(على أثر الضجة التي أثيرت حول أمر الاعتقال الذي صدر بحق السيد أنطون سعاده توجه أحد مندوبي القبس إلى بيروت واتصل بأحد الـمقربين إلى السيد سعاده وأبدى رغبته في مقابلته فوعده بتحقيقها، وبعد بضع ساعات عاد إليه وطلب مرافقته للقاء الرجل.
كلمة السر
وسار مندوبنا ورفيقه إلى مقهى قريب في البرج حيث وجدا في انتظارهما قومياً مستعداً لنقلهما إلى مقر السيد سعاده فتركه رفيقه الأول وتوجّها في سيارة إلى مخزن في شارع البسطة حيث تركه الدليل الأول واستلم قيادته دليل ثان واستبدلا السيارة بسيارة أخرى اتـجهت في اتـجاه معاكس... ووصلا إلى بيت محاط بحديقة في طرف من أطراف بيروت فدخلاها بعد أن همس الدليل في أذن الـحارس بكلمة السر الـمتعارف عليها بينهما ودخلا قاعة الانتظار، حيث كان عدد آخر من الزوار ينتظر. وبعد مدة وصل الزعيم فتوجه رأساً إلى غرفة أُعِدّت له كمكتب لإجراء اتصالاته والإدلاء بالتصاريح.
تنسيق الـمقابلات
كان مندوبنا الزائر الثالث فانتظر زهاء ساعتين حتى بلغه الدور، فأخذ منه التصريح التالي، وما إن خرج مندوبنا حتى دخل أحد النواب وهو وزير سابق واختلى بالزعيم زهاء ساعة، وبعد مدة من الانتظار لم يسمح لأحد منا بالـخروج قبل انتهاء كافة الـمقابلات، خرج الزعيم واستقل سيارته عائداً إلى حيث كان وسُمح عندئذ بالانصراف مع أدلاّء وحرس متفرقين حتى ساحة البرج ثانية.
وفيما يلي نص الـحديث:)
مآخذ حكومة لبنان
س - ما هي الأمور التي تأخذها عليكم الـحكومة اللبنانية؟
ج - لست أدري حتى الآن ماذا تأخذ عليّ الـحكومة اللبنانية، فإني لم أتبلّغ أية تهمة رسمية أو أي مأخذ معين، وكل ما وقفت عليه هو أنّ أحد النواب سأل الـحكومة في الـمجلس ما هو موقفها من خطابي الذي رأى فيه النائب الـمشار إليه «أموراً» لا تتفق مع الوضع اللبناني، فأجابه رئيس الوزارة السيد رياض الصلح إنّ الـحكومة أيضاً رأت في الـخطاب «هنات» جعلتها تطلب من إدارة الأمن العام «استجوابي» وإنه «لا بد من حضوري إلى الدائرة الـمذكورة».
الطغيان يحارب حرية الرأي
وقد استغربت جداً سؤال النائب الغامض وجواب رئيس الوزارة الأشد غموضاً، لو كان في خطابي مأخذ قانوني صريح لوجب ذكره، ولو كانت هنالك مهاجمة للكيان اللبناني لكان من الضروري معالـجتها في الـمجلس النيابي وتعيين ماهيتها وأهميتها، أما أنّ تعبيري عن الكيان اللبناني يختلف عن تعبير بعض اللبنانيين وبعض نواب الـمجلس فجوابه أنّ تعبير بعض اللبنانييـن عن الكيـان اللبناني لا يتفـق مع تعبيري الـممثِّل لإرادة قسم كبير من اللبنانيين ولا يـمكن منع حرية الرأي والقول إلا بالطغيـان.
الـحرية والتطور
س - ما قولكم في رأي النائب الأستاذ حميد فرنـجية أنكم نسيتم أنّ عهد لبنان الـحاضر يقوم على ميثاق سنة 1943؟
ج - لم يتح لي درس ما يعنيه حضرة النائب فرنـجية «بميثاق 1943» ولذلك لا يـمكن الآن تعيين قيمة ذاك «الـميثاق» الدستورية. ولكن يـمكن القول إنّ كل ميثاق يرمي إلى منع اللبنانيين من حرية الرأي والتطور هو ميثاق خارج على إرادة اللبنانيين. والظاهر أنّ الأستاذ فرنـجية لم ينسَ شيئاً من أساليب الوضع اللبناني القديـم الذي أوجد الاحتلال الفرنسي ولم يتعلم شيئاً جديداً من حالة الاستقلال الـجديدة. إنه قد نسي بالكلية أنّ الـحزب السوري القومي الاجتماعي قبل أخذه رخصة في لبنان باسم «الـحزب القومي» كان الـحزب الوحيد الـمحارب للاحتلال الفرنسي الاستعماري والـمجاهد في سبيل حرية اللبنانيين وحقهم في تقرير مصيرهم. كما أنه كان الـمحارب والـمجاهد في بقية منطقة الاحتلال الفرنسي. وهو لم يعلم أنّ القوميين الاجتماعيين الذين حاربوا وجاهدوا في سبيل حرية اللبنانيين يجب أن تكون لهم حقوق الـحرية وأن يعاملوا معاملة الأحرار.
موقف الـحكومة
س - كان بلغنا أنّ الـحكومة اللبنانية سهّلت كثيراً أمر عودتكم إلى الوطن فماذا جرى لتغيِّر الـحكومة موقفها؟
ج - إنّ الـحكومة اللبنانية لم تسهّل قط أمر عودتي بل بالعكس إنها سوّفت وأقامت عراقيل كثيرة في سبيل إعطائي جواز سفر لبناني، وقد اضطررت إلى الانتقال من الأرجنتين إلى البرازيل بجواز سفر فرنسي موقت. ولم توافق الـحكومة على عودتي إلا بعد مضي شهرين على طلبي رسمياً إعطائي جواز سفر وبعد مراجعات كثيرة قام بها أركان الـحزب القومي في بيروت. وقد حظّرت الـحكومة على القوميين الـمرور وسط مدينة بيروت يوم استقبالي محتجة بخشية اصطدام مع الشيوعيين وهي حجة واهية.
الـمبادىء الديـمقراطية
س - ماذا تقول في تدابير الـحكومة ضدكم؟
ج - أقول إنها غير مبررة، وإنها ذات صفة استبدادية، وأكرر القول إنه، لا يوجد في خطابي مهاجمة للكيان اللبناني ولا يوجد عمل من قبلي يوجب اتخاذ تدابير كالتي لـجأت إليها الـحكومة. إنّ حرية الرأي وحرية القول هما حريتان أساسيتان وكل حكومة تلجأ إلى خنقهما تنافي في عملها الـمبادىء الديـموقراطية.
التصريح الأخير
س - لماذا منعت الـحكومة اللبنانية نشر تصريحكم لوكالة الأخبار الفرنسية؟
ج - لأنها على ما يظهر تخشى تأثيره في الرأي العام.
الواقع اللبناني
س - أصحيح أنّ التصريح الـمذكور حُرِّف عن قصده؟
ج - حدث تـحريف أو تـحوير في بعض مواضع من الـحديث. فقد سألني مدير مكتب الشركة الـمذكورة عن تبديل حالة الواقع اللبناني، فأجبته إنّ حركتنا القومية الاجتماعية ستبدّل الـحالة النفسية والنظرة إلى الـحياة في جميع الدول السورية، أما الكيانات الـحاضرة فتقرير مصيرها هو من حق الشعب. وقد ورد في الـحديث كما أذاعته شركة الأخبار أولاً، إنّ حركتنا ترمي إلى إلغاء الطوائف والصواب قولي إنّ من مبادئها الإصلاحية إلغاء الـحواجز فيما بينها ليعمّ الإخاء القومي الصحيح.