووزير الـخارجية والداخلية [سعدالله الـجابري] من الوزارة الـمردمية. وفي البريد الأخير أنّ رئيس الـجمهورية رفض استقالة الوزير الأخير وأنه عاد إلى متابعة أعمال وظيفته.
ليس في الاستقالتين وظروفهما ما يدل على وجود أزمة سياسية، بل ما يدل على وجود أزمة وزارية شخصية، لأن نتائج جلسة الثقة الأخيرة برهنت على أنه لا خروج على الاتـجاه السياسي الـمتخذ. وكل ما هنالك حملة انتقادية على الإدارة تعني شيئاً إدارياً، لا سياسياً. وهذا الشيء الإداري يعني قسماً كبيراً من الـمصالح الـخصوصية والـمطامح الشخصية، حتى أصبح الاتـجاه نحو حل الأزمة الوزارية بزيادة ثلاثة وزراء جدد وجعل الوزارة سباعية بدلاً من أن تكون رباعية، الاتـجاه الذي له الاعتبار الأول.
يصور لنا مستعرض الـحالة السياسية الشامية في النهضة بعض نواحي الـخلاف الوزاري الـمؤدي إلى استقالة الوزيرين الـمتقدم ذكرهما ويـمنح هذين الوزيرين تقدير أنّ اختلافهما مع رئيس الوزارة قائم على اختلاف وجهة النظر في مدى التساهلات في الـمصالح القومية في الـمفاوضات الـجارية لعقد اتفاقات إضافية تتناول النقد والنفط وما شاكل.
فاذا افترضنا أنّ هذا التصوير ينطبق على الـحقيقة وجدنا أنّ موقف الوزيرين الـمستقيلين كان موقفاً ضعيفاً، لأنهما عادا فتضامنا مع الوزارة التي استقالا منها، ومنحاها الثقة وهو عمل ينقض مخالفتهما لرئيس الوزارة في النهج السياسي.
قد يكون اختلاف النظر في بعض الـمسائل السياسية أمراً واقعاً. ولكن ما قيمة هذا الاختلاف؟
إنّ تأييد رئيس الوزارة بعد تقديـم الاستقالة لا يدل على أنّ الاختلاف من هذه الـجهة هامٌ، والراجح أنّ مسألة الاستقالة أسبابها شخصية أكثر منها سياسية، وأنه إذا كان هنالك خلاف سياسي فهو في بعض الأمور الـجزئية لا في أساس السياسة الـمتّبعة ومدى نتائجها. وهذا هو التعليل الوحيد الذي نتمكن من الوصول إليه بناءً على افتراض وجود خلاف في وجهة النظر السياسية. إذ لو كان الاختلاف في الـمسائل الأساسية لكان سكوت الوزيرين بعد استقالتهما ضعفاً.
والتعليل الآخرهو الـمبني على افتراض الوجهة الشخصية هي الوجهة الأساسية في استقالة الوزيرين وتوليد أزمة وزارية. ففي هذه الـحال لا يكون خروج الوزيرين من الوزارة خروجاً على سياسة رئيس الوزارة، بل عملية القصد منها إحراج مركز رئيس الوزارة واكتساب شيء من القوة السياسية الشخصية.
وإذا قارنّا بين الاستقالة والـحملة على الإدارة في الـمجلس وجدنا بعض الـمغازي الشخصية التي تنير لنا شيئاً من الواقع.
على أنّ بعض الصحف الكتلوية تريد أن تُكسِب جلسة الثقة في الـمجلس الشامي صبغة سياسية عليا. فتقول جريدة الإنشاء في افتتاحيتها أمس إنّ جلسة الـمجلس كانت «مظهراً من مظاهر حرص البلاد على هذا الدور الاستقلالي وعلى تصديق الـمعاهدة.» ولعلها تعني حملة النائب [لطفي] الـحفار على تصريحات دوكه في لـجنة الانتدابات عن قلاقل الـجزيرة. ثم تتابع هذه الـجريدة الكلام وتقول : إنّ تأجيل إبرام الـمعاهدة في البرلـمان الفرنسي يؤول إلى انحلال الروابط ويسبب «هذا الشعور الذي يساور الناس في البلاد، شعور السأم من سياسة يريدها الـجميع صريحة وتأبى ظروف نـجهل كنهها إلا أن تظل في غموضها مثار الريب والشكوك.»
ونحن نرى أنّ أهم نقطة في معالـجة الرصيفة هو قول الـمحرر «ظروف نـجهل كنهها.» فهذه هي الـحقيقة الأساسية في كل هذا التخبط السياسي في سياسة التعاهد.
فمصيبة الأمة هي في أنّ «الكتلويين» وكثيراً من السياسيين غيرهم يجهلون كنه الظروف السياسية الـمحيطة بالأمة السورية، التي تعيّن الاتـجاهات السياسية. وجهلهم هذا هو السبب في بقاء السياسة في غموضها مثار الريب والشكوك.
فالغموض هو من هؤلاء السياسيين غير الـمؤهلين لشق الطريق أمام إرادة الأمة الـمنغمسين في وجوه النظر الشخصية. فهنالك استقالات لا يعقبها أي أثر سياسي، وهنالك اختلافات داخلية لا يدري أحد كنهها لأنها شخصية. وهنالك كتمان في الـمفاوضات لا مبرر له في مسألة كمسألة اتفاقات تتعلق بـمصالح الأمة ويجب ألا تُفرض عليها فرض الأمر الواقع على الأعداء والـخصوم.