(مندوب الكوكب
دعا الرفيق أسد الأشقر والسيدة قرينته حضرة الزعيم الـجليل وعقيلته الأمينة الأولى، ورهطاً من الرفيقات والرفقاء، والسيد قيصر مفرّج وقرينته وبعض الأهل والأنسباء الكرام إلى حفلة أنيقة سخية في منزله في ديك الـمحدي، وقد تبودلت فيها الأحاديث عن فلسطين وكثير من القضايا العامة إلى أن جاء دور الطعام والنكات الـملاح، فوقف صاحب الدار الرفيق أسد الأشقر وشرب نخب الزعيم والـحزب وألقى كلمة روحية هي قطعة من الأدب الرفيع، عقبه الأمين قبرصي والأمين عبدالـمسيح. ثم تكلم الزعيم فنثر الآيات تباعاً ثم تفرَّق الـمدعوون وهم يثنون على الرفيق أسد وقرينته والسخاء والأناقة التي سادت جو الـحفلة ولإيجادهما هذه الفرصة الثمينة للاستماع إلى الزعيم الـجليل. وقد سجّل الأمين جورج عبدالـمسيح كلام الـخطباء وإننا ندرجه في ما يلي واضعين خطاب الزعيم خاتـمة الـخطب لشموله بعض ما تقدمه من كلمات.)
كلمة حضرة الزعيم
صدقت، يا أسد، إذ قلت إنه ليست العبرة في النص والكلام. صدقت فإن الـجوهر في الهدف. إنّ الدساتير والأشكال والأنظمة هي الواسطة للهدف وليس الهدف واسطة لها.
إنّ الـحروف والكلام هي واسطة للتعبير عن مقاصد الروح الكبرى فإذا صارت الكلمات هي مقصد الـحياة فقد الإنسان معنى حياته الصحيح. صدقت فيما قلت في التعبير ليس عما يجيش في نفسك فقط بل عما هو حقيقة يـمكن أن تشترك فيها نفوس كثيرة. وهذا هو التعبير الإنساني الصحيح في درجاته العليا فإذا صار التعبير منحصراً في الذات الفردية وإذا أصبحت غاية الإنسان تـحقيق فرديته فقد الإنسان معاني الـجمال والـحق والـخير.
إنّ هذا الاجتماع الصغير بعدده الكبير بأساسه الروحي العظيم يـمثّل صورة من أجمل ما يـمكن أن يرسم في الـحياة.
إنه اجتماع لأرواح مشتركة في قيم الـحياة العليا ومُثُلها. إنها وحدة، إنها إنسانية بكل ما في الإنسانية من معنى.
ولو لم تكن هذه الوحدة الروحية هذا الاتـجاه الـموحد هذه الرفقة الدالة على إرادة موحدة للمجتمع، لو لم تكن ذلك لكانت الصورة الداخلية الباطنة الـمختلفة جداً عن مظاهر الـمجاملات، صورة أقبح ما يكون للإنسان والـمجتمع الإنساني، إنّ هذا الاجتماع يـمثّل، على قلة العدد الذي يشترك فيه، القوة الإنسانية في معظم درجاتها، لأنه يـمثّل وحدة الـمجتمع والغاية الإنسانية الكبرى التي هي غاية الـمجتمع، لا الغاية الـمجزأة الـمختلفة الـمجتمعة صدفة، أو بدافع الـحاجة الـخارجية على شيء ما، كأكل طعام شهي أو فاكهة لذيذة.
إنّ قوة هذا الـمجتمع الصغير هي التي تسيطر اليوم وهي التي تُسيِّر اتـجاهاً جديداً في هذه البقعة الـممتدة من طوروس والبختياري في الشمال إلى السويس والبحر الأحمر في الـجنوب، ومن خليج العجم في الشرق إلى الـمتوسط وقبرص في الغرب منطلقاً منها إلى ما وراء ذلك.
إنها قوة تسيطر وتقود ليس لأنها مجموعة شخصيات تعبِّر عن ذاتها وتتجه فقط إلى ذاتها. هي قوة لأنها تعبِّر عن أماني الـمجتمع كله، عن آمال الـمجتمع النبيلة.
فما هو في كلامك حق هو ما شعر الـمجتمع أنه حق، وإذا شعرت أنّ ما أقوله حق فلأنه يعبّر تعبيراً صحيحاً عن هذه الـحقيقة.
بهـذا نحن هذه النهضـة التي لا تتزعزع، بالذي يخرج منها من الـمنافقين والـمتآمرين والدساسين، بل تتزعزع بـمن يبقى ضمنها من الـمفسدين.
نحن نسير يجمعنا كيان موحد.
نحن نعمل لأمة عظيمة، نحن قطع منها، ولكنّا لها نسير بإيـمان، إنّ الدماء التي تـجري في عروقنا ملك للأمة لا لنا: هي وديعتها فينا التي يحق لها أن تطلبها منا في أية ساعة وأية دقيقة.
بهذا الإيـمان الذي نسير به، نحن هذه القوة التي كل عظمتها ليست في الأقوال والركام بل في النمو الـحقيقي الـخارج من صميم الـحياة والصاعد ازدهاراً ليملأ الكون.
في هذا التجانس وهذا الاتـحاد الروحي نحن ما نحن ونبقى ما نحن وفي هذا تكون الأمة الـحية.