إنّ وضعية سورية السياسية قد زادت غموضاً وتعقداً بعد عقد الهدنة بين فرنسة ودولتي المحور، وحتى الآن لم يحدث شيء يدعو إلى جلاء الحالة. فآخر ما ورد من الأخبار يعلن وصول بعثة إيطالية إلى شمال سورية للإشراف على نزع سلاح الجيش الفرنسي المحتشد هناك. وبعض البرقيات الأخيرة تفيد حصول خلاف بين البعثة المشار إليها ورجال السلطة الفرنسية على الطيارات الحربية الفرنسية الموجودة فيها. وأخبار المصادر الإيطالية تتهم بريطانية العظمى بدس الدسائس على البعثة الإيطالية ومهمتها وإرسال سلاح إلى السوريين ليثوروا عليه.والمصادر البريطانية تعزو إلى إيطالية قصد إخلاء البلاد من السلاح ليسهل عليها الاستيلاء عليها.
ومما لا شك فيه أن عمال إيطالية، ومنهم فريق من كبار الإكليريكيين والسياسيين العاملين برضاهم، يبذلون الآن جهدهم ليمهدوا لإيطالية بلوغ قصدها ويمكنوها من البلاد. وإنّ عمال بريطانية يبذلون هم أيضاً جهدهم لتنفيذ سياستها المقاومة لامتداد النفوذ الإيطالي.
ولا مشاحة في أنّ سياسة محور برلين ــ رومة تسير على قاعدة إطلاق يد إيطالية في البحر المتوسط، ومصالح ألمانية الاقتصادية في الشرق الأدنى يجب أن تسير يداً بيد مع مصالح التوسع الإيطالي.
وليس للسياسة الفرنسية اليوم أي موقف فيما يختص بمصير سورية. فقد كانت السياسة الفرنسية قبل الحرب مشلولة، ولم تتمكن من فهم نفسية سورية الجديدة المستفيقة، وإدراك إمكانيات التعاون السياسي الاقتصادي مع النهضة السورية القومية، وفضلت التمسك بالاعتقادات التقليدية في صدد سورية في المعاهدتين مع الشام ولبنان. ولـمّا أرسل السيد بيو مفوضاً على سورية وخلفاً لدي مرتال صرَّح لجريدة الطان تصريحات دلّت على أنّ السياسة الفرنسية والسياسيين الفرنسيين لا يريدون تغيير اعتقاداتهم وأساليبهم التقليدية. فسورية لهم (وهي عندهم سورية الإكليريكيين المسيحيين والمسلمين والمتنوّرين في المدارس الأجنبية) هي بلاد لشعبها نفسية شرقية يغشى بصيرتها ضباب الخيالات والخرافات.
وحتى الآن لم يردنا أي خبر على أنّ السلطة العسكرية الفرنسية أدركت في هذا الموقف الحرج وجوب تغيير موقفها تجاه الحركة السورية القومية، وإطلاق سراح رجال هذه الحركة الموقوفين منذ نحو عشرين شهراً. وهم رجال ذنبهم الوحيد هو أنّ السياسة الفرنسية كانت في العقدين الأخيرين مصابة بقحط لا مثيل له في الرجال فلم تدرك معنى الحركة السورية القومية، ولم تدرك الوضع السياسي الإنترناسيوني وموجباته ولم تفعل شيئاً لتحسين خططها. وهكذا يجد الفرنسيون أنفسهم اليوم في حالة لا تسمح لهم نظرياتهم العتيقة بالتغلب على صعوباتها، فلا ينقذون أنفسهم ولا يدعوننا ننقذ أنفسنا. إذ رسخ في اعتقادهم بما استغل النفعيون عجزهم وقصر نظرهم لإلقائه في أذهانـهم، أنّ الحركة السورية القومية من حيث هي ذات نشأة مستقلة عنهم وعن عمالهم فلا بد أنـها مرتبطة بأعدائهم ورهن سياستهم، فذهبت جميع المحاولات التي قام بها الحزب السوري القومي لحملهم على فهم حقيقة الحركة السورية القومية أدراج الرياح.
أما من الوجهة الداخلية، فوضعية سورية الاقتصادية سيئة جداً. والرأي العام خارج الحزب السوري القومي مبلبل بلبلة لا مثيل لها. فسياسيو النفسية الشرقية من أبناء شعبنا الذين ربوا على عقائد الذل والعجز يستعملون أساليبهم التي سداها الخبث ولحمتها المكر، ويعللون الشعب بالآمال ويخدرونه بقيادته في طريق التشفي بسقوط فرنسة وبريطانية، وإن كانوا أحياناً، لكثرة خبثهم يتظاهرون بأنـهم لا يقصدون التشفي، وجهودهم مبذولة لصرف الشعب عن الحزب السوري القومي ليظل الشعب فريسة مآربهم النفعية الذليلة، ويبقى الشعب تحت تأثيرهم فيخدمون المصالح والإرادات الأجنبية لقاء أجور كبيرة، فيما هم يتظاهرون بالتضحية والوطنية.
وأما موقف الحزب السوري القومي، الذي هو حزب الشعب السوري القيّم على مصالحه العامة، فلا يزال يتابع خطته التي أساسها تعميم الوعي وتأليف جماعات الشعب على المطلب القومي العام لكي يكون للأمة السورية سياسة موحدة قوية. وبقدر ما يلتف الشعب السوري حول القيادة السورية القومية يعظم الأمل بنجاح القضية السورية القومية واستعادة سورية مجدها ومركزها بين الأمم الحية.