أعلنت بعض صحف الحاضرة منذ أيام أنّ الأديبة السورية المصرية الذائعة الصيت «مي» ستخرج من مستشفى ربيز في بيروت إلى منزل تتخذه لنفسها، لتعود إلى حياتها الأدبية والاجتماعية التي اشتهرت بها.
كان هذا الخبر بسيطاً جداً وساراً جداً للأوساط الأدبية التي باتت ترقب عودة الأديبة الكبيرة إلى الحياة التي تكاد تنساها وتنسى أنها موجودة وسجينة المستشفيات. وقد اهتمت النهضة اهتماماً خاصاً لهذا الأمر وأوفدت من يسأل عن موعد خروج «مي» من المستشفى فجاءها الجواب أنها لا تزال باقية الآن، ولا يعلم أحد إن كانت ستخرج من المستشفى!
وهذا الجواب كان كافياً لولا فضول الصحافي، الذي يجب أن يقف على جميع الحقائق الممكن الوصول إليها لإيقاف الرأي العام عليها، فسأل الموفد عن سبب إبقاء الأديبة في المستشفى ولكن لم يحصل على جواب صريح مقنع مما أثار الشك والاهتمام، وتبادر إلى ذهنه أنّ الأمر ليس بسيطاً بهذا المقدار، وأنه قد تكون الكاتبة الشهيرة سجينة لا مريضة!
معلومات أولية
أخذ الموفد يتقصى الحقيقة عن هذا الأمر الغامض فعلم أنّ الآنسة ماري زيادة كانت قبل أشهر في العصفورية «بتهمة» الجنون. وأنها نقلت إلى مستشفى ربيز الذي لا يصح أن يكون مصحاً للأمراض العقلية. والذي قد يكون في حالة مرض عقلي سجناً لا مصحاً، لأن المريض يكون فيه في غرفة مستوفية كل شروط الراحة للمريض العضلي ولكنها ليست ذات فائدة للمريض العقلي.
دفعت هذه الحقائق الأولية مندوب النهضة إلى الاستزادة من المعلومات واستطلاع الغوامض فعلم أنّ بعض الأدباء والمعارف قد أخذوا يهتمون لأمر هذه الأديبة الكبيرة، ويبذلون المساعي لإنقاذها من حالة السجن أو الحَجْرِ التي هي فيها، وأنّ المساعي كادت تتكلل بالنجاح ولكنها عادت فتعقدت بتدخل القنصلية المصرية على أثر زيارة قام بها نسيب الكاتبة «مي» الدكتور زيادة لهذه القنصلية، وادعاء مدير مستشفى ربيز أنه «تعهد لقنصل مصر» بألا يترك الأديبة «مي» تغادر المستشفى بناءً على أنّ قنصل مصر أشعر المستشفى بأنه هو المسؤول عن «مي» وأنه يطلب بقاءها في المستشفى!
قضية خطيرة تهم العدل؟
تـجاه هذه الـمعلومات وقف موفد النهضة مستغرباً، إذن ليست مسألة بقاء «مي» في مستشفى ربيز مسألة صحية فقط! فهنالك مناورات وتدخلات رسمية أو شبه رسمية لها أضلاع في الـموضوع الذي أصبح يبدو لنا قضية خطيرة تـجد النهضة من واجبها لفت نظر النيابة العامة في بيروت والـمفوضية العليا.
هل تكون «مي» الذائعة الصيت، التي غذّت الفكر والأدب في مصر وسورية والشرق العربي أجمع ضحية بعض التصرفات الغريبة التي قد تكون موضوعاً لذيذاً ومفيداً لاهتمام الأوساط الأدبية والقضائية في هذا الوطن؟
هل يجوز أن تبقى هذه الأديبة الكبيرة مهملة من الأوساط الأدبية والعدلية في بيروت، ومـمنوعة من استعادة حريتها وهي التي ما أهملت مسائل الـمجتمع وشؤونه الروحية والعقلية «النفسية» مرة واحدة.
إنّ من حق الرأي العام في سورية أن يعلم ما هو سبب إبقاء الآنسة «مي» محجوراً على حريتها الشخصية وفي مستشفى لا مرض فيها تعالج فيه.
معلومات جديدة
دفعت هذه الأسئلة وغيرها موفد النهضة إلى متابعة استقصاءاته فعلم أنّ بين الذين اتصلوا بالآنسة «مي» وقدموا خدماتهم الأديب السوري الكبير أمين الريحاني.
واطّلع الـموفد على الحقائق الآتية:
1 - جاءت «مي» بيروت عملاً بإشارة نسيبها الدكتور زيادة وبقيت في بيته مع أولاده مدة بضعة أشهر.
2 - بعد ذلك أُرسلت إلى مصح العصفورية بداعي أنها «مسرسبة» فبقيت هناك شهوراً طويلة.
3 - نُقلت منذ نحو ثمانية أشهر إلى مستشفى ربيز حيث هي باقية من غير أن تدري سبب بقائها.
4 - تنبّه بعض الأدباء وبعض من اتصل بهم ما وصلت إليه هذه الأديبة لقضيتها. فتدخلوا لـمصلحتها وطلبوا من نسيبها الدكتور زيادة نقلها إلى منزل خاص بها. فلم يـمانع وعرض عليهم تـحويلاً لتوقّعه هي فامتنعت عن ذلك لأسباب يجب الوقوف عليها.
5 - قيل فيما بعد إنّ الدكتور ربيز يـمانع في إخراجها من الـمستشفى. ولكنه عاد فقبل أن تخرج بعد أن أعطى الدكتور جورج خياط تقريراً بأنه لا يـمانع من أن تتخذ منزلاً لإقامتها.
6 - قيل أيضاً إنّ الأستاذ أميـن الريحاني خابر القنصلية الـمصرية في شأنها، إذ قيل إنّ القنصل قد يعترض على إطلاق حريتها، وإنّ القنصل لم يرَ مانعاً وإنه يعتبر الكاتبة مطلقة التصرف. وقيل أيضاً إنّ القنصلية الـمصرية عادت فتدخلت فيما بعد وطلبت إبقاء «مي» في الـمستشفى وإنّ مدير الـمستشفى، الذي هو غير الدكتور ربيز، تعهد للقنصل بأن يبقيها فيه.
الـخلاصة
يظهر من كل ما تقدم أنّ قضية الأديبة الكبيرة قضية غامضة فيها حواشٍ كثيرة ولها ذيول جرارة بين مصر وسورية.
والذي نعتقد أنه يهمّ الرأي العام هو:
1 - ما شأن القنصلية الـمصرية في حرية «مي» الشخصية وبناءً على أي حق تتدخل القنصلية الـمصرية مباشرة في حرية شخص من غير الالتجاء إلى الطرق القانونية التي توجب مراجعة السلطات القضائية اللبنانية أو الـمفوضية الفرنسية؟
2 - ما هو الداعي لـحجز حرية كاتبة كبيرة يقول أطباء لهم وزنهم إنه لا داعي لهذا التدبير؟
3 - إذا كانت أسباب الـحجز على «مي» بداعي الوساوس أو «السرساب» فهذا الداعي لا يـمكن الاعتماد عليه بدليل أنّ كل الناس موسوسون أو «مسرسبون» من بعض الـجهات.
4 - إذا لم يكن هنالك غير «السرساب» فيجب إطلاق حرية الكاتبة الكبيرة في الـحال.
5 - يجب على النيابة العامة ألا تسكت على هذا الـموضوع.
6 - أن تستوثق الـمفوضية من حق القنصلية الـمصرية في التدخل الـمباشر في الـحجز على الكاتبة الكبيرة.