يرى القارىء في «نهضة» أمس نص الـحديث الذي دار بين رئيس الوزارة الشامية [جميل مردم بك] وبين مراسل الـجريدة التركية جمهوريت والـحديث خطير جداً، لأنه يرينا سياسة الرجال الـحاكمين اليوم واتـجاهاتهم.
في هذا الـحديث ينقض رئيس الوزارة الشامية مبدأ الـجامعة العربية، لا من أجل مبدأ القومية السورية وحق سورية في الـحياة والعناية بـمصالحها، بل من أجل أنّ «أتاتورك» موجد الـحلف الشرقي لـمصلحة تركية «ليس للترك فحسب، بل هو أبو الشرق أيضاً.»
رئيس الوزارة الشامية، التي يبتلع أتاتورك على عهدها لواء الإسكندرونة يقرّ الـمطامع التركية في سورية ويقول: « ليس أتاتورك للترك فحسب، بل هو أبو الشرق أيضاً». ولـمّا كان رئيس الوزارة الشامية لا يـمون من الشرق إلا على سياسة حكومته الشامية فهذا يعني أنّ الـحكومة الشامية تعتبر أتاتورك أباً لها.
أهذا هو التمثيل الكتلوي لـمصالح الأمة السورية الـمتضاربة مع الـمطامع التركية في سورية، ومع استعدادات الأتراك على الـحدود لـخرق الـحدود عند أول نهزة وإعادة الكرّة على الأمة السورية لإخضاعها للسيادة التركية؟
أبهذه النتيجة الزرية ينتهي «جهاد» الكتلويين «الوطني» الذي أقلقوا راحة الأرض والسماء تبجحاً به؟
الـحقيقة أنه لو أنّ مذياعاً من أكبر مذاييع الترك شاء أن يقوم لتركية بدعاوة قوية في سورية لـما تـمكن من ابتداع مثل العبارات التي ابتدعها رئيس الوزارة الشامية لـمصلحة تركية.
وبعد فمن يدري؟ فلعل الـحكمة في تصريح رئيس الوزارة الشامية أنه «عروبي» وأنّ سورية ومصيرها ومصالـحها لا تهمّه، لأنه ما هي سورية ومصالـحها بالنسبة إلى العروبة؟
لا يـمكننا أن نعدَّ تصريح رئيس الوزارة الشامية إلا نوعاً من أنواع الزلفى الـممقوتة التي تُنزل من كرامة الأمة السورية ومن هيبة حكومتها. ومهما كانت مبررات رئيس الوزارة الشامية وقيمة الشؤون التي يحاول تسويتها مع تركية فهي لا توازي هذا التحقير للشخصية السورية وهذا التزلف لرئيس دولة أجنبية.
أما اعتقاد دولته أنه لولا أتاتورك لكان الشرق صار هباءً منثوراً في الفضاء فمن أغرب آيات السخافة السياسية.
والظاهر أنّ دولة الرئيس يعتقد أنّ بقاء كيليكية ضمن حدود سورية الـمشمولة بالانتداب الفرنسي [...] وإمكان استثمار هذه النكبات التي نزلت بـ «الشرق» وقام أتاتورك فدفعها عنه.
والظاهر أيضاً أنّ رئيس الوزارة الشامية قد كبّر «الشرق» وعظّمه بالعمل على ابتلاع لواء الإسكندرونة. ولولا هذا الطغيان على حدود سورية الشمالية ماذا كان حل بـ «الشرق»؟
مـما لا شك فيه أنّ رئيس الوزارة لم يراعِ موقف الأمة وكرامتها ومصلحتها حين قام بهذه الدعاوة التركية القوية. وإذا كان هو لم يقصد النتائج الـخطيرة الـمترتبة على هذا التصريح الـمشؤوم، فأين مسؤوليته تـجاه الأمة التي يقوم على تـمثيلها وتوجيه ساستها؟
إننا نأسف جداً لصدور مثل هذا التصريح من رئيس الوزارة الشامية ونقول إنه غير متفق مع موقف الأمة السورية وروحيتها واتـجاهها. فسورية تنهض معتمدة على نفسها وليست بحاجة إلى أب تركي أو غيره.
إذا كانت السياسة الكتلوية تقول بضرورة وجود «أب حنون» للشام فهي تقلد سياسة القول بضرورة وجود «أم حنون». ولـمّا كانت السياسة الكتلوية تظهر الآن بهذا الـمظهر الـجلي فنحن نفهم الآن لـماذا تضمر العداوة للسياسة القومية.