من دائرة الإنشاء: أخيراً غلب الـحق الذي لا يغلب وهرب من لبنان ذاك الـمجنون بالعظمة الذي تعهد للسلطة الفرنسية بتشريد الـحزب السوري القومي الاجتماعي ورجاله، الطاغية إميل إده، وانكسرت جميع تلك الإشاعات الغريبة التي لفّقها عبيد الاستعمار ليغشّوا بها الشعب في صدد حقيقة الـحزب السوري القومي الاجتماعي، واضطرت حكومة لبنان للاعتراف بهذا الـحزب ضمن غايته والترخيص له ليعمل علناً، مـمارساً حقوق عضوية الدولة وحرية الفكر التي جاهد هذا الـحزب مدة الاثنتي عشرة سنة الـماضية لـجعلها حقوقاً عامة لـجميع أفراد الأمة.
وعملاً بخطة الـحزب السياسية الـحكيمة في معالـجة الأوضاع التي أوجدتها ظروف خاصة لا يـمكن إغفالها، الـمعلنة في شرح غاية الـحزب وفي تصريح للزعيم في صدد حالة لبنان، ومنعاً لتعكير الـحالة السياسية في لبنان، قررت دوائر الـحزب العليا تطبيق سياسة التمهيد الـمتوسطة بين الـمركزية واللامركزية بالعمل في أجزاء سورية ضمن هذه الأجزاء للسير بها رويداً نحو إدراك الغاية الأخيرة الكبرى التي ترفع الأمة السورية من حضيض القطعان إلى مرتبة أمة حية ذات شخصية في مجتمع الأمـم الراقية ذات الشأن.
وقد تناولت الصحف والألسن، في الوطن والـمغترب، هذا الـحدث الـجديد الذي لم يكن متوقعاً عند غير العارفين الذين كانوا يطالعون أغرب الافتراءات عن أمر الـحزب ودخائله. ولم يكن قليلاً عدد السوريين في الـمغترب الذين تعجبوا كيف أنّ هذا الـحزب الذي رُمي بأغرب التّهم بعلاقات شائنة مع ألـمانية وإيطالية يُفسح له مجال العمل في الوطن بعد احتلال شمال سورية من قِبَل الذين حاربوا ألـمانية وإيطالية أشد الـحرب!
ما هي قيمة الرخصة اللبنانية لعمل الـحزب بحرّية في لبنان، وكيف يجب أن تُفهم عند القوميين وغير القوميين؟
هذا سؤال خطير لم يَفتْ نظر حضرة رئيس الـمجلس الأعلى الأمين نعمة ثابت فألقى الـخطاب الآتي نصه الذي يُظهر مرة أخرى للناس عمق شعور الـحزب السوري القومي الاجتماعي بـمسؤوليته ورسالته، وسمو نظرته إلى عمله وحالة الأمة والوطن. قال الأمين الرئيس:
أيها القوميون،
إنني بهذه الـمناسبة أعلن لكم رسمياً ما تكونون قد سمعتموه بالتواتر من أنّ الـحزب قد استحصل في الثاني من مايو/أيار الـحالي على رخصة رسمية بالعمل. إنّ قسماً منكم قد رافق تطور الـمفاوضات التي أدت إلى هذه النتيجة الـحسنة، واطلع أيضاً على الـجهود التي بذلت في هذا السبيل في الثلاثة الأشهر الأخيرة. لكنني لـمست أثناء سير هذه الـمفاوضات اتـجاهاً عند البعض لتفسير سعينا الـحثيث في سبيل الرخصـة بأن هنالك اقتناعاً في أنّ أمر الـحصول على هذه الوثيقة أمر أساسي يتوقف عليه بقاء الـحزب أو زواله. ولكنني، لكي لا أترك مجالاً لتأويل هذا العمل وتفسيره بصورة كيفية غير مستندة إلى نظرة مبدئية عميقة، رأيت أن أغتنم فرصة هذا الاجتماع العام لكي أعيّن بالضبط قيمة الرخصة في عملنا الـحزبي، فلا يبالغ بأهميتها من قِبَل الذين يتمسكون بفكرة ضرورة العمل بـموجبها ولا يقلل من أهمية الرخصة من قِبَل الذين لا يرون لها ضرورة.
إذا أردنا أن نعيّن أهمية الرخصة، يجب أن لا يغيب عن بالنا أنّ الـحركة القومية لم تظهر إلى الوجود فقط منذ خمسة أيام، أي منذ أخذ الرخصة، كما وأنني أعتقد أنكم توافقون معي أنّ وجودكم هنا يرجع الفضل فيه، بالدرجة الأولى، إلى صفات الـمثابرة والثبات التي امتازت بها نهضة الـحزب القومي في السنوات العشر الأخيرة. ومـما لا شك فيه أنّ الـحزب القومي يجب أن يفتخر بكونه نشأ وتطور حتى أصبح حركة قومية تفعل بقوة وعزم في صميم حياة الأمة دون أية حاجة إلى مأذونية قانونية. فدلّ على أنه ليس وليد الـمناسبات والـحوادث الطارئة، ودلّ أيضاً على أنه لم يؤسس بدافع الغيرة من سواه من الأحزاب، بل ولد تلبية لـحاجة قومية ماسة، ولد لكي يبرز شخصية أمة كادت أن تشوهها تيارات «النهضة الرجعية».
فيتضح من ذلك، أنّ عملاً اجتماعياً شاملاً جباراً كعمل الـحزب القومي، لا يـمكن أن يوجد بالاستناد فقط إلى رخصة حكومية، لأن حركة الـحزب تـمثل نهضة شعب وكل ما تشتمل عليه من العمل على رفع القيم الأخلاقية والثقافية والـمدنية. إنّ عملاً هذا نطاقه يحتاج إلى ترخيص من الشعـب نفسـه وقانونيته تستنـد إلى إرادة الشعب وسيادته القومية. فعليه يكون قد عمل الـحزب القومي في الـماضي بناءً على موافقة أعلى مصدر لكل سلطة في الدولة - سلطة السيادة القومية. ولم تكن الاصطدامات التي حصلت بين الـحزب والسلطات الـحكومية في الـماضي، إلا عراكاً طبيعياً يحصل دائماً بين شعب يشعر بحقه في السيادة ويعتزم مـمارسة هذا الـحق وحكومات عاصية على إرادته وحقوقه، والآن عندما انتهى دور الـحكومات العاصية، وأتت حكومة تتمتع بثقة وتأييد شعبي اشترك الـحزب القومي اشتراكاً فعلياً بإيصالها إلى الـحكم، اعترفت هذه الـحكومة للحزب القومي بحقه في مـمارسة الـحقوق والواجبات الـمدنية التي بعدم وجودها لن يكون للاستقلال معنى. فإننا نستطيع أن ندرك الآن أنّ القوة الدافعة للحركة القومية في عملها الإصلاحي التنظيمي الـجبار ليست في الورقة التي حصلنا عليها منذ بضعة أيام، بل تتجسم هذه القوة الدافعة في مجموعة التقاليد والفضائل التي تكونت بإثني عشر عاماً من الـجهاد والاختبار.
أما الآن فإننا سنمرّ بفترة من التسهيلات القانونية قد تثير إقبالاً على الـحركة القومية. فبهذا الصدد، أريد أن أقول لكم وللذين تغرّهم هذه التسهيلات إنّ الشعب الذي يريد أن يكتب تاريخه بنفسه ويـملك زمام مصيره، عليه أن ينحت طريقه في صخور الصعوبات والـمعاكسات، لا أن يؤجل العمل في سبيل رقيّه وحريته إلى الظروف السهلة الهينة، خصوصاً وأنّ هذه الظروف لا تأتي بـمجرّد انتظارها لأنها ليست إلا وليدة جهود مستمرة منتظمة. إنّ الأمـم التي تتمتع بنعيم الظروف الـمؤاتية هي الأمـم التي حطمت في الـماضي بفضائلها الـمعنوية وقواها الـمادية ظروفها الـمعاكسة. فإلى الذين يريدون أن ينتظروا مجيء الأيام السهلة لكي يعملوا لبلادهم أقول إنّ من استطاع تـحقيق أمر في أيام الشدائد لن يحتاج إلى مساعدة في الأيام الـمؤاتية.»