بعد قدوم زعيم الحركة السورية القومية إلى الأرجنتين، نشرت جريدة الاتحاد اللبناني عنه وعن مرافقيه أسد الأشقر وخالد أديب، أنهم ثلاثة أشخاص «لا يؤبه لهم»، ولكن بعد طرد خالد أديب من الحزب السوري القومي ونشره الاختلاقات الغريبة عن الحزب والزعيم، شفاءً لحزازة في صدره، أصبح هذا الرجل ذا شأن عند الاتحاد اللبناني وذا «شهادة» صادقة وكلام حق، لأن الجريدة المذكورة احتاجت إلى شهادته الملفقة.
وبعد قدوم الزعيم كان المدعو زكي قنصل معجباً به مع المعجبين ومتحفظاً تجاهه مع المتحفظين وساخطاً، أو على الأقل ساكتاً عن رياء مع الساخطين. فبعد أن خبره الزعيم وبان له عجره وبجره، نبذه شأنه مع جميع المنافقين والمتلاعبين. فلجأ هو أيضاً إلى التشفي وادعى «أنه كان معجباً بالزعيم» أما الآن فيعلن أنه «انخدع».
وكان زكي قنصل يقول إنه لا يعجبه خالد أديب ولا تعجبه مبالغاته وكلامه، فأصبح يجد في «شهادة» خالد أديب التي هي شهادة مَوْتور، حجة الحجج! الغريق يتعلق بحبال الهواء أو بحبال العرمط. هكذا يتعلق الخائبون بشهادة منافق.
وقد ساء «الجامعة المارونية اللبنانية» انكشاف خُزعبلاتها ونزل الغم على قلب صاحب الاتحاد اللبناني الزاعم أنه ينطق بلسانها. فأعلن أنه لم تُجده المكابرة ولم يتمكن من تغطية أهمية الحركة السورية القومية وأنه يحقق الآن مشيئة من لم يكن «يأبه لهم» فيهتم بهم «ولو مرة واحدة» بعد أن سبق واهتم بهم مرات سراً وعلناً. وبعد أن استظهر ما أخذه عن بعض الكتّاب ورأى أنه يجب أن يتّعظ به عاد إلى المكابرة ونشره في افتتاحية عدد الاتحاد اللبناني الصادر في 17 أغسطس/آب كأنه موجه إلى غيره لا إليه هو ومن هم على شاكلته. وكان من أمره أن استنفد مخزونات الشعوذة فنشر «أنه يعطي جائزة أدبية» لمن يعلمه بوجود «الجامعة المارونية اللبنانية» في الجمهورية الفضية. ولكنه لم يعيّن قيمتها ونوعها، فقد يوجد من يطلبها منه. ولكننا من قبيل التعاون معه نلفت نظره إلى وجوب إحصاء اللبنانيين الموجودين في هذه البلاد ومقابلته بعدد أعضاء «الجامعة الوطنية اللبنانية» وبعد الجمع والطرح يجد اٴنه كثير على هذه الفئة أن تُعطى صفة تمثيلية حتى للموارنة أنفسهم، الذين تعمل في أوساطهم وتحاول جلب غيرهم إليها ذرّاً للرماد في العيون!
أما التجاء زكي قنصل إلى «التنبؤ» فلن يكسبه نعت «المتنبي» لأن الذين «يتنبأ» عنهم من غير نفسيته وأخلاقه. وقد تضمّن مقاله أحاديث يدَّعي أنـها جرت له مع الكاتب القومي جبران مسوح، تحتاج إلى موافقة هذا الأديب الكبير ليصبح في الإمكان اعتبارها صحيحة والنظر في أهـميتها. ومحاولته نسبة هذه الأحاديث إلى الزعيم يدل على أنه لم يجد غير هذه الناحية وغير اختلاقات خالد أديب ليتناول بمثالب عقليته الزعيم.
وأما ما نشره السيد شبلي روميه فلا يزكّي أقوال زكي قنصل لعدة أسباب أهمها:
1 - إنّ شهادة شبلي روميه هي قول صديق في معرض دفاع عن صديقه وابن بلدته، كما يقول السيد شبلي نفسه في كلمته المنشورة مع مقال زكي قنصل في العدد 1968 من الاتحاد اللبناني.
2 - إنّ السيد شبلي روميه يقول إنه من الزور والبهتان أن يقول قائل إنّ زكي قنصل أخذ رواية «في سبيل التاج» وقدمها لـ «الجامعة المارونية اللبنانية»، وهذه الشهادة لا يمكن إيرادها في معرض الإثبات، لأن السيد روميه لم يكن متعهد الإدارة والإخراج أو مكلفاً بالمحافظة على الرواية. وهذه الشهادة مجروحة بحكم الصداقة بين الظنين والمدافع عنه.
ويقول أيضاً السيد روميه إنّه غير صحيح قول مراسل سورية الجديدة إنّ زكي قنصل حاول إخراجه من تمثيل الرواية المشار إليها آنفاً. وهذا القول أيضاً لا يمكن إيراده في هذه الصيغة. لأن مراسل سورية الجديدة لم يقل شيئاً في هذا الصدد وكل ما فعله المراسل أنه روى ما بلغه وهذه عبارته: «وقد بلغني أنّ زكي قنصل اجتمع بالشاب الأديب شبلي اليبرودي وأخذ يحاول، الخ.» وهكذا يرى كل بصير أنّ مراسل سورية الجديدة لم يقل شيئاً من عنده.
3 ــ قول السيد روميه «دفعاً لأقوال لا صحة لها» لا يثبت شيئاً فيما يتعلق بزكي قنصل، ولا يمكن أن تتجاوز ما يتعلق بالسيد روميه نفسه وعلاقته بزكي قنصل.
ما تقدم أهم أهم الأسباب لعدم تزكية شهادة السيد روميه لأقوال زكي قنصل.
ومع ذلك لم يكن بد لـ الاتحاد اللبناني ولزكي قنصل من التعلق بها، لأنـها الكلمة الوحيدة البريئة التي يمكنهما استغلالها إلى أبعد حد. وإذا كان السيد روميه لا يمنعهما من ذلك فلا يُضير أصحاب الحقيقة شيء منه.
وقد خاب ظن «الجامعة المارونية اللبنانية» في إمكانها إيهام الناس أنـها كانت قد استعدت لتمثيل رواية «في سبيل التاج» لمناسبة عيد «لبنان الكبير» المرحوم، و«الجمهورية اللبنانية» التي كانت نكبة على اللبنانيين، وأدرك العميان فضلاً عن المبصرين أين هو مصدر الوقاحة، وأين النور وأين الظلمة!