قـلـنـا في الحلقـة الســابقة إنّ الـعـروبـة التي تهمل مبـادىء النظام الاجتماعي ونواميس الاجتماع، ولا تستند إلا إلى الدين وإلى اللغة بمقدار، هي عروبة زائفة لا نتيجة لها غير عرقلة سير المبادىء القومية الصحيحة في سورية والأقطار العربية عامة، وإعطاء الدول الأجنبية كل فرصة للتسلط على أمم العالم العربي والتغرير بها وإذلالها. وسنوضح في ما يلي كيف أنّ العروبة الدينية صارت أفضل وسيلة لخدمة أغراض الدول الاستعمارية الكبرى.
قد بيّنا في المقال المتقدم غلط الفكرة القائلة إنّ ما ينقص المحمديين لإنشاء دولة واحدة عامة، أو دولة واحدة للعالم العربي وحده فقط، هو المعارف والفنون. وقلنا إنّ نقص العلم هو سبب تشبث المهووسين بهذه الفكرة الفاسدة. وقد عرفت الدولة الاستعمارية الكبرى فساد هذه الدعوة وعدم إمكان تحقيقها، فرأت أن تتخذها ذريعة لمقاصدها فتعمل لإبقاء الأمم العربية الجديرة بالنهوض تحت سلطان سحرها، تائهة في صحراء فكرتها سعياً وراء سرابها، فتأمن بذلك استيقاظ هذه الأمم لشخصياتها الحقيقية وقواها الكامنة فيها. فما دامت هذه الأمم ساعية وراء جامعة قد مضت أيامها وزالت أسبابها، بقيت بعيدة عن مجرى الحياة القومية الصحيحة، وعن التفكير الوضعي الذي به يكون التمييز بين الحقائق الفعلية والأوهام. وليس أفضل للدول الاستعمارية من استسلام الأمم المخضَعة (بفتح الضاد) إلى الأوهام.
لأن هذه كانت دائماً وستبقى أبداً أفعل في تقويض الأمجاد وإذلال الناس من جميع المعدات الحربية والقوات البرية والبحرية والجوية. وهي في حالة كحالة أمتنا تغني عن الالتجاء إلى القوة المسلحة لإبقاء شعبنا في ذلة الاستعباد. فلما أدركت الدول الاستعمارية هذه الحقيقة وعرفت داءنا المقعد تفرّغ اختصاصيوها لاستنباط المخدرات لعقولنا والمحرّضات لدائنا. فكلما وجدوا أنّ الداء يكاد يضعف حقنوا أجهزتنا الفكرية بما يهيج جراثيمه الفتاكة، فيصدر في إحدى العواصم الاستعمارية مقال أو كتاب عن خطر الإسلام المحمدي الذي يهدد أوروبة وعن خطر العروبة الدينية على السياسات الاستعمارية، فتتناوله صحافتنا التي يقوم عليها في الغالب أشخاص عديمو أو قليلو العلم، في نفوسهم مرض وعلى عقولهم غشاوة، فيصيحون: «ها أوروبة بأسرها ترتعد اليوم فرقاً من فكرة وحدة أقطارنا وقيام جامعتنا الدينية اللغوية.» أو كما قال صاحبا العروة الوثقى(1):
«نعم إنّ الإفرنج تأكد لديهم أنّ أقوى رابطة بين المسلمين إنما هي الرابطة الدينية وأدركوا أنّ قوتهم لا تكون إلا بالعصبية الاعتقادية. ولأولئك الإفرنج مطامع في ديار المسلمين (المحمديين) وأوطانهم، فتوجهت عنايتهم إلى بث هذه الأفكار الساقطة (التعصب الجنسي ومحبة الوطن) بين أرباب الديانة الإسلامية (المحمدية) وزينوا لهم هجرة هذه الصلة المقدسة وفصم حبالها، لينقضوا بذلك بناء الملّة الإسلامية (المحمدية) ويمزقوها شيعاً وأحزاباً، فإنهم علموا كما علمنا وعلم العقلاء أجمعون أنّ المسلمين (المحمديين) لا يعرفون لهم جنسية إلا في دينهم واعتقادهم، الخ.»
هذا الكلام غاية في السفسطة وفساد الاستنتاج. فلو أنّ رابطة الدين والاعتقاد تقوم مقام النواميس الاجتماعية لكان الإفرنج الذين نالوا أعظم حظ من العلم في القرون الأخيرة، لجأوا إليها واتخذوها أساساً لتفكيرهم هم وقيام دولتهم. فالعصبية القومية عند «الإفرنج» لم تكن بدعة قصدوا تغرير الأمم العربية بها، بل كانت شعوراً صادقاً بوحدة كل أمة من أممهم وشخصيتها وحقوقها وحاجاتها ومصالحها، وهي هذه العصبية التي أنقذت أمم «الإفرنج» من انقساماتها الداخلية الدينية، وجعلت كل أمة يداً واحدة على أعدائها. وإننا لم نجد كتاباً واحداً كتبه أحد من «الإفرنج» بقصد تفكيك عصبية المحمديين الدينية دون عصبية غيرهم من الملل، إلا أن يكون رجل دين أو متعصباً ضد المحمديين. ودارس التاريخ يعلم أنّ انقسام الدولة الدينية المحمدية بعد الفتح المحمدي لم يكن بدعاوات «الإفرنج» للعصبية القومية، بل بانتصار العامل القومي في الشعوب التي شملها الفتح على عامل الرابطة الدينية، من غير دعاوة من الخارج. وقد ذكر هذه الحقيقة العالِم الاجتماعي والمؤرخ إبن خلدون في مقدمته الشهيرة. ولكننا نجد كتباً كثيرة ومقـالات عـديدة في المجـلات والجرائـد التي تعنى بشـؤون أفريقية والشعوب الشرقية، القصد منها إبعاد عقول هذه الشعوب عن التفكير القومي العصري. ولا يمتنع وجود سياسي أوروبي يخشى على فوائد دولته الاستعمارية من هياج ديني في المستعمرات فيكتب، ولكنّ بين أضرار الهياج الديني على دولة استعمارية والعمل التعميري لإنشاء دولة واحدة من جميع أبناء ملة واحدة فرقاً كبيراً جداً.
إنّ مسألة القومية ليست مسألة محمديين ومسيحيين بل مسألة واقع اجتماعي له حكم واحد. وقد بيّنا في الحلقة السابقة تباين أقطار العالم العربي وبُعد المسافة بين قطر وقطر واختلاف حاجات هذه الأقطار وعقلياتها. وهذه أمور ليس منشؤها الدعاوة الأجنبية، بل الوضع الجغرافي والإقليمي والمزيج السلالي المختلف في كل قطر عن غيره، ونوع حياة سكان كل قطر ودرجة تمدنهم ومقدار ثقافتهم ومعدل كثافة السكان ومبلغ العمران. وإذا نظرنا إلى مواقع الأقطار العربية على الخريطة، ورأينا تنائيها وترامي حدودها البحرية والصحارى التي تتخللها، ثم إذا درسنا إمكانيات هذه الأقطار الاقتصادية وحاجاتها الإدارية والحربية، تبيّن لنا كم يبعد خيال جعل هذه الشعوب أمة واحدة ودولة واحدة عن الحقيقة الفعلية.
الواغلون على المواضيع الاجتماعية والسياسية وحدهم يظنون أنّ الأمم تنشأ بالأهواء والرغبات الاستبدادية، لا بالنواميس الاجتماعية، وأنّ الدول تقوم على الهوس الديني بالشؤون المختصة بما وراء المادة، لا على القواعد السياسية - الاقتصادية. إنّ تباعد الأقطار العربية الجغرافي وضعف العمران في أكثرها واختلاف الأجناس وتباين الحاجات والمطالب العليا، أو تزاحمها وتصادمها، لا تسمح بتكوين أمة واحدة من شعوب هذه الأقطار ذات دورة اجتماعية - اقتصادية تامة، والذين يقولون «هذه ألمانية كانت دولاً واتحدت. وعلى هذا القياس يمكن توحيد الأقطار العربية» لا يفهمون شيئاً من الأمور الوضعية والقواعد القياسية، فنظرة واحدة على الخريطة، ومقابلة واحدة بين هيئة ألمانية وحدودها وكثافة سكانها، وهيئة الأقطار العربية وحدودها وكثافة سكانها تظهران اختلال القياس بين الهيئتين ووضع كل منهما وإمكانياته ومقوماته اختلالاً كبيراً. وحجج هؤلاء الأساطين في السفسطة هي في الغالب صبيانية. فمنها أنّ الأقطار الشاسعة شقات البعد فيما بينها يمكن ربطها بسكك الحديد والطيارات والمراكب البحرية.
ولكنهم لا يكلفون أنفسهم درس حاجات هذه الوسائل ومقوماتها. فسكك الحديد، إذا لم توجد لها الإمكانيات الاقتصادية الكافية من مشحونات المحاصيل الزراعية والمنتوجات الصناعية وحركة تنقل سريعة، فلا يمكن أن تعمّر، على افتراض وجدت الرساميل الكافية لمدّها من جبال البختيشوه وخليج فارس إلى طيطوان على الأطلسي. والطيارات ليست صالحة لإيجاد دورة اجتماعية - اقتصادية. فلا تصلح لحمل أبناء القرى الضعيفة وبناتها من قطر إلى قطر ليتزاوجوا وينشئوا الأندية الثقافية والاجتماعية، وليشتركوا في حياة فعلية واحدة. وما يقال في قطر الحديد والطيارات يقال في المراكب البحرية، خصوصاً وأنّ محاصيل أكثر الأقطار العربية متشابهة. فلا يحتاج أبناء قطر من قطر آخر شيئاً يذكر من محاصيله الزراعية أو منتوجاته الصناعية. فأهل سورية لا يحتاجون إلى قمح أو عدس أو بقول مراكش لأن أرضهم تعطي ما يزيد عنهم من هذه الغلال. وإذا نشأت في سورية نهضة صناعية بسبب وجود النفط والأملاح الكيماوية ومقدار قليل من الحديد والفحم الحجري فستحتاج إلى أسواق لمنتوجاتها الصناعية في الخارج، ولكنها لن تحتاج إلى المحاصيل الزراعية، والأرجح أنّ أسواقها الطبيعية ستكون في اتجاه العراق وإيران وأفغانستان، أكثر مما تكون في اتجاه القيروان وطرابلس الغرب وتونس ومراكش. وفي ما خلا سورية فالأقطار العربية عديمة المعادن الصالحة للصناعات الثقيلة، فلا تقدر أن تبني قطرها ومراكبها من مواردها الطبيعية ولا أن تصنع معداتها الحربية من بنادق ومدافع وذخيرة وما إلى ذلك. فكل خط حديدي تريد إنشاءه ستضطر لتسليمه إلى شركات أجنبية أو إلى شرائه من الخارج، وكذلك القطر والطيارات والمراكب. فبأية عملية اقتصادية يمكنها فعل ذلك؟ ولكن هذا السؤال وأمثاله سخيف جداً في نظر أرباب العروبة الدينية الخيالية.
أما الوجهة الحربية ومقتضياتها الدفاعية - الهجومية في طول الشواطىء والحدود، خصوصاً شواطىء أفريقية المحاذية لأوروبة حيث الصناعات الضخمة وكثافة السكان العظيمة، فأمر يكاد يستحيل النظر فيه على قاعدة تفكير أصحاب العروبة الدينية بدون تحقير للمدارك الإنسانية العادية.
وأما الوجهة السياسية فمرمى نظرها من أسوأ المرامي. فأكثر الأقطار العربية موجود تحت سلطان أو نفوذ دول كبيرة ذات صناعات ضخمة وقوات حربية عظيمة، وبعض هذه الدول يزيد عدد سكان الدولة الواحدة منها على مجموع سكان جميع الأقطار العربية. وتعلو درجة ثقافتهم واستعداداتهم التكنيكية من كل نوع على درجة ثقافة واستعدادات جميع الأقطار المذكورة. وأية حركة سياسية واحدة في الأقطار العربية عامة لا تصطدم بدولة واحدة من هذه الدول الأوروبية الضخمة فقط، بل بأكثرها. لا بد لحركة سياسية عامة في جميع الأقطار العربية من الاصطدام ليس ببريطانية وحدها، ولا بفرنسة وحدها، ولا بإيطالية وحدها، ولا بإسبانية وحدها، بل بجميع هذه الدول دفعة واحدة. فالذين يقولون إنّ اتحاد جميع الأقطار هو أضمن طريقة لنيل الاستقلال، وإنّ استقلال سورية وحدها غير ممكن، هم، بالكثير، أطفال في السياسة. فإن استقلال سورية الموحدة في نهضة قومية أكثر إمكانية وأقرب منالاً من استقلال جميع الأقطار العربية دفعة واحدة بحركة واحدة. فسورية، بوضعها الجغرافي ومقدرتها المادية والروحية، أقوى، سياسياً، من جميع الأقطار العربية متحدة، لأنها، بنهضتها القومية، قد تصطدم بدولة أو دولتين أوروبيتين على الكثير، ويمكنها، في مقابل ذلك، اكتساب صداقة وتعاون دولة أو دولتين أو أكثر من طراز عدوّتها أو عدوّاتها. ولكن حركة واحدة في جميع الأقطار العربية ستصطدم حتماً بمعظم الدول الأوروبية، وهي جميعها صانعة أسلحة ومعدات، والأقطار العربية لا تصنع شيئاً منها. وقد كادت ثورة عبدالكريم [الخطابي] تنجح في مراكش الإسبانية فلما امتدت إلى مراكش الفرنسية عظمت قوة العدو عليها، ولم تكن قد أعدّت أصدقاء لمعاونتها حربياً وسياسياً، فانسحقت بسرعة. ولو امتدت الثورة المذكورة إلى تونس وطرابلس الغرب والقيروان لوجدت إيطالية واقفة مع فرنسة وإسبانية صفاً واحداً. ولو توسعت إلى مصر وسورية لوجدت الإمبراطورية البريطانية قد صارت مع الدول الثلاث السابقة يداً واحدة. ولكن نهضة قومية في سورية قد تجد دولتين ضدها، ولكنها تتمكن من إيجاد دول معها واختيار الظروف المناسبة لتحقيق أغراضها. ومتى تحررت سورية أمكنها حينئذٍ أن تنظر في كيفية مساعدة الأقطار العربية قطراً قطراً حسب الظروف والفرص والإمكانيات. فالذين يقولون إنّ النهضة السورية القومية «عدوة للعرب» هم ممخرقون ومشعوذون. وقد بيّنا بالحقائق العلمية أنهم هم أعداء العرب وأعداء نهضة العالم العربي. والحقيقة أنه لو قُدِّر للنهضة السورية القومية أن تنشأ على العهد التركي، بدلاً من حركة «الوحدة العربية» الخيالية، لكانت سورية خرجت من الحرب العالمية الماضية دولة مستقلة ذات سيادة تامة على جميع حدودها الطبيعية. إنّ أصحاب فكرة «الوحدة العربية» الدينية زينوا لها حدوث نهضة واسعة عظيمة تسحق الجيوش وتهلك الأساطيل وتفتح الفتوحات، فقعد شباب سورية القوي البنية لا يفكر إلا بانتظار تلك النهضة الخيالية التي صوروها له وهو لا يعلم كيف ستحدث ولا متى تحدث. فنشأت في الجيل السوري الماضي روح اتكالية منعت كل طموح صحيح وكل فكرة جيدة وكل تفكير عملي، ولم تنشط غير الخمول.
إذا سلّمنا، جدلاً، بإمكان حصول حركة واحدة في آن واحد في جميع الأقطار العربية وإمكان نجاحها السياسي - الحربي فهذا النجاح لا يحقق «الوحدة العربية» بجعل شعوب العالم العربي أمة واحدة ودولة واحدة، فهذان أمران يتعلقان بالنواميس الاجتماعية، لا بالحوادث السياسية الوقتية ولا بالرغبات الخصوصية أو الاستبدادية. وقد قام على صحة هذا النظر الدليل التاريخي. إذ تفككت الدولة الدينية المحمدية بعد خمود سورة الفتح من تلقاء ذاتها، وليس بدعاوة «إفرنجية» أو غيرها. ثم عادت فانهارت مرة أخرى على عهد الخلافة التركية. وتركية لم تتمكن من النهوض، بعد أن رزحت تحت عبء الدولة الدينية وسياسة الخلافة، إلا بترك فكرة الدولة الدينية والاعتماد على نهضة تركية قومية تنظم الشعب التركي وتقوي معنوياته. فخرجت تركية القومية دولة أقوى بكثير من السلطنة العثمانية التي جمعت بين الدين والدولة وظنت أنّ رابطة الدين من أهم مقوماتها.
أدرك سياسيو الدول الكبرى الاستعمارية ما في دعاوة «الوحدة العربية» الدينية من خطل الرأي وقصر النظر ونقص العلم، فأخذوا يحدثون الأحداث النفسية التي تزيد المشغوفين بهذه الدعاوة الفاسدة شغفاً، فتارة يُظهرون الاحترام لهذه الفكرة، وطوراً يتظاهرون بالوجل والفرَق منها، وحيناً يراؤون بتحبيذها، وآناً يمثّلون دور الغاضب المهدّد، ولكنهم يغتبطون سراً بتسلط هذا الوهم على عقول شباب الأمم العربية وما يجرّه من انقسامات داخلية وتحزبات أهلية، لأن أساسه فكرة سياسية ملية. ونحن نعلم اليوم كم تُخرج مطابع بريطانية وألمانية وإيطالية وإسبانية من الكتب والمقالات الموضوعة خصيصاً لإغراء شعوب العالم العربي بخيال الدولة الدينية الواسعة، وللإيحاء النفسي العلمي إليها بالمضي في طلب هذا السراب، الذي يصرفها عن إدراك حقيقة طبائعها وإمكانياتها. وقد استخدمت بريطانية الكاتب المعروف أمين الريحاني، الذي قام برحلته المشهورة في العُربة ووضع كتابه «ملوك العرب» بالاتفاق مع الإنكليز، لتغذية خيال «الوحدة العربية». واستخدمته للغرض عينه إسبانية التي دعته لإلقاء محاضرات في مراكش. وإسبانية أوجدت في عاصمتها جمعية اسمها «الجمعية الإسلامية» لجلب نظر المحمديين إلى إسبانية. وبعض كُتّابها يؤلفون الآن عدداً من الكتب عن تاريخ العرب وعظمة الإمبراطورية المحمدية السالفة، وإمكان العودة إلى إحياء تلك الدولة والاتجاه نحو إسبانية التي تصبح بمثابة طليعة أو «مقدمة المجد العربي في أوروبة»! إلى آخر هذه التعابير السيكولوجية المقصود منها التأثير على نفسيات شعوب العالم العربي، للوصول إلى أغراض خارجة عن نطاق الأمم العربية ومصالحها.
في سورية لم تلاحق الدولتان المنتدبتان أية فئة «عروبية» تنادي بالإمبراطورية العربية، ولكنهما حاربتا كل عمل وحركة يقصد منهما إيجاد وحدة قومية متينة في الشعب السوري. وبريطانية قد استعملت بنجاح كبير خيال «الوحدة العربية» لتثبيت سياستها الاستعمارية في سورية. فبعد أن استفحل أمر ثورة فلسطين سنة 1936، بدخول العناصر السورية القومية في تلك الثورة وعلى رأسها القائد السوري القومي المأسوف عليه سعيد العاص، ورأت بريطانية أنّ الشعب السوري سيلتهب كله في منطقتي الانتداب لجأت إلى «ملوك العرب» وطلبت تدخّلهم باسم العروبة لرفع الحرب ونزع سلاح جيش الثورة. فتدخّل أولئك الملوك ووعدوا بأن يتولوا تحقيق مطالب الثورة بالطرق السياسية فسلمت «اللجنة العربية العليا» بذلك، وفوق هذه اللجنة مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني، فخرج الأمر من يد السوريين، وما كاد جيش الثورة يُسرَّح، بعد تلف المواسم وزهق النفوس ونزف الدماء، حتى وفدت اللجنة البريطانية التي وضعت مرسوم تقسيم فلسطين وإيجاد دولة يهودية في القسم الخصب منها!
هاني بعل
للبحث استئناف
(1) العروة الوثقى (1936) ص 107.