الحقيقـة التي يقـوم عليهـا كل يـوم دليـل جديـد هي أنّ مبـادىء الحركـة السوريـة القومية قد أصبحت المبادىء الوحيدة المقبولة عند السوريين على الإطلاق، حتى عند الذين يحاربون هذه الحركة ويتظاهرون كأنـهـم مخالفـون لعقيدتهـا، بينمـا هم يأخذون مبادئهـا ويعدّلون فيهـا بعض الألفـاظ التي لا تمس الجوهـر ولا تغيّر شيئاً من حقيقتهـا.
وأول هيئة حاربت الحزب السوري القومي فيما هي تأخذ مبادئه وتنظيماته كانت «الكتلة الوطنية»، التي ما كادت تشعر أنّ أنظار الشعب أخذت تتجه نحو الحزب السوري القومي حتى بادرت إلى إحداث تنظيمات للشباب شبيهة بتنظيمات الحزب السوري القومي، وأسـمت هذه التنظيمات «الشباب الوطني».
ثم كان حزب الوفد المصري أول هيئة خارج سورية سارعت إلى اقتباس حركة الحزب السوري القومي بإنشائها سنة 1936 تنظيمات «شباب الوفد».
ولكي لا يكون كلامنا من باب التبجح أو الإدعاء ننشر فيما يلي «دستور الشباب الوطني» الذي نشر في أبريل/نيسان سنة 1936 بعد تأليف لجنة بصورة مستعجلة قوامها الدكتور منير العجلاني الذي كان كتلياً وانقلب على «الكتلة» أكثر من مرة، والدكتور سيف الدين المأمون، الذي عرف عنه فيما بعد أنه بعد سجنه في أوائل الحرب الحاضرة دبّ الوجل إلى قلبه وأرسل من سجنه كتاباً يعلن فيه تأييده لفرنسة، والدكتور محمد السراج الذي كان قد وقف على مبادىء الحزب السوري القومي وخبر تنظيماته وهو بعد في فرنسة من الرفيق جورج حريكة الذي كان طالب هندسة في جامعة طولوز، والدكتور أحـمد السمان. وهذا هو دستور «الشباب الوطني» التابع لـ «الكتلة الوطنية»:
«دستور الشباب الوطني»
«المادة الأولى - «الشباب الوطني» هيئة قومية غايتها تحرير سورية الطبيعية وتوحيدها والعمل في سبيل تقارب البلاد العربية واتحادها.
«المادة الثانية - «الشباب الوطني» هيئة تدرس الأوضاع والأحوال السياسية وتوجيهها شطر تحقيق المقاصد الوطنية.
«المادة الثالثة - «الشباب الوطني» هيئة تهذيبية تعمل على نشر مبادىء الأخلاق الإنسانية والوطنية ورفع مستوى الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
«المادة الرابعة - «الشباب الوطني» هيئة كفاحية تقوم على أساس الطاعة والنظام والتضحية وتدرب الشبيبة على أساليب مستمدة من التعاليم الرياضية والعسكرية.
«المادة الخامسة - «الشباب الوطني» هيئة تعاونية تقوي روح الأخوّة بين أعضائها وتنشط مواهبهم وتشدّ أزرهم.
«المادة السادسة - دمشق مركز «الشباب الوطني» العام.
«المادة السابعة - يؤلف «الشباب الوطني» فرقاً باسم «القمصان الحديدية.»
«المادة الثامنة - شعار «الشباب الوطني» ساعد مفتول يقبض بشدة على مشعل ملتهب إشارة إلى أنّ رسالة الشباب هي الحرية والحق والقوة.
«المادة التاسعة - تحية «الشباب الوطني» رفع الذراع اليمنى إلى الأعلى مع بسط الكف.
«المادة العاشرة - لباس «الشباب الوطني» الرسمي قميص وبنطلون حديديان.
«المادة الحادية عشرة - قسم «الشباب الوطني» هو:
«أقسم بالله أن أخدم بلادي بشرف وإخلاص وتضحية.
«أقسم بالله أن أنفّذ قانون «الشباب الوطني» (الذي لا يزال في عالم الغيب).
«أقسم بالله أن أتقيد بمقررات «المجلس السياسي الأعلى»، (الذي لم يوجد) وأطيع دون تردد أوامر اللجنة العليا.»
كل من درس هذا «الدستور» وقابله على غاية الحزب السوري القومي وضحت له الأمور الآتية: 1 - إنّ هذا «الدستور» وضع على عجلة على أثر لهج الألسن بقضية الحزب السوري القومي التي كانت قد أصبحت أمام المحكمة المختلطة وملأت أخبارها أعمدة الجرائد. 2 - إنه وضع بعد مضي بضعة أشهر على ظهور أمر الحزب القومي وعلى نشر الصحف لمبادىء الحزب وبعد مرور نحو ثلاث سنوات ونصف على تأسيس الحزب السوري القومي. 3 - إنه دستور مشوش غير كامل، وغير واضح القصد والفكرة. ولذلك سماه واضعوه «شذرات من الدستور»، ولو كان الأمر أمر شذرات لما كانت جاءت في عدد متسلسل غير منقطع من المواد المبتدئة بمادة أولى ومنتهية بمادة حادية عشرة. 4 - إنّ المادة الأولى منه ليست سوى مختصر غاية الحزب السوري القومي نفسه. وإنّ المادتين الثانية والثالثة هما مبنيتان على أجزاء من غاية الحزب السوري القومي ومن خطاب الزعيم في المحكمة المختلطة. 5 - إنّ المادة الرابعة ليست سوى تعديل لفظي للمبدأ الإصلاحي الخامس من مبادىء الحزب السوري القومي ممزوج بأفكار وردت في بعض خطب الزعيم. 6 - إنّ المادة الخامسة مستمدة من روح قسم العضوية للحزب السوري القومي. 7 - إنّ المادة السابعة ليست سوى محاولة تطبيق تشكيلات الحزب السوري القومي واتخاذ اسم «القمصان الحديدية» هو مأخوذ من لباس الحزب السوري القومي الرصاصي، والحديد والرماد من الألوان أقربـها إلى الرصاص. 8 - إنّ المادة الثامنة مقتبسة عن بعض الرموز الفرنسية التي شاهدها العجلاني والسراج في فرنسة، والـحرية والقوة هما من رموز زوبعة الحزب القومي. والـحق من مثله العليا. 9 - المادة التاسعة ليست سوى تقليد تـحية الحزب السوري القومي بدون أدنى تعديل. 10 - المادة الحادية عشرة ليست سوى تقليد لقسم الحزب. والبلبلة ظاهرة في هذا التقليد، لأنه ينص على تنفيذ «قانون الشباب الوطني» الذي لم يكن قد وضع، وعلى التقيد بمقررات «المجلس السياسي الأعلى» الذي لا يزال في عالم الغيب، فلا يعرف من سيشكله، وممن سيتشكل، وكيف توضع الثقة به وإلى أين مرجعه، وعلى إطاعة أوامر اللجنة العليا التي لا يعرف هل هي خاضعة «للمجلس السياسي الأعلى» أم هذا المجلس خاضع لها.
وقد امتدت تشكيلات «الشباب الوطني» في الأمكنة التي كان لـ «الكتلة الوطنية» نفوذ قوي فيها. وقال كثير من الناس «لم تبقَ حاجة للحزب السوري القومي. وقد قضي على هذا الحزب.» وجرت استعراضات لـ «القمصان الحديدية» أخذت صورها بالسينما وشاهدها المهاجرون. ولكن هذه التشكيلات لم تعمِّر أكثر من ستة أشهر فتفككت أوصالـها وتفرق شملها، لأنـها كانت قائمة على التقليد وفاقدة روح القيادة والإنشاء. وبعد مدة عادت «الكتلة الوطنية» تحاول إحياء هذه المؤسسة ولكن جهودها ذهبت أدراج الرياح.
والآن نشاهد محاولة جديدة من هذه المحاولات التقليدية في ما يقوم به الساعون لعقد اجتماع ودِّي فيما بينهم يسمونه «المؤتمر العربي» الذي يحضره «ممثلان» للجالية السورية في البرازيل.
وقد وقفنا على «المنشور» الذي اهتم بإذاعته في جريدة الرابطة في سان باولو، البرازيل، رشيد سليم الخوري وعلي الحاج وشفيق عماد وقليل من الأفراد، الذي يعلن أنّ هؤلاء الأفراد هم «فريق من الأحرار الذين يمثلون مختلف الهيئات الوطنية» وأنـهم قرروا انتداب رشيد سليم الخوري وعلي محمد الحاج ليمثّلا الجالية السورية في البرازيل في «مؤتمر» الأرجنتين. وقد تناولنا في عدد سابق قيمة هذا «الفريق من الأحرار» وقلنا إنه لا يمثل غير نفسه لأنه لا يحمل تفويضاً من الجالية ولم يقم على استفتاء عمومي للجالية. وإذا أخذنا منطوق المنشور نفسه تبيّن لنا أنّ هؤلاء الأفراد أنفسهم لم يجسروا أن ينتحلوا أكثر من صفة أنـهم «فريق من الأحرار» أي أنـهم ليسوا سوى جزء صغير من عدد كبير.
أما «الأماني» التي ينسبها هؤلاء الأفراد للجالية السورية في البرازيل والتي يريدون تمثيلها فقد ورد في منشورهم أنـها الآتية:
«أولاً - إستقلال سورية العربية الطبيعية الشاملة استقلالاً ناجزاً، يعيدها إلى وحدتها الطبيعية بإلغاء الأوضاع السياسية التي أوجدها الانتدابان الإنكليزي والفرنساوي في مختلف أقاليمهما.
«ثانياً - السعي لتأليف وحدة عربية من الأقطار العربية كافة وضمنها سورية.
«ثالثاً - تنبيه الأمة العربية في جميع أقطارها، وتوجيه أنظار المسؤولين والمشتغلين بقضيتها إلى تدبير منظم مشترك، واتخاذ موقف إجماعي حازم في الحرب الحاضرة يضمن تحقيق هذه الأماني.»
هذه هي «الأماني» التي قرر إبلاغها «ممثلو بعض الهيئات الوطنية»، كائناً من كانت هذه «الهيئات» وكائناً من كان هؤلاء «الممثلون»، ومنها يتبين أنّ الذين يحاربون الحزب السوري القومي لغاية خصوصية في نفوسهم، ويخدعون الرأي العام بإيهامه أنـهم لا يقرون مبادئه، وأنّ لهم قضية قومية تختلف عن قضيته، لم يقدروا إلا أن يرجعوا إلى مبادىء الحزب السوري القومي نفسه وإظهارها بشيء من التلاعب الكلامي الذي لا يغيّر شيئاً من جوهرها. فهم يقولون إنّ أماني الجالية السورية في البرازيل هي، قبل كل شيء، إستقلال سورية الطبيعية، كما يحددها الحزب السوري القومي، على أساس أنـها أمة ذات كيان خاص يصح أن يطلب لها الاستقلال التام.
هذا ما يقوله الآن الذين أقلقوا راحة الأرض والسماء بتخطئة الحزب السوري القومي بمناداته بقضية مستقلة للسوريين يجب عليهم هم القيام بها.
أما «الأمنية» الثانية من «أمانيهم» فهي «السعي لتأليف وحدة عربية» وهي عبارة مأخوذة بكاملها من غاية الحزب السوري القومي مع وضع كلمة «وحدة» في محل كلمة «جبهة».
وأما «الأمنية» الثالثة فليست سوى صدى ما قال به زعيم الحزب السوري القومي من زمان.
هذه النتائج تثبت أنّ مبادىء الحزب السوري القومي قد أصبحت منهاج جميع السوريين فلا يتمكن من الشذوذ عنها، حتى ولا الذين يتصايحون لمحاربة الحزب السوري القومي، حرصاً على مطامعهم ولباناتهم. وهم لو قال الحزب القومي بغير مبادئه لناهضوه كما يناهضونه الآن، لأن أسبابـهم شخصية لا عمومية ولا إصلاحية.