مـما لا شك فيه أنّ الـحكومة اليوم تترنح وأنها قد تسقط بين عشية وضحاها، أو قد تعود فتجد مستنداً جديداً في آخر دقيقة، لأن غرض الـحكم في بلادنا وأساليبه قد عوّدتنا العجائب.
في هذا الـموقف الـحكومي الدقيق تندفع الأوساط الـمجلسية والصحافية والـحزبية في تكهناتها وفي ارتقاب التطورات وإعداد العدة للمستقبل الـمنتظر. ومـما ذكر في باب التكهنات والـملاحظات أنّ فئة من الناس في بعض أحياء الـمدينة أخذت تعمل لاستثارة الهمم في سبيل الإبقاء على الوزارة، بحجة أنّ الـحملة الـمدبَّرة عليها أثيرت بقصد زحزحة السياسي الـمسلم عن كرسي الرئاسة وإحلال سياسي مسيحي محله. وبناءً على هذا الـخبر أعلنت إحدى الرصيفات أنّ النواب الـمسيحيين أنفسهم لا يرضون بديلاً عن مسلم لرئاسة الوزارة.
لا أدري ما هي الـميزة السياسية في الإسلام والـمسلمين حتى تصبح رئاسة الوزارة وقفاً عليهم، ولا ما هي الـميزة الـمدنية السياسية في الـمسيحية والـمسيحيين لتصبح رئاسة الـجمهورية ورئاسة الـمجلس النيابي وقفاً عليهم. ولكنني أدري أنّ تعيين الـمقدرة الأهلية للسياسة والـحكم بالدين هو ضرب من إحلال الدين محل القومية وسياسة الدولة، وأنّ هذا الأسلوب هو من أسوأ أساليب الـحكم وتـمثيل إرادة الشعب ومؤهلاته. وإنه أصلح الأساليب لإبقاء عقلية الشعب مفسخة، متناقضة، خالية من فهم الاتـجاه القومي الصحيح والعمل بسياسة قومية صحيحة تخدم مصالح الشعب.
أليس من باب السخافة في هذا العصر أن يتقرر مصير دولة بتحديد الإمكانيات والـمؤهلات في اللون الديني الذي يجب أن يكون لرئيس وزرائها ومدير دفة سياستها؟
نحن لا نبحث الآن في مصير الوزارة الـمقبلة، ولكننا نبحث في حاجات الشعب ومصيره الـمرتبط بسياسة الـحكم وأساليب هذه السياسة اللاقومية.
ولسنا ننتظر أن تنحلّ هذه العقدة في الظرف الـحالي، لأن الـمجلس كله وكل فرع من فروع إدارة الدولة يقوم على هذه الأساليب الـجانية على وحدة الشعب وحقه في الـحياة ومؤهلاته للتقدم. وإذا كان الشعب يريد أن يفرغ من هذه الرواية الـمتكررة والـمملة، رواية الـمسلم والـمسيحي، فهو لا ينتظر أن يفرغ منها في مجلس كهذا الـمجلس وإدارة كهذه الإدارة، فلا بد للشعب من ترك الرجاء بالتماثيل والأصنام ومن الأخذ بالنهضة التجديدية لتغيير الأساليب التي لم تعد تصلح لتمثيل مصالـحه وإرادته. يجب على الشعب أن يعمل بنفسه لنفسه، لا أن يقبل بـما يُعمل له.
سيرى الشعب اللبناني أنّ مسألة إسقاط وزارة ورفع أخرى لا تـحل مشاكله ولا توجد السياسة الصحيحة التي تخدم مصالـحه. فإذا سقطت الوزارة الـحاضرة قريباً فسيبتهج الكثيرون الذين لا مصلحة خصوصية لهم في بقائها، وسيحزن الكثيرون الذين تذهب مصالـحهم الـخصوصية بذهابها. ولكن ماذا سيحدث لـمصالح الشعب اللبناني الأساسية من وراء تغيير الوزارات.
إنّ الشعب اللبناني محتاج، ليس فقط لتغيير الوزارات، بل لتغيير كل الـحالة التمثيلية الإدارية من أساسها. فكل تغيير لا يكون في الأساس في الـمبادىء والأشخاص لا يعطي غير النتائج التي يئن الشعب منها.
إنّ سياسة «يجب أن يكون ابن عمي في الـمجلس، لأني أنتفع من وجوده بتوظيف أو بتسهيل مصالح نفعية» هي سياسة تؤدي إلى ترك مجموع مصالح الشعب الرئيسية، التي هي مصدر ثروته العامة وإمكانيات تقدمه وارتقائه، سبيل بعض الـمنافع العارضة الزائلة.
الـحكومة تزول والـحكومة التي ستحل محلها تتألف من أعضاء مجلس هذه الـحكومة الزائلة. فالـحالة ستبقى كما هي في الأساس.
وسواء أبقيت الوزارة أم سقطت فواجب الشعب تـجاه حياته ومصالـحه يقضي عليه أن يشيح بوجهه عن الشعوذات السياسية والألاعيب البهلوانية، التي كانت تستهوي أبصاره فيترك قيام الوزارة وسقوط الوزارة ومسألة الـمسلم والـمسيحي ويتجه بكليته نحو الـحياة القومية الصحيحة وتأسيس الـحكم عليها.