في العدد الثاني والعشرين من الزوبعة أظهرنا مثلاً باهراً كيف يعيش أدباء «كبار» على أدب مفكرين عظماء، وكان المثل فضيحة الشاعر الفلسفي أبـي العلاء المعري في أخذه المعاني الشعرية التصويرية عن الشاعر المفلق إيليا أبـي ماضي. وقد بيّنا في العدد المذكور (ص 239 - 240 أعلاه) أنه لا يوجد عذر يقي أبا العلاء عار هذه الفضيحة. واليوم نعلن للقراء اكتشافنا فضيحة جديدة من هذا النوع صاحبها أنطون سعاده مؤسس النهضة السورية القومية. ففي مراجعتنا العدد 23 من الزوبعة الذي يحمل مقالة تكشف تحامل محرر السمير على الزعيم والحزب السوري القومي وصحفه وقف نظرنا عند الفقرة التي نقلناها عن «يوميات» إيليا أبـي ماضي في السمير وهي هذه:
«الأمم كلها تنتظر ما يكون (من وراء الحرب بين ألـمانية وبريطانية)، لأن سعادتها وشقاءها متوقفان على نتيجة المعركة القادمة. وإذا لم تقع المعركة وتمَّ الصلح فعلى الصلح الذي ستكتب شروطه يتوقف مصير الأمم كلها. كبراها وصغراها. الحرة منها والمستعبدة.
«إنما الأمم التي تنتظر الخاتمة تستعد وتتأهب لها سواء جاءت عند رضاها أم جاءت على غير ما تحب.
«أما نحن فإننا لم نفعل شيئاً بعد ولم نهيّء لأي أمر عدّته.
«ليس لنا فكرة نسعى لإدراكها.
«ليس لنا هدف نجاهد لبلوغه.
«ليس عندنا هيئة تمثلنا أو تعبّر عن رغباتنا، بل كل ما هنالك آراء وأحلام تلمع هنا وهناك ثم تختفي هنا وهناك فلا يشعر بها أحد حتى نحن (الشعراء المفلقين!).
«ألسنا أمة كباقي الأمم؟
«بلى، ولكن أين أهدافنا التي نسعى إليها؟»
(السمير - أول أغسطس/آب 1940)
وقف نظرنا عند هذا الكلام الرائع فلم نتمالك من التسبيح باسم إيليا أبـي ماضي، مبدعه العظيم، سبحانه وتعالى جده، إذ بكلمات قليلة يقدر أن يقتل أملاً في نفوس كثيرة بسيطة ترجو أن تجد فرجاً أو أن تهتدي إلى حقيقة تنقذها من الفوضى. ثم رجع بنا الفكر إلى مبادىء الحزب السوري القومي وفلسفته التي جمعت غاية واضحة، ونظرة جديدة إلى الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ومُثلاً عليا جديرة بشعب حي ناهض، وحركة تعمل ليل نهار لإنشاء مجتمع جديد على هذه الفلسفة الجديدة، فإذا جميع هذه الحقائق تتحول أمام أعيننا إلى «آراء وأحلام تلمع هنا وهناك ثم تختفي هنا وهناك فلا يشعر بها أحد من الأموات»!
فكـرة وحـدة الوطـن الأرضيـة وحـدوده الجغرافية صـارت عندنـا مجرّد «رأي» أو وهم.
عقيدة وحدة الأمة وارتباطها بالوطن صارت خرافة نأسف للوقت الذي أضعناه في سبيلها.
نظرة الحقوق القومية ومصالح الأمة أصبحت حلماً يلمع هنا وهناك ثم يختفي.
نظرة الشخصية القومية أمست خرافة.
مبدأ إلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج وإنصاف العمل وصيانة مصلحة الأمة والدولة، هذا المبدأ الذي اعتقدنا أنه يضع أساس مجتمع صحيح يقوم على العدل الاجتماعي - الاقتصادي، الذي يضمن فلاح المجتمع وارتقاءه، صار لغواً.
جميع مبادىء هذه النهضة العظيمة باتت كأنـها لم تكن ولم تبقَ لها أية حقيقة في نفسها. ولماذا؟
ج - لأن المفكّر المبدع إيليا أبـي ماضي يقول إنه لا أهـداف ولا فكـرة ولا بلـوط عندنا!
ومع أننا لا نجد أي تحليل منطقي لما يسميه محرر السمير المتعالي «آراء وأحلام تلمع هنا وهناك ثم تختفي هنا وهناك فلا يشعر بها أحد حتى نحن»، يجعلنا نصدق هذا الحكم الإلهي، فلا قوة لنا تمسكنا عن الاندفاع مع سحر بيانه. فيكفي أن يقول إيليا أبو ماضي إنه لا أهداف ولا غاية لنا حتى نصدق ونؤمن، خصوصاً حين يكون قوله مشفوعاً بألفاظ وعبارات نظمية لها رنة في الآذان تعطل قوة العقل.
وعبثاً حاولنا أن نتملص من سحر بيان إيليا أبـي ماضي بالتساؤل: من أية وجهة تقلّ مبادىء العقيدة السورية القومية وأهدافها عن عقائد الأمم الحية الأخرى وأهدافها؟
أليست مبـادىء الحـزب السـوري القومـي من أقـوى المبادىء الموجـودة في العالم اليوم؟
ألـم يتأسس الحزب السوري القومي من البدء على فلسفة شاملة لم يحصل على مثلها الحزب الفاشستي في إيطالية في مدة عمله قبل الوصول إلى السلطان ولا يزال مقصراً عنها اليوم؟
أليست مبادىء الحزب السوري القومي أرسخ وأقوى جوهراً من مبادىء الحزب الاشتراكي القومي في ألـمانية؟
أليست مبادىء الحزب السوري القومي أقوى من كل ما كان لفرنسة على أبواب الحرب ومن كل ما حاولت فرنسة أن تنشئه بعد سقوطها، حتى أنّ بعض خطابات المارشال بتان والأميرال درلان والجنرال ديغول تشبه خطب صبيان يتمرنون على الخطابة بالنسبة إلى خطب سعاده؟
أليست مبادىء الحزب السوري القومي ونظرياته السياسية والاقتصادية أقوى من كل ما وضعه سياسيو بريطانية من النظريات والقواعـد لاتجاههم ولتوحيـد الشعـب البريطاني؟
من أية ناحية تقلّ عقيدة الحركة السورية القومية وأهدافها عن أية عقيدة وأهداف موجودة في أمة من أمم العالم، كبراها وصغراها؟
كل هذه السؤالات كانت عبثاً! فظلت عبارات محرر السمير تهتز أمام أعيننا فتارة تقترب وطوراً تبتعد وآناً تصغر وحيناً تكبر، حتى لم نعد نرى شيئاً غيرها فقلنا: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
وفيما نحن تحت عامل سحر سفسطة أبـي ماضي التي بزّت روعتها روعة كل فلسفة وحكمة، ومن جملتها حكمة يسوع الناصري الذي قال «لا تعطوا القدس للكلاب ولا تلقوا جواهركم قدام الخنازير لئلا تدوسها بأرجلها وترجع فتمزقكم» [متى 6:7] وداست الجواهر ورجعت إلى أصحاب العقائد لتمزقهم، فيما نحن نتأمل هذه السفسطة تراءى لنا أننا قرأنا من قبل شيئاً شبيهاً بها في الشكل مختلفاً عنها في الأساس والقصد. فأقبلنا على الذاكرة واجتهدنا في التنقيب حتى عثرنا على بغيتنا ووقفنا على فضيحة أدبية جديدة تفوق فضيحة المعري. وهي تتعلق، هذه المرة، بشخص كنا نعدّه مفكراً مبدعاً وذا مخيلة عبقرية هو، أنطون سعاده.
نعم، أنطون سعاده. فقد غزا سفسطة أبي ماضي ومسخها وحوّلها إلى نوع من التفكير الفلسفي المسبوك في شكل تساؤل موقظ للوجدان الاجتماعي منبّه للوعي القومي.
وكان في غزوه مقلداً لغزو المعري شعر أبي ماضي فنشر تفكيره الفلسفي قبل أن يتمكن أبو ماضي من إعلان سفسطته في جريدته بنحو ست سنوات، إذ وجّه، في الخامس من شهر يونيو/حزيران سنة 1934، نداءً من بيروت إلى الجالية السورية في البرازيل بمناسبة وفاة والده العلاّمة الدكتور سعاده نشرته جريدة الرابطة - سان باولو في عددها الصادر في 28 يوليو/تموز 1934. وقد جاء في هذا النداء، الذي أعيد نشر بعض فقراته في سورية الجديدة سنة 1940 ما يلي:
«يا بني وطني،
«إنّ هذا العصر الذي نعيش فيه والذي سيعيش فيه أولادنا إنَّما هو عصر تنازع الأمم، عصر تتقيد فيه الأفراد والجماعات بمصائر أممها. فإذا كانت الأمة ناهضة، راقية، متقدمة في ميدان الحياة كان لأفرادها وجماعاتها مقام وكرامة على نسبة ذلك. وليس بين أمم العالم وشعوبها أمة أدرى منّا نحن السوريين بنتائج مصائر الأمم على الأفراد، أو شعب أكثر منّا اختباراً لحاجة الأفراد والجماعات إلى كيان قومي معزّز. ذلك أنّ وطننا الذي هو تراثنا وأساس وجودنا القومي كان في أكثر أزمنة التاريخ عرضة للغزوات الخارجية من الجهات الأربع فكانت هذه الغزوات تفكك ما كان قد اتصل والتحم، وتخرب ما كان قد بُني، وتقطع ما كان قد نما، حتى بتنا مفرّقين، مشردين، غرباء في الأقطار البعيدة، غرباء حتى في وطننا الجميل النادر المثال، نُرمى هنا وهنالك بما نحن براء منه، ونُجبر هنا على أخذ ما لا نريد أخذه، ويؤخذ منا ما لا نريد إعطاءه، ونحن قد اتخذنا، في كل ذلك، الصبر معقلاً وما أوهنه حصناً، وركناً إلى قوة القول والقول قوة تذهب في الريح.
«إذا كان هذا العصر عصر تنازع الأمم فهو إذاً عصر أعمال لا عصر أقوال. وإذا كان لا بد من القول فيجب أن يكون مدعوماً بالقوة العملية ليكون من ورائه نفع أو نتيجة هيولية محسوسة. ونحن أمة واقفة الآن (تنبُّؤ بالمستقبل) بين الموت والحياة ومصيرها متعلق بالخطة التي نرسمها لأنفسنا والاتجاه الذي نعيّنه.
«ويتراءى لي أنّ أمتنا كانت منذ عصور قديمة جداً أمام عدة مسائل تتطلب أجوبة صريحة هي:
«هل نحن أمة حية؟
«هل نحن مجموع له هدف في الحياة؟
«هل نحن قوم لهم مثل عليا؟
«هل نحن أمة لها إرادة واحدة؟
«هل نحن جماعة تعرف أهـمية الأعمال النظامية؟
«ويتراءى لي أنّ هذه المسائل وأمثالـها لا تزال ماثلة أمامنا (قبل إعلان مبادىء الحركة السورية القومية التي كانت في ذلك العهد فئة قليلة تعمل في الخفاء). ولن يكون لنا لون معروف ولا منزلة ثابتة حتى نكون قد أجبنا عليها أجوبة عملية (إعداداً للرأي العام لفهم الحركة القومية المزمعة أن تُعلن ومبادئها).
«وبديهي أنّ الحياة يجب أن تكون حياتنا نحن، والهدف هدفنا نحن، والمثال مثالنا نحن، والإرادة إرادتنا نحن، وإلا فنحن ندّعي ما ليس لنا حق فيه ونطلب أن ننال ما لا نريد أن نعمل له، وهو أمر غريب فيه من العجب ما فيه!
«يا بني أمتـي،
«إنّ أول اعتماد الأمم في الحياة على نفسها. وفي النزاع الهائل القادم (إدراك للمستقبل قبل حلوله) سيكون الاعتماد على النفس فصل الخطاب. فالأمم التي اعتمدت على نفسها وتجهَّزت بما يدفع عن كيانها بقيت وفازت، والأمم التي علّقت آمالها على المقامرة والمضاربة في الشؤون السياسية معتمدة على قوات ليست لها وواضعة ثقتها في تدابير خارجية صادرة عن إرادة خارجية سقطت وتلاشت.
«ويحسن بنا في هذا الزمن العصيب أن نذكر دائماً أننا على قيد خطوة من حرب جديدة لا يدري أحد ما تكون نتيجتها، وإنما ندري نحن أنّ وطننا سيكون مرسحاً من مراسحها وأنّ أمتنا ستكون من جملة الأمم المقدمة الضحايا فيها، وهذا أمر لا بد أنه واقع أردنا أم أبينا فماذا أعددنا للساعة الآتية؟
«إنّ هذا النداء الذي أوجهه إلى الجالية السورية في البرازيل إنما هو ناتج عما أشعر به هنا والواقع تحت نظري من حاجة الأمة السورية والوطن السوري إلى الاستمرار في النهضة القومية (التي تأسست سراً لنحو سنتين خلتا من تاريخ هذا النداء) التي تنقذهما من الفوضى الداخلية والمطامع الخارجية.
«إنّ ندائي إلى الجالية السورية في البرازيل (وإلى جميع المهاجرين ضمناً) هو نداء إلى العمل القومي - إلى التعاون بإخلاص على توليد قوة روحية ومادية يمكننا أن نعتمد عليها.»
هذا هو كلام أنطون سعاده في سنة 1934، أي بعد مرور سنة وستة أشهر على تأسيسه الحزب السوري القومي. والحق يقال إننا كنا نعدّ هذا الكلام في منزلة نبوءة ونرى فيه نظرة الزعيم السامية وفكر الفيلسوف. وكنا نحسب الأسئلة التي وضعها أمامنا لنجيب عليها قبل فوات الأوان من أدق الأساليب النفسية في بسط قضية فلسفية اجتماعية تشمل الفرد والمجتمع وترابطهما.
أما الآن، بعد أن قرأنا سفسطة إيليا أبـي ماضي الجميلة، الهدامة، المعدمة الأمل التي نشرها في أول أغسطس/آب سنة 1940 فقد صرنا نرى كم هي حقيرة فلسفة سعاده التعميرية، وكيف أنه نقلها عن سفسطة أبـي ماضي بعد أن مسخها مسخاً!
إنّ أبا ماضي قال إنّ «الأمم التي تنتظر الخاتمة تستعد وتتأهب لها، أما نحن فإننا لم نفعل شيئاً بعد ولم نهيّىء لأي أمر عدّته»، فأخذ سعاده هذه الفكرة عن أبـي ماضي قبل أن يقولها بست سنوات ونيف! ولم يجعلها كما جعلها أبو ماضي في مقام من ينعي على الشعب بل غيّر وبدل وجعلها في محل تنبيه الأمة إلى الخطر المقبل قبل مجيئه، وإلى الناحية التي يجب أن يتجه إليها الفكر والشعور! وذلك بقوله «ونحن أمة واقفة الآن بين الموت والحياة ومصيرها متعلق بالخطة التي نرسمها لأنفسنا والاتجاه الذي نعيّنه.» وقد دل سعاده على الاتجاه الصحيح للحياة القومية في الأسئلة التي وضعها أمامنا لنجيب عليها. أما أبو ماضي فقد عرك هذه الأسئلة عركاً ورمى كل قيمة روحية فيها إلى الأرض، وسحق في قلوب قارئيه كل تهيئة نفسية حملتها الأسئلة المذكورة إليهم ليكونوا مستعدين لقبول المبادىء القومية متى أعلنت لهم، وقال، بعد أن أعلنت الفكرة والأهداف القومية بعدة سنوات: «ليس لنا فكرة نسعى لإدراكها وليس لنا هدف نجاهد لبلوغه» فإذا بأبـي ماضي سفسطائي عظيم يقتل الفلسفة ليحيي السفسطة، ويطمس النداء إلى العمل القومي الذي أصبح جلياً بعد ظهور الحزب السوري القومي بالقول إنه لا سعي لنا ولا فكرة نسعى إليها!
وبعد أن يطمس أبو ماضي على الحقائق الفلسفية بسفسطته الإنكارية، يمكنه أن يقول إنه يفهم أكثر من غيره فلا توجد فكرة لنا ولا حركة عندنا!
لم يقتصر ما عرفناه من نقل سعاده فلسفته الإنشائية السخيفة عن سفسطة أبـي ماضي الجوهرية على هذا الحد، بل تناول أيضاً بعض خطب الزعيم المتأخرة التي كنا حتى الآن نظنها آية في الفهم العميق للمسائل الإنترناسيونية وبُعد النظر السياسي، فإذا هي مسخ عن أفكار محرر السمير، وإليك المثل:
في النداء الذي وجّهه الزعيم، في 31 مايو/أيار 1939، إلى السوريين القوميين والأمة السورية ونشر في المهجر نشراً واسعاً، ونشرته سورية الجديدة في يونيو/حزيران من تلك السنة قال سعاده: «أما الآن فأشعر أنّ العالم يتجه بسرعة نحو موقف فاصل توضع فيه مقدرات الأمم في محكمة القوة أو محكمة حق المصالح.» وفي ختام هذا النداء القوي الروحية قال سعاده:
«إنّ هذه الظروف فاصلة مهما كانت الطريقة التي ستُتّبع في حل الأزمة الإنترناسيونية. ولست أرى لحل هذه الأزمة سوى طريقتين: إما طريقة تسليم الإمبراطوريات المحافظة بمبدأ إعادة النظر في توزيع موارد العالم وقبولها التنازل عن حصص كبيرة للإمبراطوريات المتجددة. وفي هذه الحالة تُحسب سورية في جملة الموارد التي يُنظر في توزيعها. وإما طريقة الالتجاء إلى الحرب في التنازع على هذه الموارد.»
إنّ هذا الكلام الدال على إدراك عالٍ للقضايا الاجتماعية - الاقتصادية في العالم، الذي قاله سعاده سنة 1939 وكنا نظنه من ابتكاراته وقوة تصوره، ليس في الحقيقة سوى اقتباس عن الكلام الذي قاله أبو ماضي في سنة 1940، خصوصاً هذه العبارة:
«الأمم كلها تنتظر ما يكون (من وراء الحرب التي أنبأ بها سعاده)، لأن سعادتها وشقاءها متوقفان على نتيجة المعركة القادمة. وإذا لم تقع المعركة وتمَّ الصلح فعلى الصلح الذي ستكتب شروطـه يتوقـف مصير الأمم. كبراهـا وصغراها. الحـرة منهـا والمستعبدة.»
هذه هي السفسطة التي تُعجز الفلاسفة، وبناءً على نتيجة هذه التحقيقات القليلة، يجب أن نحكم أنه إذا كان أنطون سعاده فيلسوفاً عظيماً وسياسياً قديراً فإن إيليا أبـي ماضي سفسطائياً عظيماً وثرثاراً جاهلاً. وكان على سعاده أن لا يقتبس نظريات أبـي ماضي من غير ذكر لصاحبها الحقيقي. وهو لا يمكن أن يدّعي أنّ نظرياته غير مقتبسة وممسوخة عن نظريات أبـي ماضي السحرية، لأن أبا ماضي أكبر منه سناً وشهرته لا تجيز إغفال كتاباته وأقواله!