(نورد في ما يلي ما رسخ في ذهننا من خطبة الزعيم الشيقة الـمذكورة في وصف استقبال سفير لبنان في دار الـجمعية السورية الثقافية. ونذكر بهذه الـمناسبة أنه حين طُلب إلى الزعيم الكـلام كان يحادث بعض القريبين إليه وفي يده بعض صور الاجتماعات في لبنان. فنهض الزعيم وسط عاصفة من التصفيق وبدأ كلامه فقال):
أيها الرفقاء القوميون الاجتماعيون، أيها الـمواطنون الـمحبّذون، إنّ لهذا الاحتفال الصغير بسفير لبنان الذي جاء يردّ الزيارة لفرع الـحزب القومي الاجتماعي مغزى يجب أن لا تطمسه الغفلة. وإني أرى أن أحدثكم قليلاً في مغزى هذا الاجتماع.
إنّ الـمظهر الذي يقدمه هذا الاجتماع ليس سوى حلقة في سلسلة طويلة من الـمظاهر الـحديثـة التي تثبت حقيقة كبيرة واضحة في حياة وطننا السياسية ألا وهي حقيقة الـحزب القومي الاجتماعي.
جميع الـمظاهر التي أعنيها والتي حملتها إلينا طائفة من السجلات الصورية والأخبار الـواردة مؤخراً من الوطن تـدل على مبلغ خطورة هذه الـحقيقة العظيمة التي هي حقيقة الـحركة القومية الاجتماعية في وطننا كله.
في يدي الآن بعض صور صغيرة من مجموعة صور وصلت إليّ من الوطن. إحدى هذه الصور تُظهر رئيس الـجمهورية اللبنانية الأستاذ بشارة الـخوري واقفاً في رواق قصر بتدّين يحيّي بعض الفرق القومية الاجتماعية، وقد وقف عن جانبه الأمين الـجزيل الاحترام عبدالله قبرصي، هذه الصـورة الصغيـرة (ورفع الزعيم صـورة بيده) ليست كثيرة الـوضوح ويجب التدقيـق فيها والتّنبـه إلى العـلامات لتمييز رئيس الـجمهورية والأمين قبرصي فقربوها إلى أنظاركم وتـحققوا منها.
هذه صورة أخرى (ورفع الزعيم صورة بيده) هي أكثر جلاء من الأولى تـمثّل حشداً من القـوميين الاجتمـاعيين في مرجعيون التي أقـام فيها الـحزب القومي الاجتماعي مهرجاناً حزبياً أظهر قوّته في جنوب لبنان الشرقي.
وهذه صورة أخرى تـمثّل فرقة قومية اجتماعية سائرة بنظامها البديع وعلمها إلى الـمخيم الذي أقيم صيف السنة الـماضية في عيناب.
وهذه صورة أخرى تُظهر الوزير الدكتور جميل تلحوق مـمثل الـحكومة في مهرجان الـحزب القومي في الشوف، وهنالك صور أخرى كثيرة قد أصبحت الآن في إدارة الزوبعة ستنشر على صفحاتها ويعرف الـمواطنون الغافلون في الـمغترب أنّ الـحزب القومي الاجتماعي هو نهضة عظيمة مـمتدة في جميع أرجاء الوطن، وأنّ الـحكومات الوطنية الـحاضرة تقدّر هذه الـحركة وتـحسب حسابها.
إنّ سلسلة هذه الـمظاهر التي وصلت حلقاتها إلينا هي سلسلة شهادات بانتصار الـحزب السوري القومي الاجتماعي على الأراجيف والإشاعات التي حاربته بها قوات الرجعة وعلى السجون والـمعتقلات التي زجت فيها الدولة الـمحتلة معظم أركان إدارته وعدداً من رجاله البارزين وأركانه العاملين مُحاوِلةً خنق حركته.
أجل، قد ساء فأل الذين أخذوا يشيعون أنّ الـحزب السوري القومي الاجتماعي هو وليد الـحركة الفاشستية في إيطالية أو وليد الـحركة الاشتراكية القومية في ألـمانية، وأنه يعمل بإشارة تينك الـحركتين، والـحقيقة أنّ هذا الـحزب هو أول منظمة نبّهت الأمة السورية إلى خطر دعاوات الـحركتين الأجنبيتين الـمذكورتين، والقوة الوحيدة التي وقفت في وجه مراميهما الاستعمارية، كما وقفت في وجه الـمرامي الاستعمارية التي سبقتها إلى وطننا. (هتاف وتصفيق شديدان).
إنّ نزاهة الـحركة السورية القومية الاجتماعية الناصعة ظهرت دائماً حيث وجدت نزاهة في معرفة الـحقيقة وحيث لم يوجد تـحيّز لأغراض مستورة ومرامي رجعية أو استعمارية مستورة. ففي الـمكسيك التي كانت في مقدمة الدول الأميركية التي أعلنت الـحرب على الـمحور بحثت الـحكومة الـمكسيكية في أمر الـحزب السوري القومي الاجتماعي الذي بلغها فيه وشايات وأقاويل كثيرة من مواطنين أعماهم هوس الرجعة وحب الباطل، فلما وقفت على حقيقة أمره رخّصت لفرع الـحزب السوري القومي الاجتماعي متابعة أعماله علناً في الـمكسيك وخوَّلته حرية لم تعرفها أحزاب كثيرة غيره في أثناء الـحرب. وفي أميركانية عرضت مبادىء الـحزب القومي الاجتماعي وشرحها ودستور الـحزب وقوانينه مترجمة إلى الإنكليزية على الـحكومة في واشنطن فلما وقفت عليها ونظرت في جميع الأقاويل فيه لم تـجد مستنداً حقيقياً واحداً للذين أرادوا تشويه حقيقته، ورخّصت للحزب العمل بحرّية لغايته في أميركانية، وصار فرع الـحزب هناك يعمل بحرّية تامة بينما الـحرب بين الـجبهة الديـموقراطية والـجبهة الـمحورية في أشدها!
وإذا نظرنا في شأن الـحزب في الوطن، ماذا نرى؟ نرى أنّ الـحزب السوري القومي الاجتماعي كان مضطهداً على عهد حكومة فيشي الـمواليـة للمحور. وقد نفّذ فينا الاحتلال الفرنسي أحكامه العسكرية الـمشهورة الـمبنية على غير التهمة الأساسية التي وجّهت إليه واتخذت ذريعة لـملاحقة أركانه وشلّ حركته. فقد كانت التهمة الـمذكورة تنص على التآمر على سلامة الدولة الداخلية والـخارجية، ولكن لـما لم تتمكن سلطة الاحتلال الاستعماري من إثبات تهمتها بحجة واحدة أو بشبه حجة فأسقطت دعواها وحكمت علينا أحكامها الباطلة الـجائرة بتهمة أخرى لم يكن لها أساس في الدعوى وهي «الاشتغال بحزب غير مرخّص به وتوزيع مناشير وعقد اجتماعات غير مأذون بها». وما أبعد هذه التهمة عن أي ظل لتلك الإشاعات الـمختلقة من تأثير الفاشستية الإيطالية والاشتراكية القومية الألـمانية في الـحزب القومي الاجتماعي وعن عمله لـمصلحة دول الـمحور!
وبعد دور حكومة فيشي تعرّض الـحزب لامتحان آخر على عهد الديغوليين الذين ورثوا السياسة الاستعمارية وأرادوا تطبيقها بالـحرف، لكن تـحت أسماء جديدة. ولكن تيار الشعور القومي وروح الدفاع عن حق الأمة اللذين نفختهما تعاليم الـحزب السوري القومي الاجتماعي في نفوس الشعب، كانا قد أصبحا قوة كبيرة ساعدها على مظهرها الأخير، تغيير الوضع السياسي الإنترناسيوني وضعف القوة العسكرية الفرنسية، فخرج جنود الـحركة القومية الاجتماعية ينظّمون الـحملات ويعبّئون صفوف القوميين الاجتماعيين ويضمون إليهم قوات أخرى من الشعب ويهاجمون الفرنسيين في معاقلهم، فأبلوا أحسن البلاء ونالوا شهادات رجال الإدارة وإعجاب الشعب وتقديره. وفي لبنان نصر الـحزب القومي الاجتماعي الأستاذ بشارة الـخوري على إميل إده، وبفـضل تدخّـل الـحزب القـومي الاجتماعي في انتخابات لبنان فـاز الأستـاذ بشـارة الـخوري و «الكتلة الدستوريـة» وصار الأستـاذ الـخـوري رئيس الـجمهورية اللبنانية.
وها هي أخبار الوطن تعلن لنا أنّ الـحزب القومي الاجتماعي يعمل برخصة رسمية في لبنان وتـمتد حركته الـمباركة امتداداً سريعاً في جميع مناطق سورية في الشام وجميع جهات الـجمهورية الشامية وفي فلسطين وفي عبر الأردن، والشعب الذي يرى اليوم مظاهر الاستقلال يشعر بالـحاجة الـماسّة إلى جعل هذا الاستقلال حقيقة متينة تستند إلى دعائم قومية راسخة ويشتد في هذا العهد يقينه بأن الـحزب القومي الاجتماعي هو أمل الأمة الوحيد. (هتاف وتصفيق متواصلان).
إنّ الـحزب القومي الاجتماعي قد انتصر على السجون والإرهاق، وعلى الإشاعات والأكاذيب، وعلى عراقيل الرجعة ومقاوماتها، وعلى الإرادات الأجنبية الطامعـة في حقيقتنـا وحقوقنـا (هتـاف شديد، ليحيى الـحزب القومي الاجتماعي! ليحيى سعاده!).
ولكي نفهم قيمة انتصارنا يجب أن نعلم قيمة الـحروب التي خضناها. قد كانت أولاها الـحرب التي بادأتنا بها السلطة الاحتلالية التي أوعزت إلى أتباعها من أبناء البلاد أن تشيع عنا أننا نعمل لـمصلحة إيطالية وألـمانية وبأمر الفاشستية والاشتراكية القومية لكي يتسنى لها أن تتعقبنا وتضطهدنا بهذه التهمة وأن تضلل الشعب عنا.
ثم كانت الـحرب التي أثارتها علينا الـحزبيات الدينية من مسيحية ومحمدية، فقام أصحاب الـحزبية الـمسيحية يقولون إننا نعمل لـجعل الـمسيحيين تـحت حكم الـمحمديين الذين هم الأكثرية في سورية ليذلّوهم، وقام أصحاب الـحزبية الـمحمدية يقولون إننا نريد إذلال الـمحمديين للمسيحيين ومحاربة الـمحمدية.
ثم كانت الـحرب التي أضرمت نارها النفعية على اختلاف طبقاتها وألوانها التي لها غرض واضح هو أن تظل الفوضى متفشية في البلاد، وأن تظل الأمة مقسمة بين حزبياتها الدينية لتتمكن النفعية من الاصطياد في الـماء العكر.
وقد توهّم ذوو النظر الضعيف أنّ هذه الـحروب التي أثيرت علينا تشهد على فساد تعاليمنا وبطلان دعوتنا، فأنا أسألكم وأسألهم، أليست الـمسيحية والـمحمدية رسالتين إلهيتين أتتا العالم بأمر الله وإذنه؟ ألم تكن العزة الإلهية ذاتها مستنداً لهما ولرسوليهما؟ وماذا فوق العزة الإلهية ذاتها من صدق وقدوة؟ وماذا كان موقف الناس من هاتين الرسالتين الإلهيتين؟ هل انضموا إليهما حالـما سمعوا دعوتيهما الإلهيتين؟ هل مجّدوا صاحبيهما اللذين أرسلهما الله؟
كلا، بل قاوموهما أشد الـمقاومة وسخروا من صاحبي الرسالة واحتقروهما، وقالوا عن الـمسيح الذي هو الأقنوم الإلهي الثالث عند الـمسيحيين أي الذي تتمثل فيه إرادة الله بالذات إنه بعلزبول وإنه يأمر الشياطين أن يدخلوا ويخرجوا لأنه رئيسهم، وفي الآخر صلبوه على رواية الـمسيحيين، أو رفعه الله من بينهم على رواية الـمحمديين، وترك تلامذة قليلين يتعهدون دعوته ويتعرضون للإهانة الكثيرة. وقالوا عن محمد إنه مجنون وإنه مشعوذ وأصلوه حرباً شديدة ورموه عن فرسه في معركة أُحُد وجرحوه وكادوا يقتلونه، ثم جمعوا عليه العرب قاطبة في يوم الأحزاب فضربوا عليه نطاقاً متيناً. وكانوا قد حملوه على الهجرة من مكة مرتين وتفرّقَ أتباعه عنه في الـمرة الأولى والتجأوا إلى الـحبشة وظن الناس أنّ العرب مزهقون دعوة محمد. فماذا على الناس أن يكونوا أشد عداء لصاحب الدعوة السورية القومية الاجتماعية، وهو لا يزعم أنه آت رسولاً إليهم من الله ليدعوهم إلى الله؟
كما حارب أعداء الـمسيحيين هذه الدعوة في الـمسيح، وكما حارب أعداء الـمحمدية هذه الدعوة في محمد، كذلك حارب أعداء القومية الاجتماعية هذه الدعوة في أنطون سعاده فقالوا فيه كل قول شرير ورموه بكل باطل.
إنّ الطعن في كل صاحب دعوة جديدة، وكل موجد عقيدة جديدة، وكل شارع نظام جديد، هو خلة كل رجعة وطريقة كل فئة متشبثة بالوضع القائم. وإنّ من فنون الـحرب الـحديثة تدريب مهرة الرماة على طلب قائد الـحملة وتسديد بندقياتهم إليه وتصويب الـمدافع إلى حيث يظن أو يعرف أنّ مركز القيادة قائم، لأن قتل القائد أو إهلاك مركز القيادة بكامله يؤدي إلى تضعضع الصفوف وانسحاق القوات الـمحاربة تـحت إمرة القيادة الـمذكورة.
إلى هذه النتيجة رمت السلطة الاحتلالية بتوجيه حملات حرب الأعصاب التي أصلت نارها على الزعيم وأعوانه في إدارة الـحزب القومي الاجتماعي العليا. وإلى هذه النتيجة رمت الرجعية والـحزبية الدينية برمي الزعيم بقذائف ألسنتها. إنها كانت تعرف لـماذا كانت تطلب أن ترمي الزعيم، والزعيم كان يعرف غرض محاولاتها الأثيمة.
ولكن الـمسيحية والـمحمدية انتصرتا في الأخير على جهالات الناس وأباطيلهم وأوجدتا حياة جديدة لأتباعهما، والرسالة القومية الاجتماعية تضيف اليوم انتصاراً جديداً عظيماً مشرقاً إلى انتصاراتها الـماضية، وإن كنا لا نزعم لها صفة تينك الرسالتين الإلهيتين، فإننا نؤكد أنها تستحق ما إستحقتا من الانتصار، لأنها هي أيضاً، وهي تصدق لـما تشابه، آخذة في إيجاد حياة جديدة للأمة السورية وقوة للناس في كيف يكون الإنسان أفْيد للإنسان، وحبيباً إليه كنفسه.