مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
​المقدمة
 
 
 
 
إنّ الوجدان القومي هو أعظم ظاهرة اجتماعية في عصرنا، وهي الظاهرة التي يصطبغ بها هذا العصر على هذه الدرجة العالية من التمدن. ولقد كان ظهور شخصية الفرد حادثاً عظيماً في ارتقاء النفسية البشرية وتطور الاجتماع الإنساني. أما ظهور شخصية الجماعة فأعظم حوادث التطور البشري شأناً وأبعدها نتيجة، وأكثرها دقة ولطافة وأشدها تعقداً، إذ إنّ هذه الشخصية مركّب اجتماعي - اقتصادي - نفساني يتطلب من الفرد أن يضيف إلى شعوره بشخصيته شعوره بشخصية جماعته، أمته، وأن يزيد على إحساسه بحاجاته إحساسه بحاجات مجتمعه، وأن يجمع إلى فهمه نفسه فهمه نفسية متحده الاجتماعي، وأن يربط مصالحه بمصالح قومه، وأن يشعر مع ابن مجتمعه ويهتم به ويود خيره، كما يود الخير لنفسه.
 
كل جماعة ترتقي إلى مرتبة الوجدان القومي، الشعور بشخصية الجماعة، لا بد لأفرادها من فهم الواقع الاجتماعي وظروفه وطبيعة العلاقات الناتجة عنه. وهي هذه العلاقات التي تعيّن مقدار حيوية الجماعة ومؤهلاتها للبقاء والارتقاء، فبقاؤها غامضة يوجد صعوبات كثيرة تؤدي إلى إساءة الفهم، وتقوية عوامل التصادم في المجتمع، فيعرقل بعضه بعضاً، ويضيّع جزءاً غير يسير من فاعلية وحدته الحيوية، ويضعف فيه التنبه لمصالحه وما يحيط بها من أخطار من الخارج.
 
وإنّ درساً من هذا النوع يوضح الواقع الاجتماعي الإنساني في أطواره وظروفه وطبيعته ضروري لكل مجتمع يريد أن يحيا. ففي الدرس تفهُّم صحيح لحقائق الحياة الاجتماعية ومجاريها. ولا تخلو أمة من الدروس الاجتماعية العلمية إلا وتقع في فوضى العقائد وبلبلة الأفكار.
 
على أنه ليس كل درس اجتماعي درساً مفيداً. فإن من الدروس ما هو كتبي أو مدرسي، فيكون مجموعة مواد عامة أو معلومات أولية لا تساعد على تقرير نظرة أو معرفة طبيعة واقع اجتماعي معين. وليس عالماً اجتماعياً ولا خبيراً بالاجتماع من درس مواد علوم اجتماعية مدرسية منظمة تنظيماً خاصاً في جامعة معينة وأدى عن دروسه امتحاناً نال به لقب مخرج أو دكتور أو غير ذلك.
 
ومنذ ألَّف ابن خلدون [1332 - 1406م] مقدمة تاريخه المشهورة، ووضع أساس علم الاجتماع، لم يخرج في اللغة العربية مؤلف ثانٍ في هذا العلم، فظلت أمم العالم العربي جامدة من الوجهة الاجتماعية، يتخبط مفكّروها في قضايا أممهم تخبطاً يزيد الطين بلة. ولا نكران أنّ الكاتب الاجتماعي السوري نقولا حداد وضع مؤلفاً معتدل الضخامة أسماه علم الاجتماع [القاهرة، 1924م]. ولكن هذا الكتاب من النوع المدرسي ولا يأمن قارئه الشطط. وهو مع ذلك المحاولة الأولى من نوعها، على ما أعلم، لفتح طريق علم الاجتماع الحديث.
 
ولفقر اللغة العربية في المؤلفات الاجتماعية نجدها فقيرة في المصطلحات الاجتماعية العلمية. فوضعت في هذا الكتاب مصطلحات جديدة أرجو أن أكون قد توفقت في اختيارها للدلالة على الصفة المعينة، كقولي: «الواقع الاجتماعي» و«المتحد الاجتماعي» و«المناقب» و«المناقبية» (للمورال) [Moral].
 
إنّ نشوء الأمـم كتاب اجتماعي علمي بحت تجنبت فيه التأويلات والاستنتاجات النظرية وسائر فروع الفلسفة، ما وجدت إلى ذلك سبيلاً. وقد أسندت حقائقه إلى مصادرها الموثوقة. واجتهدت الاجتهاد الكلي في الوقوف على أحدث الحقائق الفنية التي تنير داخلية المظاهر الاجتماعية وتمنع من إجراء الأحكام الاعتباطية عليها.
 
وقد فرغت من تأليف الكتاب الأول وأنا في السجن، بين أوائل فبراير/شباط وأوائل مايو/أيار 1936 وكنت قد كتبت الفصول الأولى الثلاثة قبل دخول السجن.
 
وكنت أود أن أعود إلى مراجعة هذا الكتاب في متسع من الوقت ليجيء أكمل في الشكل ويكون أكثر إسهاباً في بعض المواضع، ولكن تعاقب السجون والظروف السياسية الصعبة التي وجدتني فيها بعد سجني الأول جعلت العودة إلى هذا الموضوع العلمي أمراً مستحيلاً. ولـمّا كانت حاجة النهضة القومية إلى هذا الأساس العلمي ماسّة رأيت أن أدفع المخطوطة الوحيدة إلى المطبعة وهي في حالتها الأصلية، كما خرجت من السجن.
 
أما الكتاب الثاني من هذا المؤلَّف فقد درست معظم مواده ووضعت له الـملاحظات والـمذكرات وهذه جميعها صودرت أثناء الاعتقالات الثانية في صيف 1936 وسأسعى للحصول عليها من المحكمة، لأنها أوراق شخصية لا دخل لها في القضية، وأنتهز الفرصة لتأليف الكتاب الثاني.
 
ومهما يكن من الأمر فالكتاب الأول جامع مستوفٍ الوجهة العامة من نشوء الأمـم بجميع مظاهرها وعواملها الأساسية. ومع أنّ نشر هذا الكتاب الأول لا يسد الحاجة إلى الكتاب الثاني فهو يسد الحاجة إلى كتاب في نشوء الأمـم بوجه عام.
 
يتناول الكتاب الأول تعريف الأمة وكيفية نشوئها ومحلها في سياق التطور الإنساني وعلاقتها بـمظاهر الاجتماع. ويشتمل الكتاب الثاني على نشوء الأمة السورية ومحلها في سياق التطور الإنساني وعلاقتها بالأمـم الأخرى وبالاتـجاه العام.
 
عسى أن يفي هذا الـمؤلَّف بالغرض الذي وضع لأجله فيوضح من حقائق الاجتماع ما يجلو الغوامض في فهم الأمـم والقوميات.
 
25 سبتمبر/أيلول 1937
     أنطون سعاده
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro