نشرة عمدة الإذاعة، بيروت،الـمجلد 3، العدد 4، 15/8/1947
«نقلاً عن الشمس، بيروت، العدد 288، 5/8/1947»
أخيراً وبعد استغلال حلم الزعيم إلى أبعد حد، خرج نعمة ثابت من الـخيانة الـمتسترة الـممالئة إلى الـخيانة الصارخة الفاجرة. فصرف أياماً طويلة يعد مع بعض الـمعاونين «رداً» على بلاغ مكتب الزعيم الـمعلن حقيقة أمره وأمر شخصين آخرين انعدمت مسؤوليتهم الفعلية بالكلية تقريباً في غياب الزعيم وانعدم بالتالي شعورهم بالـمسؤولية عن مصير قضية قومية اجتماعية كلية مقدسة إئتمنوا عليها، في جملة من ائتمنوا، والزعيم غائب.
إنّ للخيانة قاعدة لا تخطىء، خصوصاً متى كانت من النوع الراقي «الـمثقف» الدمث. فهي تظل تراوغ وترائي وتتظاهر بالتفاني في الصدق والإخلاص و «تلعب على الـحبلين» إلى أن تدركها الفضيحة فتنقلب دماثتها سفاهة، وثقافتها وقاحة، ورقيها انحطاطاً!
ومتى صارت الـخيانة سفيهة ووقحة ومنحطة، أمست بحكم طلب التعويض أو البدل متبجحة!
يتبجح السيد نعمة ثابت بأنه من الذين «تـحملوا مسؤوليتهم الـحزبية بتضحية وصلابة لا تقهر.» ما أبعد هذا القول عن الـحقيقة!
عندما جرت الاعتقالات الأولى للزعيم وأعضاء مجلس العمد الأُوَل، الـمعينين بحكم الظروف من بين الكمية القليلة التي كانت للحزب القومي الاجتماعي آنئذٍ، وبعض الـمسؤولين الآخرين وأدخلوا السجن، وكان بينهم نعمة ثابت ومأمون أياس، انقلب هؤلاء الشجعان الصلبون على الزعيم واتهموه بالغلط في السياسة وقِصَر النظر في الأمور وعدم فهم الأوضاع، حتى اضطر الزعيم إلى ترك زاويتهم في «القاووش» والانتقال إلى زاوية أخرى بين الـمجرمين العاديين!
بقي الزعيم وحـده في تلك التجـربـة الأولى صلباً قويـاً غير متردد ولا متراجـع فلما انتصرت صلابته وقوّته وصراحته الباهرة في الـمحكمة الـمختلطة، صار هذه القدوة النادرة التي جذبت الألوف وحركت الـمتحجرين، فدفعت هذه الـمثالية الساحـرة نعمـة ثابـت وغيـره لاقتفـاء أثرهـا، ففعـل مـا دام عهـده قريبـاً بالزعيم وقدوتـه، حتـى إذا طال غيـاب الزعيـم بسبـب الـحـرب وعواقبـها، لـم تـجـد نفـس نعمـة ثابـت في حقيقتهـا الـمقـدار الكافـي مـن الوعـي والإيـمـان والصلابـة فوهنـت وارتخـت وسلمـت للأمـر الـمحـدث وصـارت الـمراوغـة والـميعـان الـمثـال الـذي يجـب أن يقتـدى بـه.
الزعيم شق لرفقائه طريق العظمة النفسية وهداهم إليها بقدوته العظيمة في السجن ومثله الرائع في الـمحكمة الأجنبية . هو أوفى في هذه العظمة التي ترتفع بها الأمـم الـحية إلى أوج عزها ورفع نفوس رفقائه إليها دائساً بقدميه الـمخاوف التي كانت تنطلق من نفوسهم في السجن والـمخاوف التي كانت تساورهم خارج السجن، معلماً إياهم الشجاعة والصبر والتغلب على الضعف والتضحية الصامتة، وبانتصاره بفضائله النفسيـة الباهرة وبقوة تعاليمه الاجتماعية والسياسية والـمناقبية خلق الإيـمان في نفوسهم، وبهذا الإيـمان ساروا وراءه في طريق الـمجد والـحياة الـجيدة، والذين ظلوا يسيرون في نور تعليم الزعيم ويقتدون بإيـمانه العظيم بأمته ويؤمنون إيـماناً عظيماً، هؤلاء يتبعونه في طريق الـمجد والسؤدد غير متبجحين، أما الذين سقطوا في ورطة الـمثالب، ونكّست رؤوسهم نحو الـحقارة، فهؤلاء قد استبدلوا الضلال بالهدى وهم في ظلام ضلالهم يخبطون.
ما أبعد هذه الـمزايا عن تلك القدسية التي ولدتها شخصية الزعيم وقدوته وتعاليمه!
«أما السنين الطويلة من الـجهاد الـمضني» التي يتكلم عنها ثابت فما هي بالأرقام والأفعال. لقد اضطهدته السلطة الفرنسية بسبب أنه من أتباع سعاده وتعاليمه فنال هذا الشرف العظيم لهذه الـمزية، لا لأية أفعال باهرة قام بها هو: وإذا كان قد أظهر الأمانة للزعيم وتعاليمه مدة من الزمن فأي فضل له أن يتبع الهدى وقد اتبعته الألوف الـمتزايدة يوماً بعد يوم!
إنّ السلطة الفرنسية لم تقتصر في مدة الـحرب على اعتقال أعضاء الـحزب القومي الاجتماعي العاملين، بل اعتقلت كل أجنبي من غير الـحلفاء، وكل من اشتبهت بأنه في صفوف الـمقـاومين لوجودهـا أو الناقمين عليها. ولم تعمل السلطة الفرنسية لعظيم خطر أحد منهم بنفسه.
إنّ نعمة ثابت يشير إلى هذا الأمر الاعتيادي ليتبجح وليكسب نفسه صفة «البطل الـمتألم والضحية البريئة».
إنه لواضح أنه إذا كان نعمة ثابت يتألم لشيء فإنـما يتألم لفقد الـمجتمع ثقته به بناءً على فقد الزعيم ثقته به! فهو الذي بذل جهده في غياب الزعيم وبعد عودته لينحر إيـمان الـمجتمع بالزعيم وبطولته ونظرته السياسية الصائبة، وكان ذلك الـجهد عبثاً، لم يرَ نقيضه في تهديـم إيـمان الـمجتمع بخالق نهضته ولكنه وجد جريـمة فظيعة في كشف القناع عن خيانته معلمه وعن مؤامراتـه على زعيمه وعلى العقيدة القومية الاجتماعية وقضية الأمة الـمقدسة!
صار نعمة ثابت، بعد أن انقلب من مهتد إلى مغرور، يرى أساس إيـمان الـمجتمع وضرورته في التلاميذ وليس في الـمعلم - في الأتباع قبل الزعيم - في الأتباع الشاذين، العقوقين الذين ساروا مدة في طريق البطولة التي شقها لهم القائد وهو بينهم، فلما غاب عنهم مدة تسع سنوات ضعفت نفوسهم وعاودهم جبنهم يخالطه غرور مرضي غريب فأخذوا يعلّمون الـمؤمنين القوميين الاجتماعيين الـخوف، ونصبوا أنفسهم قادة لهم في الـجبن والرعب والتراجع فقبلهم الـحزب مدة بهذه الصفة من أجل النظامية البديعة التي سنّها لهم مثال العظمة النفسية والإيـمان بالأمة ومصيرها في التعاليم القومية الاجتماعية، فكان هذا القبول سبب غرورهم وطيشهم!
ليس للخيانة الصفيقة غير منطق الإفساد. فهو يتكلم على «الـجهاد الـمضني والتضحيات الثمينة» وينسى تعويضات الـحرب التي لم تصل إلى كثير من القوميين الاجتماعيين في زمن «إدارته» حقوقهم فيها وينسى أيضاً أربع سنوات نعيم الرخصة والتقهقر العقائدي وحفلات الشاي والكوكتيل الدالة على «مزايا التضحية والصلابة»!
ويجب أن لا ننسى بهذه الـمناسبة، ذاك «الضنى» العظيم يوم أقدم هذا القائد الصبي الـمتألم بالبطولة الرعديدة على رمي الـحزب رمية لم ينقذه منها إلا استحقاق هذه النهضة العظيمة السلامة يوم قرر هذا الغرّ إرسال القوميين الاجتماعيين لـمحاربة الـجيش البريطاني الزاحف من فلسطين وليكونوا طعاماً لفوهات الـمدافع ويؤمّن انسحاب قوات «فيشي» والعمال الطليان والألـمان.
هـذا هـو الـخطر العظيـم الذي لو لم تنقذ العناية الـحزب السوري القومي الاجتماعي منه - لكان فيه القضاء الـمبرم على الـحزب معنوياً ومادياً، هذه هي سياسة هذا الـخائن الكبير الـحكيمة الباهرة - السياسة التي أخفيت عن العقلاء وأعطيت للجهال.
وهو ينسى أيضاً أنّ الزعيم الذي ظن وهو في الـمهجر أنّ مظاهر الأربع سنوات الأخيرة ليست إلا دليل ضعف عارض لا يلبث أن يشفى منه الـمصابون حالـما يعود إلى وسطهم، أراد تشديد عزائمهم ورفع معنوياتهم وبعث الـمثالية من جديد في نفوسهم فكتب من نعيم الـجهاد والتضحية واحتمال الاضطهادات الشرسة في الـمغترب إلى القائمين على الإدارة الـحزبية يقول: أنتم أنقذتـم شرف الأمة. وينسى أيضاً أنّ الزعيم قال في رسالة من الأرجنتين إلى القوميين الاجتماعيين، «أعرف ما قاسيتم وتـجهلون ما قاسيت وأقاسي». ويصير النسيان الـمجرم في عرفه معرفة فيتكلم على «النعيم» الذي كان فيه الزعيم وعلى «تضحيات» الرخصة والالتواء العقائدي والـمناقبي «وجهاد» الشاي والكوكتيل، التي كان هو وأصحاب الشعور الـمغلوب «يضنون» في مـمارستها.
يتابع نعمة الـخائن منطق الإفساد فيقول: إنّ الزعيم «بجميع تصريحاته وتصرفاته ضرب حول الـحزب في الرأي العام نطاقاً فولاذياً من الـجفاء والشك والاستهزاء والكره في بعض الاحيان» فلا يرى كم كسبت تصريحات الزعيم وتصرفاته من ثقة وعطف في طول سورية وعرضها من أكثرية الشعب التي كان هو وزملاؤه من أصحاب سياسة الإذعان للأمر الـمفعول والانسياق في تيارات الإرادة الأجنبية يحتقرون آلامها من التجزئة والإهانة ويصرفون النظر عن حاجتها وحاجة الأقلية نفسها التي صاروا ينظرون إلى القضية القومية بـمنظار تقلصها، إلى استقرار دائم ثابت على قواعد الأمة والوطن كما هي موضوعة في تعاليم الزعيم، وليس إلى استقرار وقتي قائم على عنعنة غير طبيعية محبة ذاتٍ مضحّية بكل القيم السامية والـمثل العليا، فأرادت التقلص في «كيان لبناني» بدلاً من مواجهة القضية كقضية - اجتماعية سياسية - حقوقية - يجب حلها ليس فقط في لبنان بل في سورية كلها باعتباره قضية واحدة غير مجزأة من قضايا الوحدة القومية في الأمة السورية كلها، وليس في بقعة واحدة من أرض الوطن الواحد.
إنّ خطاب الزعيم يوم وصوله أنعش الـحياة في ملايين النفوس التي كادت تيأس من الاتـجاهات التراجعية الـملتوية التي حاول أن يقودها فيها خونة القضية القومية الاجتماعية الـمتلاعبين بشعور ألوف القوميين الاجتماعيين الـمؤمنين بتعاليم حركتهم العظيمة، الـمستهزئين بإيـمان هذه الألوف، الـمحتقرين آلامهم وأمانيهم العابثين بثقتهم النظامية وطاعتهم الـمثالية - عشرات الصحف التي كانت تنظر إلى اتـجاهات أبطال سياسة الاستسـلام للمحـدث نظرات الريبة والقلق انطلقت تشرح القضية القومية الاجتماعية وتفتح صدرها لآراء الـحزب وتعاليم الـحركة القومية الاجتماعية وتؤديها - صحف في الشام وفلسطين وشرق الأردن وما بين النهرين لم تكن تذكر الـحزب السوري القومي الاجتماعي فتحت صدرها لتعاليم الزعيم وتصريحاته وأيدت مواقفه - صحف الفئة الطائفية الانعزالية في لبنان نفسها رحبت بالزعيم وتصريحاته إلى أن شاء ضغط السياسة الاستغلالية تـحويل ترحيبها إلى نقمة.
صحيفة واحدة معروفة النشأة والغاية في لبنان أرسلت صيحات النقمة. ومن الغريب غيرالغريب أنّ أول مردد لصيحاتها كان نعمة ثابت نفسه وصاحب أو صاحبان له في سياسة الثعلبة والـخيانة.
إنّ الـجفاء والشك والاستهزاء والكره إذا كانت قد ضربت حول الـحزب في فئة قليلة من الأمة غارقة في خصوصياتها الـمهددة مصير الأمة كلها، فإنـما ضربها كان من قِبَل الذين عملوا تسع سنوات طويلة لنفي إسم الزعيم من سمع الشعب وبصره ولـحَوْك الشبهات حول شخصيته وتعاليمه وسياسته، الذين انتظروا حملة أعداء الأمة وأعداء أنفسهم على الزعيم من الـخارج ليكشروا عن أنياب مثالبهم النفسية ويحاولوا نهشه من الداخل! ثم هم يطلبون بوقاحة نادرة أن «يحافظ على الإيـمان بقدسية مزاياهم»!!
مزايا خساسة ولؤم طبع يجب احتقارها وسحقها وإزالة آثارها الكريهة من وسط الأمة الـمبعوثة بتعاليم الـحرية والواجب والنظام.
يتابع منطق الـخيانة شرحه فيقول:
«يجب أن لا يفوتنا أنّ عادات الـجفاء والريبة فيما بين طوائف هذا البلد لم تنشأ صدفة فهي لسوء الـحظ من غرس عصور وأنظمة سياسية واجتماعية قديـمة» ولكنه لا يقول إنّ هذا الكلام هو ترديد ببغائي لتعليم الزعيم على شيء من التعديل بإدخال عبارة «هذا البلد» (لبنان). إنّ الزعيم نظر في هذه الـحالة الاجتماعية - السياسية - الـحقوقية الـموجودة ليس فقط في «هذا البلد» بل في الوطن كله - ومعالـجتها لا تكون بالـحصر في «هذا البلد».
إنه الـحقيقة واقعة محسوسة أنه لم يقضِ على الـخوف والريبة والـجفاء وأسبابها في هذا الوطن كله غير تعاليم سعاده وسياسته التي تعالج الداء كله من أصله ولا تعالج جزءاً منه في فرع محدود. وجميع الذين رددوا تعاليم الزعيم كالببغاوات، وسلكوا «سياسة» الـمعالجة الـجزئية الفرعية، وجزأوا القضية أو أطلقوها من حدود طبيعتها، وجاوزوا بها حقيقتها الكلية ، أخفقوا وزادوا أسباب الريبة والـجفاء والـخوف. إنهم لم يفعلوا شيئاً غير صبغ الـحزبية الدينية العمياء بصباغ التعاليم القومية. ولسنا ندري كم يستحق خونة القضية القومية الاجتماعية الـمقدسة التهنئة على اكتشافهم هذه الشعوذة القومية التي يسميها رئيسهم السياسة التي يفهمها «الشارع».
سعاده هو الذي علّم أسس الشخصية القومية الكافلة إزالة كل ضيم ناتـج عن سبب مذهبي أو طائفي، وهو الذي علّم أنه لا يـمكن إيجاد وحدة قومية صحيحة إلا بإزالة أسباب الضغائن والأحقاد، وهو الذي شرّع الشريعة القومية الاجتماعية التي تزيل الأسباب الـمذكورة وتـحوّل الأمة الـمفسخة إلى وحدة روحية عقائدية اجتماعية متينة. وشريعته وحدها هي التي تـمكنت من تـحقيق هذه الوحدة ونفي كل شك وكل ريبة من نفوس معتنقيها الذين أقبلوا عليها من جميع أنحاء الوطن السوري ومن جميع ملل الأمة السورية وجميع نحلها. أما الذين حاكوا تعاليم سعاده محاكاة الببغاوات، وقلدوا الـحركة القومية الاجتماعية تقليد السعادين، ونصبوا أنفسهم أطباء دجالين، فلم ينجحوا إلا في زيادة الأحقاد والضغائن وايجاد أسباب جديدة للخوف والـجفاء والشك والريبة تـجلت في أكثر من حادث واحد حال الـحزب السوري القومي الاجتماعي دون تطوره إلى مذابح، كما في حادثة 15 نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1936.
سعاده هو الذي أوجد الـحلول الروحية - العقائدية - الاجتماعية، التي تؤمّن الـخائف وتغيث الـملهوف وتوجد الطمأنينة والاستقرار والإيـمان في النفوس. إنه هو الذي نظر في آلام الـمتألـمين وعذاب الـمتعذبين. ولكنه آمن بـمؤهلات أمته وصلاحها للتغلب على الآلام وأسبابها بتعاليم تبقي وحدتها ووحدة مصيرها، وعاكس الدجالين الذين يقولون في مجالسهم، بسفاهة قلوبهم وجهلهم الفاضح: لا وحدة إلا بزوال القرآن ولا تفاهم مع الـمحمديين إلا بعد أن يخرجوا على دينهم ولا أمل للمسيحيين بالبقاء إلا بانسلاخ الـموجودين في لبنان منهم عن جسم الأمة وإنشاء «أمة» خاصة بهم في كيان سياسي يـمكنهم من «هضم» غير الـمسيحيين في «قوميتهم» الـمستحدثة. وقاوم الدجالين الآخرين الذين قالوا: لا أمة إلا بزوال الإنـجيل ونبذ الـمسيحيين دينهم وجعل السيطرة الـمحمدية أساس الدولة والـحقوق.
تعاليم سعاده وسياسته، ولا تعاليم سياسية غيرها، أحدثت «أعجوبة الدهر» ووحدت الـمحمديين والـمسيحيين والدروز في إيـمان قومي اجتماعي واحد ينقذ الأمة إنقاذاً كلياً، وبإنقاذها الكلي السائر باطراد ينقذ كل جزءٍ من أجزائها.
لو كانت مسألة نعمة ثابت ومن معه مسألة إبداء رأي في كيفية بعض الأعمال السياسية، لا مسألة خيانة فاضحة لكان قدّم رأياً معللاً للزعيم للدرس والـموافقة، ولكن لا نعمة ثابت ولا غيره تقدم إلى الزعيم في مجلس أو بواسطة أطروحة بدرس في بعض النواحي السياسية أو فيها كلها.
ولا واحد منهم قبل أن يخضع للنظام الذي كانوا يشيدون بفضائله ويدققون في اتخاذه قاعدة لفرض آرائهم بشكل استبدادي واحتيالي غريب على الدستور ولـمحاسبة مرؤوسيهم بغطرسة لا مثيل لها!
إنّ كسر أحد هذه الـمبادىء الأساسية البسيطة كمبدأ النظام ومبدأ وحدة السلطة، وإدخال الشكوك في النفوس وزعزعة الإيـمان بالتآمر على الـمعلم واليقين به والدستور، كل هذه الرذائل والـمنكرات، ليست انشقاقاً، بل جرائم لا يـمحوها الطرد ولا يغسل عارها النفي!
وإنّ أشد الـمجرمين إنـما واحد يقول بوقاحة وصفاقة وجه: قد كرست حياتي لهذه الـجرائم!
إنهم كتموا عنه جميع تفاصيل «سياستهم » التي تريد خيانة نعمة ثابت أن تسميها «سياسة الـحزب» وجميع الـمفاوضات والارتباطات مع بعض السياسيين اللبنانيين وبعض الفئات السياسية الـمتلبننة التي نـمّت عنها تصريحات بعض السياسيين الـمذكورين، وارتكبوا ما هو أشد نكراً من ذلك: أقدموا على محاولة اغتيال الزعيم سياسياً بـمكائد خسيسة لم تخفَ خططها على سعاده من أول احتكاكاته بأفكارهم بعد عودته!
إنّ للحزب القومي الاجتماعي دستوراً ومبادىء يتقيد الأعضاء أنفسهم بها بقَسَم. ولكل قومي اجتماعي وقومية اجتماعية حق إبداء الرأي والـمناقشة، ودستور الـحزب وقوانينه النافذة تعيّن شكل التقرير. والـخروج عن الدستور والـحنث باليمين بحجة «اختلاف آراء سياسية» هو خيانة حزبية صريحة.
الـخيانة انتحار مناقبي وليست انشقاقاً!
إنّ للحزب القومي الاجتماعي انتفاضات دورية يطرح بها كل وهن وكل جبن وكل التواء يعلق به في مراحل سيره نحو الانتصار. وقد أوجبت عودة الزعيم هذه الانتفاضة الـجديدة الـمعيدة له صفاء عقيدته. فمن سقط بها سقط لضعفه.