الشاعر السوري الرقيق، إيليا أبو ماضي، هو أحد كبار الشعراء السوريين العصريين. وقد طار صيته في سورية ومهاجرها، وفي مصر والعراق أيضاً، يجري له ذكر كشاعر سوري كبير.
إذاً ليس أبو ماضي شاعراً خاملاً يجوز أن لا يسمع به أو أن يجهل شعره ومنزلته شاعر سوري آخر كأبـي العلاء المعري من المتقدمين وخليل مطران من المتأخرين. ولكن أبا العلاء المعري أجاز لنفسه ارتكاب هذه الزلة التي لا تغتفر. فتظاهر بأنه لا يعرف أنّ هنالك شاعراً اسمه إيليا أبو ماضي وأنه من الشعراء الذين لا يحسن إغفال شعرهم.
وأخذ عنه معنى شعرياً بديعاً وانتحله لنفسه معتمداً على الخرافة الشائعة عند الغربيين عن الأدب الصحيح، القائلة إنّ توارد الخواطر أمر يحدث بين عصر وعصر. أما المعنى الشعري الذي ابتكره أبو ماضي فهو هذا:
والـــطــــلّ غيرُ المـاس. إلا أنّـــهــــم
خُــدعــوا بــرقـرقـة الـنـدى عن مـاسـي
(الخمائل لم يبقَ غير الكاس).
فأخذ أبو العلاء المعري هذا المعنى الجميل ووضعه في بيت سقيم من النظم شوّه به جمال المعنى الأصلي، الخصوصي، الشخصي فجعله معنى عاماً لا يتعلق بشخصية الشاعر واعتزازه بأدبه. وهذا هو بيت المعري:
قـــد يـــفسـد الــفـــكــر في حـــالــــة
فــيــوهـــمك الـــدرّ قــطــرُ الســرى
(لزوم ما لا يلزم)
ونحن لم نتعرض لإيضاح هذا العبث إلا حرصاً منا على منزلة شاعر سوري كبير وحقوقه. فلا يمكن للمعري أن يدّعي أنه جاء قبل أبـي ماضي، لأنّ هذه الحجة يُعترض عليها بأن منزلة شاعر كأبـي ماضي مقررة قبل مئات السنين فلا يجوز أن يكون شاعر سامي الإدراك كالمعري قد جهل هذه المنزلة، فاختطافه المعنى الشعري من أبـي ماضي وهو بعد في عالم الغيب هو حيلة لا يمكن أن نعدّها له من باب «توارد الخواطر».