بوينُس آيرس في 2 يونيو/حزيران 1940 - لمراسلنا الخاص
في كل يوم جديد تبدي الجالية السورية في أرجنتينة دليلاً جديداً على استفاقتها ووعي الشخصية السورية فيها. وهذا الوعي لم يعد مقتصراً على مدينة أو منطقة، بل يمتد إلى جميع الأنحاء التي ينتشر فيها المهاجرون السوريون. وقد كان لمحاضرات الزعيم وخطبه تأثير جديد جعل المهاجرين يتنبهون لمسؤوليتهم عن وضعية أمتهم تجاه التاريخ.
رحلة الزعيم الأخيرة
وكان من وراء امتداد الوعي القومي، أنّ السوريين في الداخلية أخذوا يوجهون الدعوات إلى حضرة الزعيم ليزورهم ويشرح لهم عوامل نهضة سورية القومية، ويطلعهم على وضعية سورية الحالية وموقفها من مشاكل الوقت الحاضر، وقد ذكرت في رسالة سابقة خبر توجه الزعيم إلى الولايات الشمالية، وأرسل إليكم مرافقه في هذه الرحلة وصف وجود الزعيم في سانتياغو دل استيرو وتوكومان. وقد وردتني أخبار خصوصية تفيد أنّ تنبُّه الجالية في الداخلية للنهضة السورية القومية بلغ شأواً بعيداً بعد زيارة الزعيم الأخيرة.
الجمعية السورية الثقافية
وقد عاد حضرة الزعيم من رحلته ليرى أنّ أوساط بوينُس آيرس الواعية قد أكملت استعداداتها، لإنشاء الجمعية السورية الثقافية التي نشرت سورية الجديدة خبر الشروع في تحقيق الفكرة الرامية إلى إيجاد هذه المؤسسة الثقافية الضرورية لحياة المجموع السوري في المهجر. وقد بلغني من ثقة أنه لن يمضي أسبوع حتى تكون قد تألفت هيئتها الإدارية وباشرت أعمالها. ويهتم القائمون بهذا المشروع الجليل بتهيئة الجو لسلسلة محاضرات عن تاريخ سورية القديم والحديث ومركزها الممتاز في شرق البحر المتوسط.
صدى تطهير الأوساط القومية
ما كاد يصل العدد 65 من سورية الجديدة ويطّلع المواطنون هنا على خبر طرد المدعو حسني عبدالمالك والمدعو جبران سابا حتى سرى تيار من الارتياح عمَّ جميع الذين يعرفون سوابق هذين الشخصين، خصوصاً المدعو حسني عبدالمالك. أما الذين كانوا يجهلون سوابق هذا الشخص فقد أحدث ما نشرته سورية الجديدة بهذا الصدد دوياً كبيراً في أوساطهم، فتناقلوا الخبر بسرعة وجاء عدد منهم يطلب نسخاً من العدد المنشور فيه الخبر.
وكان الدوي العظيم ناتجاً عن خبر تسلُّم المدعو حسني عبدالمالك مبلغ عشرة آلاف باسس من صندوق جمعية «ثمرة الإحسان»، وهو مبلغ ضخم كان قد ورد الجمعية المذكورة اكتتاباً للمجاهدين الذين لجأوا إلى الصحراء، بعد أن أصاب الثورة التشتيت من جراء حرص «ثعالب الوطنية» أمثال حسني عبدالمالك على تحويل أموال مساعدة الثورة إلى أسمائهم الخصوصية بصورة في ظاهرها شيء كثير من الغيرة الكاذبة على مصلحة المجاهدين.
وقد تساءل الناس كثيراً عن أسباب نقل أموال مساعدة المجاهدين وعوائلهم إلى اسم حسني عبدالمالك، بعد أن كانت جمعية «ثمرة الإحسان» قد أعلنت أنّ المال يوضع لاسم المجاهدين في مصرف تحت إمضاء رئيسة الجمعية وناموستها وخازنتها. واهتم كثيرون للأمر، وانطلقوا يبحثون عن حقيقته فأثبتت جميع المصادر المطلعة صحة هذا الاحتيال الخطير على مال هو تعويض عن نتاج دماء مسفوكة في سبيل حرية الوطن، ومن يستسِغْ بلع هذا المال فهو يشرب دماء قتلى الوطن.
هنالك روايتان لكيفية حدوث هذا الاحتيال: الأولى تقول إنّ حسني عبدالمالك والشخص أو الأشخاص الذين تواطأوا معه من إدارة جمعية «ثمرة الإحسان»، رأوا أن يوضع المال باسم عبدالمالك بدلاً من إرساله إلى المجاهدين، من أجل أن يجرب عبدالمالك أن يحصل على كمبيو موافق؛ والرواية الثانية، وهي التي تثبتها رئيسة الجمعية السيدة نجيبة نصرالله عبود، تقول إنّ حسني عبدالمالك، حين قرر القيام بهذه العملية، بالاتفاق مع بعض مديري الجمعية المذكورة، تذرّع هو وشركاؤه بحجة أنه قد تنتخب جمعية «ثمرة الإحسان» في دورتها المقبلة عمدة جديدة لا تكون حاصلة على ثقة عبدالمالك وشركائه.
والروايتان ظاهر فيهما النفاق والتلاعب، لأن مسألة مساعدة المجاهدين الذين خربت بيوتهم وتلفت أرزاقهم لا تحتمل تعريض المال المجموع لمساعدتهم لمضاربات الكمبيو. وتبقى في هذه الرواية مسألة حقوقية من الدرجة الأولى هي، من هو صاحب الحق في تحويل المال إلى حسني عبدالمالك؟ ولا نحتاج لأكثر من البداهة لتقرير أنه لا حسني عبدالمالك ولا جمعية «ثمرة الإحسان» نفسها تملك حق الإخلال بالشروط التي جرى بموجبها الاكتتاب ونقل المال من رعاية الجمعية إلى رعاية شخص.
ومسألة الخشية من قيام عمدة جديدة منتخبة لإدارة جمعية «ثمرة الإحسان» لا تكون حائزة على ثقة حسني عبدالمالك وشركاه هو طعن قبيح بجميع أعضاء الجمعية المذكورة اللواتي وضعن ثقتهنّ بالعمدة القائمة. والناس الذين سمعوا هذه الرواية يتساءلون ما شأن حسني عبدالمالك في الثقة بإدارة جمعية «ثمرة الإحسان». ولماذا تكون عمدة واحدة من العمدات التي تنتخبها الجمعية المذكورة أهلاً لثقة عبدالمالك ولا تكون عمدة غيرها موضع ثقة، مع أنها تنتخب انتخاباً من عضوات الجمعية؟ وهذا الطعن بشخصيات عضوات جمعية «ثمرة الإحسان» هو من أقبح الأعمال التي يلجأ إليها صاحب لبانة لقضاء لبانته.
ومهما يكن من الأمر فقد ثبت للرأي العام أنّ حسني عبدالمالك اتفق مع بعض إدارة جمعية «ثمرة الإحسان» على نقل مال المجاهدين إلى اسمه الخاص. ولا يعلم اليوم غير الله وحسني عبدالمالك وشركاؤه إلى أين صار المال؟
فضائح جديدة
ما كاد خبر اكتشاف هذه الفضيحة الشائنة التي تميط اللثام عن وجه صاحب «كار الوطنية» حسني عبدالمالك، حتى أخذت تظهر فضائح أخرى له. منها أنه قام منذ سنوات بجولة في الداخلية ليجمع اشتراكات لجريدته المحتجبة الوطن فساعده أبناء بلدته وطافوا معه على المواطنين يحثونهم على الاشتراك، فجمع عبدالمالك مبلغاً كبيراً ولكنه أنفقه ولم يصدر الجريدة، الأمر الذي أدى إلى قال وقيل وسبَّب وجع رأس للذين ساعدوه.
ومن أغرب المشاريع التي أراد عبدالمالك تنفيذها مشروع الاستحصال على عشرة آلاف باسس من صندوق جمعية «ثمرة الإحسان»، لينشىء بها جريدة. فقد تقدم حسني عبدالمالك من بعض معارفه في الجمعية وطلب أن تمنحه الجمعية عشرة آلاف باسس لينشىء بها جريدة يحارب بها السيد موسى عزيزه الذي يتهمه بالطمع في جمعية «ثمرة الإحسان».
المثالب ضد المناقب
بلغني أنّ حسني عبدالمالك لجأ، بعد انفضاح أمره، إلى محاولة الوشاية والسعاية بالزعيم على حد ما فعلت بعض العناصر الأثيمة في البرازيل. وقد كاشف أحد الذين لهم علاقة ببعض الدوائر فنصحه هذا ألا يقوم بشيء لأنه فاشل. وظهر على السيد الذي خاطبه الغضب، لأن عبدالمالك يمتهن كرامة أرجنتينة الحرة التي تحترم العاملين للحرية وتكرمهم. وقد أخبرني مطّلع أنه، بعد فشله، استنجد بالسيدة نجيبة عبود لتساعده على الزعيم من هذه الناحية، والبعض يقولون إنّ السيدة المذكورة ترفض الدخول في هذا الطابق، والبعض الآخر يؤكدون أنها قد تقبل أن تساعد ابن بلدها.
والشيء الثابت الآن أنّ حسني عبدالمالك وجبران سابا قد أصبحا مضغة في أفواه الجالية.
الزعيم والنادي الحمصي
كان الزعيم، قبل سفره إلى ولاية سانتياغو دل استيرو قد استقبل وفداً من قبل إدارة النادي الحمصي في بوينُس آيرس، ولم يتمكن من رد الزيارة للنادي قبل سفره ولكنه سيقوم بذلك قريباً. وقد علمت أنّ أوساط النادي تنتظر قدوم الزعيم وتستعد لاستقباله كما يليق بمركزه وجهاده.