الآن، وحديث سقوط الوزارة وقيام وزارة أخرى يـملأ الأندية والـمجلس، نعود إلى معالـجة مسألة الـحكم وسياسة الـحكم.
ماذا جنى الشعب اللبناني من قيام وزارة وسقوط وزارة؟ ومن وضع الدستور وتعليق الدستور؟ ومن سياسة الـحاكم الفرد؟ وسياسة الـحكومة الوزارية؟ ومن جعل الـمجلس خمسة وعشرين نائباً أو جعله ثلاثة وستين نائباً؟
إذا ألقينا نظرة عامة على الـمجرى التاريخي الذي شمل هذه التغييرات الشكلية، وجدنا أنّ كل ذلك كان تغيير مظاهر لم تتناول الشعب باعتبار أو باهتمام، وأدركنا أنّ نتيجة إهمال الشعب كانت انحطاط مستوى معيشته ونضب موارده وفساد شؤونه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
أين هي النقطة الـحساسـة التي يجـب أن يتجـه إليهـا الشعـب؟ أهي في الـوزارة؟ في عدد أعضائها؟ وفي مَنْ مِنَ النواب سيكون فيها؟ أليس النواب كلهم سواء في هذا الصدد؟
إنّ النواب، الذين قامت نيابتهم عن الشعب على أساس العائلة والدين والـمال والـخبرة في فن الـمداهنة السياسية، لا يـمكن أن يؤلفوا وزارة تخدم مصالح الشعب لأنهم ليسوا مـمن يفهمون مصالح الشعب، ولم يأتوا الـمجلس لـمثل هذا الغرض. فإن النائب الذي كان قبل الانتخابات يدور على الأقارب والأصدقاء ليجمعوا له الأنصار ليصل إلى نيابة تخوّله قوة سياسية يستخدمها لـمنفعته ومنفعة ذويه، ليس بالنائب الذي جاء الـمجلس ليقف مؤيداً حقوق شعبه الأساسية ومدافعاً عن مصالـحه الرئيسية، وإنـما هو النائب الذي إذا لم يكن في الوزارة أو لم يكن في الوزارة صديق له أو شريك ينزل عند رغباته في تعيين هذا الـموظف وذاك الـمأمور فيجب على الشعب أن يدرك أنّ الوزارة متلاعبة ولا تصلح لشيء. أما متى كانت الوزارة تتمّم أغراضه الـخاصة فسواء أكانت صالـحة لـحفظ حقوق الشعب ومصالـحه أم لم تكن فهي وزارة حسنة، وكل الذين يهاجمونها جماعة مشاغبين لـمنافعهم الذاتية ومآربهم الـخصوصية.
لقد آن للشعب أن يتنبه لهذه الشعوذة التي طال أمرها وكلّفته خسارة فرص ثمينة وموارد ثروة عظيمة، وأن يدرك أنّ السر ليس في سقوط الوزارة وقيام الوزارة بل في مـمثلي الشعب بأجمعهم وفي ما يـمثلون من مصالح خصوصية، هي الـمصالح الأولية التي يعنون بها، فهم ليسوا رجال قضايا اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية. وإذا عرضوا لشيء من ذلك فيكون من باب الصدفة أو من قبيل ذرّ الرماد في العيون حتى لا ترى الـمصيبة.
ولا نقول إنّ العدد لا أهمية له على الإطلاق فإن الـحكمة التي جعلت نواب لبنان ثلاثة وستين نائباً بدلاً من خمسة وعشرين هي حكمة تفوق إدراك هؤلاء الأطفال في السياسة، الطامعين إلى الـجلوس على كراسي النيابة. فإن البلبلة التي تنتج عن ثلاثة وستين نائباً تتنازعهم الأهواء الـجامحة لأعظم كثيراً من البلبلة الصادرة عن خمسة وعشرين نائباً تتنازعهم الأهواء الـجامحة. وهذه الزيادة قد رفعت إلى الـمجلس النيابي من لا يصح أن يجلسوا في بلديات القرى.
ولولا أنّ النيابة تقوم على القربى والـمنافع الفردية أو العائلية، بدلاً من أن تقوم على الـمبادىء الـمؤسسة على مصالح الشعب، لـما كنا نرى ونسمع هذه الـمظاهر والضجات حول لا شيء مـما يفيد الشعب.
إذا كان الشعب يريد تغيير الـحال فعلاً فعليه هو أن يسعى لهذا التغيير في نفسه في تقاليده وتعاليمه التقليدية واتـجاهاته الفكرية. والـحقيقة أنّ الـموقف البارد الذي وقفه الشعب اللبناني في ظروف عديدة من الـحوادث والـمسائل التي تـمسّ الأساس الـحقوقي القومي لشعب هو الذي أوصل شؤونه الـحيوية إلى هذا الدرك.
تذهب وزارة وتـجيء وزارة والـممثلون من الشركة نفسها، والـحكومة قائمة على الأساس عينه والأساليب عينها.